التعليم.. خطوات في الاتجاه الصحيح/ عثمان جدو

16 أكتوبر, 2016 - 14:22

لا شك أن قطاع التعليم هو رمز الأهمية في القطاعات الحكومية لما يُناط به من مسؤولية ولما لتلك المسؤولية من حساسية، فقطاع التعليم-كما هو معلوم- مسؤول عن تكوين النشء؛ الذي يُعَدُّ زهرة الحاضر و فرس رهان المستقبل، بالإضافة إلى تهذيب المجتمع؛ لكونه دعامة الوجود، وإشاعة الأخلاق الفاضلة؛ بوصفها إكسير الحياة الإيجابية.

 

إن مما لا يخفى على ذي بصيرة أن قطاع التعليم شهد تغيرات معتبرة في الفترة الماضية القريبة، و مازال بحاجة ماسة إلى خطوات مماثلة مع تنفيذ أسرع وإدراجٍ لكل الرؤى الإيجابية؛ حتى يظل ديدنه المُضِي قدما بثبات وفي الاتجاه الصحيح.

 

لقد شكل إعلان *سنة* للتعليم اعتبارا معنويا ودفعا قويا للمنظومة التربوية صاحبته إجراءات وتدابير كان لها تأثيرها الإيجابي في إنعاش التعليم-نسبيا-رغم بعض المنغصات الطارئة، وإن كان إصلاح التعليم والنهوض به لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم في سنة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة، إذ لا بد لإنعاش التعليم و النهوض به من التخطيط المحكم والتنفيذ الآمن على المدى المتوسط (خمس سنوات تقريبا) أو على المدى الطويل (عشر سنوات تقريبا).

 

لقد شكلت نهاية الفصل الأول من العام الحالي *2016* بداية التحرك السليم داخل قطاع التعليم من خلال: -توقيف ظاهرة ( envoyer ) المشينة؛ التي كانت تشكل ورما خبيثا مزروعا في جسم التعليم بإحكام، ولقد تم القضاء على هذه الظاهرة نهائيا وخلا العام الدراسي الماضي منها ونرجو أن يستمر ذلك بنقس الأسلوب وبذات السيطرة؛

 

وفي نفس العام (العام الدراسي المنصرم) تم ضبط الامتحانات وخاصة *الباكلوريا* بشكل لافت خاصة وأن العام قبل الماضي شهد انتكاسة كبرى تمثلت في تسريب بعض مواد امتحان *الباكلوريا* عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك، واتس آب..) وهي الوسائط التي تم تعطيلها أثناء فترة امتحانات الباكلوريا الماضية، مما كان له دور كبير في إعادة الروح المعنوية لهذه الشهادة؛

 

أما بداية العام الدراسي الحالي فقد شهدت إجراءات كبيرة جديرة بالذكر والإشادة، منها مثالا لا حصرا : 

- تفعيل المعهد التربوي الوطني من خلال المصادقة على صندوق لدعم النشر المدرسي، ومن خلال إحياء المعاهد الجهوية التربوية؛ التي تعد دعامة أساسية في المنظومة التربوية؛ فهي التي تقع عليها مسؤولية توزيع ومتابعة حركة الكتاب المدرسي وإعداد تقارير عن محتوياته ومدى تأثيرها في الساحة التربوية، بالإضافة إلى إثراء الساحة التقافية من خلال أنشطة تدعم ذلك وتحقق المنشود، ومن المعروف أن هذه *المعاهد الجهوية* كانت قبل هذه السنة عبارة عن *مقابر جهوية* بما تحمله الكلمة من دلالة ومعنى؛ يموت فيها الكتاب المدرسي، يعطل فيها النشاط الثقافي؛ بدءا بمجلاتها الثقافية المعروفة، مرورا بمكتبات المطالعة؛ التي أصبحت مسارح أشباح، وانتهاء إلى الدور الإنعاشي الثقافي الذي غاب بغياب هذه المعاهد!.

 

ومن الإجراءات التي تم القيام بها بداية هذا العام؛ تصحيح وضعية المستشارين التربويين والملحقين الإداريين وبعض المدرسين الموفدين إلى الخارج، وبالرغم من أهمية الإجراء وإيجابيته في المستقبل-خاصة في تلك الحالات التي كان أصحابها في فراغ وظيفي نظرا لعدم قيامهم بأي دور ونظرا لعدم وجود أي حاجة لتلك الإدارات -التي وُجِّهُوا إليها بشكل فوضوي- فيهم، بالرغم من ذلك أبدى البعض امتعاضه من هذه القضية؛ التي نرجو أن تمر بسلام وتوفيق وأن لا يتكرر معنا السيناريو؛ الذي حدث مع الوزيرة *نبغوه* عندما أرادت الإصلاح، حيث أصطدمت بلوبيات الفساد المُحنّطين أنذاك داخل الوزارة؛ وطبعا أوقعوا بها وانهزم إصلاح التعليم أمام رموز إفساده..!؟

 

-مع أن من بين هؤلاء-خاصة المستشارين- قلة يستحقون البقاء مستشارين نظرا لخبرتهم الميدانية ونظرا لتدرجهم الإداري؛ إذ سبق لهم أن أداروا مدارس متعددة، عكس الأغلبية الساحقة للمشمولين في هذه الإجراءات. 

 

علينا إذا نحن أردنا الاستمرار على نهج التفعيل والإصلاح أن نضبط حركة المدرسين خاصة من المدراس النظامية إلى المدارس الحرة التي قتلت التعليم بسلبها لطواقمه وإنهاكها لأبدانهم وتخريبها لعقولهم بفعل التشويش المالي، والتوظيف اللامشروع، وهي التي كان ينتظر منها مساعدته والإسهام في النهوض به!! 

 

وهنا بالذات يجب اعتماد تلك الخطة التي تعتمد إجبار هذه المدارس على تقديم لوائح الأشخاص العاملين معها في بداية كل فصل دراسي لإدارة المصادر البشرية والتأكد من خُلوِها من المدرسين النظاميين وبدون ذلك ستبقى كل محاولات النهوض يائسة..

 

علينا أيضا أن نعيد الاعتبار للكتاب المدرسي (المدرس الصامت) من خلال حملات تحسيسية حول ضرورة الاستفادة منه وصيانته، فالكتاب المدرسي هو الذي يحمل بين دفتيه الدعامة العلمية الضامنة لاستمرار ونجاح التعليم، وهو باختصار البذرة التي تذوب كل جهود المنظومة التربوية من أجل غرسها في بستان المعرفة الذي يمثل كل تلميذ نبتة فيه يُسهر على تنضيجها وقطف ثمارها.