من الأخبار المثيرة للانتباه تلك التي ترد من كواليس الوسط الفني. مهور بعض الفنانات تتخطى ملايين الدولارات أحياناً. كما أنهن يتسابقن إلى تسريب الأخبار عن قيمة مهرهن، باعتبار أن ارتفاع المهر يزيد من قيمتهن، على الأقل في الوسط الفني.
الفنانات قد يكنّ نموذجاً "يُقتدى" في اللاوعي الاجتماعي والشعبي لفئة من الناس. هنّ عبارة عن ثقافة المهر في العالم العربي، التي تبدلت بين الماضي والحاضر، ولكنها بقيت مرتبطة في عيون من يؤيدونها ومن يرفضونها، بتحديدها لـ "قيمة" المرأة. لا يمكن وضع معيار محدد لثقافة المهر، فهذه الكلمة "مطاطة" تختلف وقائعها ميدانياً.
لا شك أن الجميع ينصاع لتقليد المهر في العالم العربي والاسلامي، سواءً بشكل رمزي أو بطريقة فاحشة مع أن المبرر الموضعي لتقليد المهر انتهى، جراء تبدل أنماط الحياة ودخول المرأة مجالات التوظيف والعمل واستقلاليتها التامة أحياناً، لكن المهور ما زالت حاضرة بقوة وأكثر من الماضي. تبدلت أنماط الحياة لكن المجتمع العربي ما زال يتبع تقليد المهر كطريقة لحماية مستقبل البنات في حال الطلاق، وبات ارتفاع المهر في بعض المناطق سبباً من الأسباب الأساسية للعنوسة.
في موريتانيا، مثلاً، يرى المهتمون بقضايا الزواج، المهر، ما يدفعه الزوج إِلى زوجته بعقد الزواج، ويسمونه في اللغة الدارجة "المقدم والمؤخر" أو "المعجل والمؤجل" أو "البند الجزائي" بحسب القانون، يعتبر من التقاليد المتعارف عليها، وتأتي أهميته من كونه ليس مجرد جانب أساسي في الزواج فقط، بل يرتبط بقيم اجتماعية وتقليدية في مختلف البلدان العربية وحتى الأديان من الإسلام إلى الأيزيدية.
ماذا عن الشرع الإسلامي؟
لم يضع الشرع الإسلامي حداً لأقل المهر وأكثره، والمعيار في ذلك قدرة كل رجل واستطاعته. على أن الإسلام رغب في تيسير المهور، واعتبر أكثر النساء يمناً وبركة، أقلهن مهراً. لا يقتصر هذا التقليد على سكان المنطقة العربية، أو أتباع ديانة واحدة، فلقد اتخذ أشكالاً عدة منذ العصور القديمة، من المهر الذي كان يعطيه أب الفتاة الى الزوج، إلى ذاك الذي كانت تعطيه عائلة الزوج الى عائلة الفتاة كشكرٍ لها على تربيتها. مع الوقت، احتفظ المهر في بلدان عدة بجزءه الأول فقط “المقدم”، على شكل هدايا يتم تبادلها بين الزوجين.
هذه هي نظرة المجتمع إلى المهر اليوم. تتراوح بين اتباع التقليد ولغة المباهاة السائدة بين العوائل والعشائر، وبين من يتمردون عليها وعلى ثقافة الزواج بشكل عام، ويعتمدون المساكنة في تحدّ معلن للتقاليد القديمة، خصوصاً في المدن.
نقلا عن " رصيف 22" بتصرف