مهلا أيها الدعاة: الهادي النحوي

29 نوفمبر, 2022 - 21:13

يشتد هذه الأيام الهجوم على التصوف وعلى الطريقة التجانية تحديدا، هذا الهجوم تجاوز مرحلة نقد بعض المظاهر والمخالفات الشرعية إلى إلغاء المسائل الخلافبة بين أهل العلم لنصل إلى مرحلة المحاكمة الغيابية لأهل التصوف عموما والتجانية تحديدا.
ثم تطور الأمر إلى حالة حقد أعمى سوغت منهجا انتقاميا تشرع فيها كل الأسلحة والوسائل.
هذا العبد الضعيف يعترف أن التصوف عموما أصابه من الترهل الكثير وانزلق بعض منتسبيه في انحرافات لا يمكن إنكارها.
ولكن المنكرين على التصوف والطريقة التجانية غاب عن منهجهم العدل والإنصاف إذ لم يعد لهم من هم سوى التشهير والسخرية والاستهزاء بأهل التصوف بل والفرح بذلك كما لو أنهم دخلوا القدس محررين منتصرين.
فإذا كان مبتغى إخوتنا السلفيين التشهير بالخصم وإظهار العداوة له فنقول لهم هنيئا لكم أصبتم الهدف، أما إذا كان الهدف الإصلاح وإرشاد المسلمين إلى الخير فما هكذا تورد الإبل.
تأكدوا أن الخصم الحاقد لن يؤثر في خصمه بل سيزيده تمسكا بما هو عليه سواء كان خطأ أو صوابا.
ثم إن بعض إخوتنا من السلفيين ينطلقون من فكرة أن فهمهم هو الدين الذي ليس بعده إلا الضلال، فهم لا يعترفون مثلا بأن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة مسألة خلافية بين أهل العلم، فمن انكرها واتهم القائلين بها بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اتهم كبار الأئمة من أمثال القرطبي والسخاوي والسيوطي وعليش وغيرهم، فهل يعقل أن هؤلاء الأجلاء يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أو يقرون الكذب عليه.؟
ومن الثغرات المنهجية أيضا عند المنكرين على أهل التصوف أنهم لا يعترفون لهم بأي خير ولا يذكرون لهم ولو حسنة واحدة، فهل يعقل أن أصحاب منهج كهذا يتوقعون نتيجة مثمرة ل"دعوتهم"؟
يذكرنا بعض المنتقدين للتصوف بمواقف أئمة كبار من علمائنا انتقدوا التصوف انتقادا موضوعيا من أمثال العلامة الشيخ سيدي باب والإمام بداه البصيري والمرابط محمد سالم عدود، رحمهم الله. 
نقول نعم انتقد هؤلاء الأجلاء بعض المظاهر عند الصوفية لكن في المقابل لهم مواقف منصفة وعادلة لا نجد المنكرين على التصوف اليوم يعرجون عليها.
سئل العلامة الشيخ سيديا باب عن الطريقة التجانية فقال إنه لا يمكن أن يتكلم فيها بسبب رجلين من المنتمين إليها : محمد فال بن باب والمرابط ولد أحمدو فال.
والمرابط هذا هو الذي يقول فيه القائل:
لمرابط ول أحمدو فال*ما كيف حد أسو منه
فمتثال القال الفعال*واجتناب الناه عنه
وصف العلامة باب هذا المدح بأنه (مدح أهل لاخرة).
وللإمام بداه شهادة في الثناء على التجانيين وخاصة الشيخ أحمد التجاني والشيخ إبراهيم نيأس وهي موجودة بالتوقيع والختم.
وكذلك المرابط محمد سالم يحترم علماء أهل الطريقة ويجلهم وكلامه موجود فيه النقد وفيه غير ذلك. 
قد يقول المنتقدون إن مواقف هؤلاء العلماء تدخل في باب المجاملة ونقول متى كان هؤلاء الفضلاء يسكتون على الباطل وهم من هم قوة في الحق؟
وإذا كانت مجاملة أليس يسع بعض المتحمسين ما وسع هؤلاء الأئمة؟
يلجأ بعض المنتقدين للتصوف وللتجانية تحديدا إلى نشر صور وفيديوهات يرون ان فيها مخالفات شرعية يهدفون من خلالها، حسب قولهم لفضح أهل الباطل.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل الشارع أمرنا بستر المتلبسين بالذنب أم بفضحهم؟ هذا إذا سلمنا بأن الذي ينشر من المسائل المجمع على حرمتها فكيف بما دون ذلك. فبأي حق ينشر المنتقد خصوصيات المسلمين وفيديوهاتهم التي صورت في بيوت مغلقة عن حسن نية أو عن عدم انتباه؟.
ولكن بعض إخوتنا الذين يصبون جام غضبهم على أهل التصوف ومشايخهم ولا يبخلون في تشويههم ينسون أنهم ينتمون إلى فكر تسبب للأمة اليوم في نكبات وفتن كانت نتيجتها استبحاة دماء المسلمين، نقلنا هذا الفكر من التكفير إلى التفجير ثم التدمير.
الا يستحق منا هذا أن نلوم المنتمين لهذا الفكر وان نتوقع منهم أن يطالبوا بحقن دماء المسلمين بدل الحرص على تكفيرهم وإخراجهم من الملة.
أقول أخيرا وأكرر إن التصوف ترهل وشهد انحرافات كبيرة عن منهج القوم لكن في المقابل أقول إن منهج المنتقدين منهج عدواني يحركه الحقد وتغيب عنه الحكمة والإنصاف.
تحتاج الأمة اليوم إلى تدخل الحكماء والعقلاء من الطرفين لبناء جسور التفاهم والتواصل التي أفسدها بعض  سلوك وممارسة هؤلاء وعدوانية وحقد أولئك.
أما منهج"الدعوة" القائم على المراهقة الفكرية والذي يدفعه الحماس الطائش فلا ثمرة له سوي زيادة التنافر والتباعد بين المسلمين. 
والله المستعان
الهادي بن محمد المختار النحوي 
ملاحظة: أقصد بالدعاة هنا الذين نسبوا أنفسهم للدعوة ولا أقصد المعني المتداول لدى الناس بأن الدعاة تعني مجموعة معينة. 

اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء
رب اغفر لي ولوالدي ولوالديهم ولجميع المسلمين
والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع سيدنا محمد وعلى آله وصحبه