"حماس" وتأرجح المضطر في لعبة المحاور (تحليل)

24 مايو, 2021 - 13:49

مجددا، عاد الجدل حول مستقبل علاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بإيران وسوريا، عقب تصريحات أطلقها رئيس الحركة إسماعيل هنية، وأحد قادتها البارزين أسامة حمدان.

وشكر هنية، في خطاب ألقاه يوم الجمعة الماضي "إيران، التي قدمت المال والسلاح والدعم الكبير للشعب الفلسطيني في مقاومته الباسلة ضد الكيان الصهيوني المحتل".

كما أشاد القيادي حمدان، بموقف الرئيس السوري بشار الأسد، وقال في مقابلة له على قناة "الميادين"، الخميس الماضي، إن "موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريبًا ولا مفاجئًا، ومن يحيّينا بتحية نرد بخير منها، ومن الطبيعي أن تعود العلاقات مع دمشق إلى وضعها السابق".

وأثارت هذه التصريحات غضب بعض مؤيدي الحركة الرافضين لأي تقارب مع إيران و سوريا.

لكن البعض الآخر، يرى أن الحركة مضطرة لتطبيع علاقاتها مع النظامين، نظرا لحاجتها للدعم السياسي والمادي، في ظل العداء الذي يبديه المحور العربي الذي تقوده السعودية.

** علاقات متشابكة

شكّل إبعاد إسرائيل الجماعي لعناصر وقيادات حركة "حماس" من الأراضي المحتلة إلى جنوبي لبنان عام 1993، نقلة نوعية في علاقات الحركة العربية والإقليمية، وانفتاحها على العالم، سيما أن منظمة "حزب الله" اللبنانية كانت من أقرب من قدموا يد العون للمبعدين، نظرا للقرب المكاني.

وفي سنوات لاحقة، نشطت الحركة في العاصمة الأردنية عمّان، لكن سرعان ما طرد الأردن أربعة من قادتها، بينهم خالد مشعل الذي كان حينها رئيس الحركة، إلى قطر، ولا زالت العلاقة مميزة مع قطر حتى اليوم، لكنها لم تعد لطبيعتها مع الأردن، رغم بعض الانفراجات العابرة تبعا للتطورات السياسية بالمنطقة.

ولاحقا، عززت الحركة علاقاتها بالنظام السوري ومن خلفه الإيراني، واتخذت دمشق مقرا رئيسيا لها، لكن اندلاع الثورة السورية عام 2011، قاد قادتها إلى مغادرة دمشق، وانتقل عدد منهم إلى تركيا وقطر.

ومع تزاحم الملفات بالمنطقة، ازدادت علاقة الحركة تعقيدا، وأصبحت جزءا من لعبة المحاور المتشكلة تبعا لاعتبارات عدة، وإن حاولت الحرص على التوازن والتأرجح في علاقتها بما يصب في صالح القضية الفلسطينية، وفق ما يعلن قادتها.

وتحتفظ "حماس" بعلاقة جيدة مع إيران و"حزب الله" وإن أثرت عليها أحداث سوريا، وعلاقات أفضل مع دول سنية مثل تركيا وقطر، على النقيض مع المحور السني الآخر "السعودية - الأردن – مصر".

** مساعدات بلا شروط أو مواقف سياسية

يقول أيمن ضراغمة، النائب عن "حماس" في المجلس التشريعي الذي تم حلّه، إن "شعبًا تحت الاحتلال، بما فيه حركات التحرر الوطني سواء كانت حماس أو غيرها، من مصلحتها أن تستعين وتفتح علاقات مع جميع الدول والقوى والحركات والأحزاب".

واستدرك قائلًا: "شريطة أن يكون لديها (الدول والقوى) استعداد لتقديم مساعدات دون شروط في الشأن السياسي والوطني، ودون تأثير سلبي على المصلحة الوطنية الفلسطينية".

ويتابع ضراغمة في حوار مع وكالة الأناضول: "العلاقة ممكنة حتى مع الغرب وأميركا، فلا يوجد أي قيد أو مانع من العلاقة، لكن الأميركيين والأوربيين يضعون شروطا على العلاقة".

ويرى أن علاقة "حماس" مع إيران "تأتي في سياق طلب النصرة والمعونة، وهذا مشروع إسلامي ووطني ويتناسب وينسجم مع طبيعة المرحلة".

أما بالنسبة للعلاقة مع سوريا، فيفرق ضراغمة بين أمرين: الشأن الداخلي وما كان من جرائم بحق الشعب السوري، والشأن الخارجي كدولة جارة.

ويقول: "حماس حاولت التوسط ونزع فتيل الأزمة الداخلية (السورية) من بدايتها، ونصحت النظام بفتح حوار مع المعارضة والحركات الإسلامية، فكان موقفها ينسجم مع مبادئها".

لكنه يضيف: "سوريا مهمة لحركة حماس، من جهة الجغرافيا السياسية والإستراتيجية كدولة جارة، أسوة بمصر والأردن ولبنان لأنها من البوابات للانفتاح على العالم"، مشيرا إلى "تاريخ سوريا في احتضان فصائل المقاومة".

ولا يرى النائب السابق تناقضًا بين "ترميم" العلاقة مع سوريا والموقف من الأحداث الداخلية فيها.

في المقابل، يوضح أن "حماس" مهتمة بإيجاد عواصم مستعدة لفتح بواباتها والتعامل معها، "خاصة في ظل حصار دولي مفروض على الحركات الإسلامية تقوده أميركا وأوروبا وبعض الدول العربية المتعاونة معها".

** الدعم المباشر والموازنة بين المحاور

بدوره، يرى الكاتب المقدسي راسم عبيدات، أن قيادة "حماس" تتجه نحو تطبيع العلاقة مع محور إيران-سوريا-حزب الله "نظرا للدعم المباشر لها خلال العدوان الأخير على قطاع غزة"، فيما لفت إلى وجود دول ذهبت بعيدا في التطبيع مع الاحتلال.

ويضيف أن على "حماس" إذا أرادت أن تكون قوية أن تستند لهذا المحور "فمعظم السلاح الذي تستخدمه جاء عن طريق هذا المحور، أو جرى تطويره من خبراء ومهنيين فيه".

ويشير عبيدات إلى تصريحات لرئيس النظام السوري بشار الأسد قال فيها إن سوريا مفتوحة لفصائل المقاومة، معتبرا إياها إشارة إلى أن النظام مستعد لإعادة العلاقات مع "حماس" إلى سابق عهدها.

ويقول المحلل الفلسطيني إن هذا التقارب "لن يؤثر على علاقة حماس مع دول سنية مثل قطر وتركيا، فحماس تحاول المناورة في هذه العلاقة والموازنة بين المحاور، لكسب جميع الأطراف لصالح القضية الفلسطينية".

وعادةً ما تقوم تركيا بدور سياسي كبير لدعم القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية، فضلًا عن إرسال مساعدات والمساهمة في دعم البنية التحتية في العديد من القطاعات الخدمية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبينما يذهب الجناح العسكري لحركة "حماس" باتجاه الانحياز للمحور الإيراني على حساب المحاور الأخرى (نظرا لحاجته للسلاح)، فإن دور القيادة السياسية في قطر وتركيا هو الموازنة على المستوى السياسي، وفق الكاتب عبيدات.

ويقول إن "حماس" ترغب في علاقة جيدة مع كل الدول السنية، لكن دولة كبرى مثل السعودية تلاحق أنصار الحركة، مما يجعلها مضطرة للتعامل مع إيران، مضيفا: "ستبقى العلاقة مع السعودية غير طبيعية إذا استمرت علاقة الحركة بإيران".

وأعلنت حماس، في بيانات سابقة، أن السعودية تعتقل نحو 60 فلسطينيا من أعضائها ومناصريها، بينهم ممثلها السابق في الرياض محمد الخضري منذ عام 2019.

** تطور العلاقة مع إيران يُقسم مناصري "حماس"

بدوره، يقول خالد العمايرة، الصحفي المهتم بالشأن الإيراني والحركات الإسلامية، إنه "يمكن تفهّم اقتصار علاقة الفصائل الفلسطينية مع إيران على شكرها لما قدمته للمقاومة".

لكنه لا يرى مبررا لتطور هذه العلاقة "فإذا كان الشكر جزء من ظاهرة أو من حركة أو من برنامج، لإعادة العلاقات مع المحور الشيعي الطائفي، فهذا الأمر سيكون موضع انقسام في الشارع الفلسطيني".

ويضيف العمايرة أن الشارع الإسلامي والفلسطيني سوف يُستَغل من خصوم حماس السياسيين والعقائديين، مثل حزب التحرير والجماعات السلفية، والسلطة الفلسطينية.

ويُرجح أن تتجند منظمة التحرير لرفض أي خطوات من هذا النوع "وقد تحصل بالمقابل على جوائز من المحور السعودي، ودول متحالف معها، وهذا أمر خطير جدا".

ويفضّل المحلل الفلسطيني الانتظار "لنرى مدى قدرة حماس على الإمساك بالعصى من المنتصف، فإسماعيل هنية كبح جماح نفسه في خطابه، ولم يسمح لها بالذهاب بعيدا في هذا الأمر".

ويجدد العمايرة التأكيد على أن أمر الإشادة "يمكن تفهمه، لأنهم ساعدوا حركات المقاومة، لكن شكر إيران ينبغي ألا يقود إلى تغيير مبدأ الحياد".

الأناضول