فأمَّا حمير غدرت و خانت .. فمعذرة الإله لذي رعين
أكتب و ببالغ الأسى و الإكبار كذلك ، عن رمز من رموزنا الوطنية و التي لا نعرف مكانتها إلا بعد أن تلوح لنا الحوالك من ليالي الفتن .
قُتِلَ رجل المروءة و التآخي الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين كما قتل قبله الكثير من المصلحين ، أصحاب الهمم العالية و المباديء السامية مثل مارتن لوثر كنج و مالكوم إكس ( رحمة الله عليه ) وغيرهم الكثير و بدم بارد و دون أي إكتراث مع صمت من يريد السلامة ، رغم أنه سيُأكل كيوم أكل الثور الأبيض .
إن قَتْلَ ولد الشين له مابعده .
و ما كان قيس ، موتهُ موت واحدٍ .. و لكنه بنيانُ قومٍ تهدَّمَا
عندما حاول بيرام إيقاد نار الحرب و الفتنة بين شرائح المجتمع الموريتاني ، بدعوى الفقر المدقع و لشريحة واحدة من المجتمع ، كأنه لم يمر قط بأي حي من أحياء عاصمتنا الفقيرة ، ليرى الأسر باختلاف أعراقها تصارع الفاقة جنبا إلى جنب و بدون جُدُرٍ بينها ، حيث وحَّدتها الجروح و الآلامُ و النكبات .
من يرى ذلك يظن أن بيرام تربى بين حدائق روما أو منازل ميلانو أو أحياء باريس و غيرها من مدن الغرب . حتى أنَّه لسعيه الدؤوب في قض المضاجع و إشعال الفتن، وشَّحَهُ سفير الولايات المتحدة الأمريكية في انواكشوط بوسام جعله من التبجح يقول بأن ذلك الوسام لم يحصل عليه سوي نيلسون مانديلا ، لكنه نسي أن مانديلا قضى حياته و هو يدعو إلى الوحده ، حتى أنَّ أول خطاب رئاسي له كان بالأفريكانز ( لغة البيض ) ، أما بيرام فيكفيك عن كثرة الكلام فيه قليله .
نحن كشعب نُهبةً للسياسي و للمسمى بحامي الحدود على السواء. و كأن عميد الأدباء ولد عبد القادر يقصدنا بقوله :
جرحتنا مخالب الدهر يوما .. و تلاقى على ربانا الغزاةُ
نعم ، لا السياسي المعارض قبل الموالي و لا الجندي بلباس الشرطة أو الجيش يريد مصلحة الوطن ( إلاَّ من رحم ربُّك) .
كلهم كواسر تسعى لجلب الكسر .
و الحكمة تقول ( إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة ، فاعلم أن له عندها أخوات ، و إذارأيته يعمل السيئة، فاعلم أن له عندها أخوات ).
لذلك هذا الإنطباع عن الساسة لم يكن من فراغ ، بل من تجربة شخصية .
فعندما فرض علينا (أقصد المغتربين في جميع الأصقاع) الرئيس السابق ولد عبد العزيز العودة إلى أرض الوطن لتجديد الجوازات ، رغم أن دُولاً أفقر منا بكثير ، كانت توفر لمواطنيها الجوازات في سفاراتها و دون أيِّ عناء .. و يومها كان قراراً جائراً بحق .
حاولتُ الإتصال بكل من يُتوسَّمُ فيهم المروءة و بكل من يقتات بمصائب و مُلمات المواطن البريء مُوالٍ كانَ أو معارض مثل جميل ولد منصور و ولد حنن مؤسس حزب حاتم و ولد محم (الذي أَلَّه ولد عبد العزيز ، فجعل منه إلهً يُطعمُ من جوعٍ و يؤمِّنُ خوف ، حتى يشفع لنا عند ربه ولد عبدالعزيز و الذي بعد السقوط كفر به) .
راسلتُ الكثير من الأحزاب الموريتانية التي لها مواقع على الإنترنت و الإدارات الحكوميه ، حتى البرلمان ، راسلتهم أفرادا و جماعات لكنها كانت شكوى الجريح إلى الغربان و الرخم . و الرسائل موجودة عندي إلى الآن في الماسينجر الخاص بالفيسبوك.
الوحيد الذي رد عليَّ يومها ، كان نائب رئيس البرلمان( الدكتور محمد غلام ) جزاه الله عني و عن المغتربين خير الجزاء .
كان مواطناً بحق و صاحب مبدأ و طرح معاناة المغتربين في قاعة البرلمان ، لكنه كان ينفخُ في رماد .
أما البقية فمجرد جوارح أو طفيليون يتاجرون بمصائبنا و يستميتون أمام وسائل الإعلام و المقصود ليس نحن ، بل أرقام حساباتهم البنكيه .. فهم كما قال الشاعر :
رأيتُ فُضَيْلاً ، كان شيئاً مُلفلفاً .. فكشَّفَهُ التَّمحيصُ حتى بدا لِيَا
ءأنت أخيِ ، ما لم تكُنْ ليَ حاجَةٌ .. فإنْ عَرَضَتْ ، أيْقَنْتُ ألّا أخاً لِياَ
فلاَ زادَ ما بينيِ و بينكَ بعدماَ .. بَلَوْتُكَ في الحاجاتِ إلَّا تمادِياَ
فكل منهم يعرض بضاعته و لغرض في نفسه .
ولد منصور باسم الإسلام و بيرام باسم الفقر و العبوديه و ولد حنن باسم الوطنية ، أما الحزب الحاكم فبإسم القاصي والداني و كلهم وجوه لعملة واحده ألا وهي المنفعة الشخصية البحته .
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن من يشارك الغرباء نهب ثروات الوطن ، سواء كان بزي عسكري أو مدني و من يرانا نتضور جوعاً و هو مع السلطةِ و لا ينبُسُ ببنتِ شفه و من يسعى إلى تأجيج الفتن الطائفية و إشعال نار الحرب لسواء .. عليهم من الله مايستحقون .
لذا كان علينا أن ننظر بعين إجلال و إكبار و عرفان بالجميل لمن يسعى إلى نبذ الفتن و نشر المودة و التكاتف و الوحدة بين شرائح المجتمع نعاضده و نشد من أزره ، و لنا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم منهاج .
ففي الحديث عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا رواهُ البخاري.
إن قَتل من يسعى للمصلحة الوطنية هو خيانة عظمى ، تحت أي ذريعة كانت .. فمن يريد القتل لا يعوزه التبرير .. يكفينا ما حدث للعراق .. مُزقوا كل ممزق و بداعي الوطنيه و اليوم يتباكون على أيام دولتهم .
لا أدري كيف للموريتاني التنقص من موريتانيٍ مثله .
فعلى المستوى العربي ، جُل العرب شعوبا و حكومات في شك من عروبتنا وليس ذلك إلَّا للفقر المدقع الذي يسعى كل من وصل إلى السلطة استمرار مُكثنا فيه .
حتى أننا عندما استضفنا القمة العربية ، سخرت و سائل إعلامهم من خيمتنا و بات الوفد اللبناني ليلته في الدار البيضاء بحجة أن فنادقنا لا ترقى للسكنى .
و قبل أشهر ذكر رئس المجلس العالمي لعلماء المسلمين الدكتور المغربي الريسوني أن وجود دولتنا غلط من الأساس .
رغم أن الله سبحانه وتعالى حفظ بأسلافنا الإسلام والمسلمين في الأندلس و المغرب طبعا .. و حفظ بعلمائنا الشناقطة القرآن و العربية في جميع أصقاع العالم الإسلامي .
أماَّ الأفارقة فإخواننا في المصيبه ، آخانا الفقر و حكم العسكر و تعاونه مع المستعمر .
بقيَ الغرب و الذي كلابه الذين هم أبناء جلدتنا تنهشنا صباح مساء و همه الأوحد نهب ثرواتنا مع بقاءنا فقراء و اللَّومُ يعود علينا طبعاً .
بعد كل هذا يريد منا أولئك الأوغاد كلاب الغرب و الذين هم أبناء جلدتنا أن نتناحر .. حسبنا الله ونعم الوكيل .
الغريب أن فقرنا مادي و لدينا من الثروات ما يغني غرب أفريقيا كلها .
وهذه الثروات التى نسمع عنها في وسائل الإعلام كقناة الجزيرة مثلا ، قد تجر علينا نقماً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شرها .
فأطماع المغرب ليست بجديدة و السنغال فنار الماضي لازالت تحت الرماد ، أما مالي فيكفي ما فعله مرتزقة فاغنر بأهلنا على الحدود الشرقية و رد الحكومة الموقرة على قتل مواطنينا و حرق جثثهم رحمهم الله سبحانه وتعالى.
أَوَفوق كل هذا يريد كلاب الغرب و مرتزقة الخليج ( ربما خليج الخنازير ) أن تتأجج الفتنة بيننا حتى يُؤتى على شأفتنا و يدخل العملاء على ظهور الدبابات كما فعلوا في العراق و عندها نندم حيث لا ينفع الندم .
رحم الله رجل المروءة و التآخي الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين فقد كان نسيجا وحده و نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله عنده و يجعل روحه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا و أن يجمعنا معه في دار كرامته من غير حساب ولا عقاب.
عسى الله سبحانه وتعالى أن يجعل من فقد الأخ الصوفي ولد الشين، درسا لنا جميعا و أن يجعل من هذا المُصاب سببا لوحدتنا و تكاتفنا .. لأننا إذا لم نفعل فقل على الوطن السلام .
كانت أطماع دول الجوار تتجاذبنا منذ نعومة أظفار الدولة و اليوم و قد ظهر الغاز و قبله النفط و معه الكثير من الثروات حتى أن بريطانيا صارت لها عندنا سفاره . كل هذا يسيل له اللعاب و تُحاكُ لأجله الدَّسائس ، فكيف و قد تهيأت له أسباب التناحر و الحروب ليست منا بالبعيده و كل له أسبابه .. فنسأل الله السلامة والعافية .
أخوكم ؛ السيد ولد الشريف محمد أحمد
موريتاني من جنوب أفريقيا