مقاومتان وانتصار واحد

1 أغسطس, 2020 - 15:09

تخلت اسرائيل بعد حرب تموز ـــــ يوليو عام 2006 عن كل تحفظ في الحديث عن اسباب ونتائج هروبها من لبنان عام 2000 واعتمدت سردية متوافقة مع خطاب المقاومة لتحطم بطريقة ذكية سردية خصوم حزب الله حول الانسحاب المخطط سلفا والبريء من اية اطماع في الاراضي اللبنانية. لكنها بالمقابل جعلت حزب الله يبدو في نظر اللبنانيين وكأنه قوة هائلة كامنة وخطيرة بنتها ايران لأهداف ايرانية وضد مصالح لبنان الوطنية. ولا بد من الاعتراف بان الاثر السلبي لهذه السردية الجديدة كان فعالا اكثر من صيغة ” الانسحاب المبرمج” التي اشرنا اليها في الجزء الاول من هذا النص .

لن تنال هذه السردية الاسرائيلية من صمود التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ذلك ان زعيم التيار الجنرال ميشال عون ، رئيس الجمهورية العائد الى “قصر الشعب” يحتفظ برؤية ثاقبة للصراع اللبناني مع اسرائيل فضلا عن خبرته السياسية المتراكمة طيلة سنوات اللجوء القسري الى فرنسا بين عامي 1991 و2005 .

عاش الجنرال ميشال عون، قبل ان يُنتخب رئيسا للجمهورية، تجربة غنية في فرنسا تعرف خلالها على “الأم الحنون” كل يوم مئة مرة أو اكثر. كان من الصعب ان يكتشف فرنسا والغرب عن بعد، فالصورة مصقولة بمهارة ومزينة بمغريات من كل نوع.

لعل الجنرال في اخر يوم من اقامته، قد راجع شريط الذكريات عندما اصر الفرنسيون ان يبقى ل شهور طويلة في السفارة في بيروت رغم قدرتهم على نقله الى فرنسا في الايام التالية لسقوط ” قصر الشعب “. قيل له: نريد احاطتك بهالة اسطورية. وكرروا القول ثانية عندما نقلوه الى “فيلا غابي” في مارسيليا على الضد من رغبته في الاقامة بباريس. سيحتج من بعد على شروط اقامته (هي اشبه بالإقامة الاجبارية اللطيفة بحسب نبيل نقولا) وسيستخدم الفرنسيون احتجاجاته على شروط “الاقامة” كما يحلو لهم في فترة كانت علاقتهم بسوريا النافذة في لبنان شديدة الحساسية.

لا اعرف تفاصيل كافية عن الدروس التي استخلصها عون من تجربته الفرنسية لكنني افترض ان مواقفه السياسية في لبنان بعد عودته وبخاصة “تفاهم مار مخايل” مع حزب الله، توحي بان رئيس لبنان المقبل بات في مكان اخر وان عهد التبعية القسرية قد مضى بالنسبة اليه.

قبل لجوئه الى فرنسا كان عون يعرف تفاصيل عرض امريكي بنقل المسيحيين، والموارنة بخاصة، الى كندا “علّ ذلك يوقف الحرب الأهلية اللبنانية” ويتيح اقامة دولة مسلمة تضم اللاجئين الفلسطينيين وتُطّبع أوضاعهم على الطريقة الاردنية.

ويعرف الجنرال ايضا بحكم قربه من التيار الذي استقبل ارييل شارون في بيروت الشرقية عام 1982 طريقة التعامل الذي فرضها المحتل الاسرائيلي على الأخوين الجميل. ولعله يحتفظ من تلك الفترة بذكريات سيئة، هذا حتى لا نتحدث عن معاركه مع الجيش السوري وخروجه من قصر بعبدا تحت وابل من الرصاص والقصف.

ويعرف الجنرال ايضا وايضا بالتواتر أو عبر اجيال متعاقبة، ان المجاعة التي اطاحت بثلث الموارنة تقريبا خلال الحرب العالمية الاولى، كانت جراء حصار بحري فرضه الاوروبيون على الجيش العثماني في لبنان فتوحش الانكشاريون وصادروا قوت السكان . لم يكن هلاك الموارنة جوعا يهم محور الحلفاء الذين كانوا يريدون اسقاط جمال باشا فحسب، وهذا يعني ان الشعب الذي لا يملك وسائل الدفاع عن نفسه يظل عرضة للهلاك في منطقة مليئة بالدول والقوى المفترسة.

هذه المعرفة المتنوعة والخبرة المتراكمة ستكون في اساس الخيار الذي اعتمده الجنرال اللبناني للتحالف مع حزب الله تحت سقف ” تفاهم مار مخايل “. تم ذلك في وقت كان يطلب فيه الاستاذ وليد جنبلاط من فرنسا تأخير عودة الجنرال الى ما بعد الانتخابات النيابية حتى لا يلعب فيها دور ال “تسونامي”.

ستثبت تجارب المسيحيين المأساوية في العراق وسوريا ومصر ، ان الجنرال كان محقا في خيار كنيسة الضاحية الجنوبية الذي ادى الى انفصال بعض محازبيه والى تعرضه لحملات اعلامية هجومية من البيئة نفسها التي كانت تشاركه العداء للجيش السوري في لبنان . في “مار مخايل” قرر الجنرال ان مصلحة المسيحيين يحفظها المسيحيون انفسهم وليس الدول الكبرى سواء اكانت حنونة او قاسية. في “مار مخايل” اعتمد عون استراتيجية جديدة في لبنان وقرر ان يتحمل تبعاتها وستظهر التطورات اللاحقة انه كان مصيبا.

عندما تعرض ” ثوار 17 تشرين ” للتيار الوطني الحر اختاروا التصويب على والدة جبران باسيل التي شتمت في “ساحة الثورة” والراجح ان الشتامين قد عملوا بنصيحة “جين شارب” ملهم الثورات الملونة الذي يوصي بتحطيم هالة المسؤولين في الدولة المستهدفة عبر التعرض لذويهم.

ان استهداف باسيل قد تم على قاعدة “تفاهم مار مخايل” الذي عمل طرفاه بإخلاص طيلة السنوات الفاصلة بين توقيعه في 6 شباط ــــــ فبراير عام 2006 و 17 تشرين الاول ـــــ اكتوبر عام2019 والذي راكم اوراقا داخلية ادت الى وصول الجنرال وتياره الحر الى قصر بعبدا والى اصطفاف حليف يمكنه النطق بلسان معظم المسيحيين في لبنان الى جانب المقاومة وحمايتها كما وقع في عدوان تموز ـــــ يوليو 2006 .

الراجح عندي ان الجنرال عون وهو استراتيجي عسكري من طراز رفيع قد توصل الى قناعة مفادها ان هزيمة اسرائيل في العام 2000 في لبنان هي ابعد من كونها اخفاق عسكري . انها هزيمة استراتيجية، ستترتب عليها نتائج مصيرية بالنسبة للبنان والمنطقة. ولعله شعر بالنشوة بعد حرب تموز ــــــ يوليو 2006، إذ تبين له ان حساباته كانت صائبة وان عليه ان يمضي بعيدا بالاستناد اليها، لذا سافر الى سوريا وعاد منها بلقب زعيم مسيحي الشرق أو بلاد الشام . وسيذهب ابعد الى ايران غير عابئ بتهكم بعض منافسيه الذين اعتبروا ان “تفاهم مار مخايل” يخدم مصالح ايران ويحمي اصفهان وطهران وليس جنوب لبنان.

وكانت قراءة عون للمعطيات اللبنانية والاقليمية والدولية محكومة بخلاصة اساسية ان احدا في لبنان لن يتمكن بعد الان من الحكم على الضد من المقاومة وان المصير اللبناني بات من الان فصاعدا يستند الى اسس جديدة بل يحتاج الى صيغة لبنانية جديدة محورها “تفاهم مار مخايل”. هذه القراءة الذكية ستُختبُر بنجاح مرة ثالثة ورابعة بعد هزيمة التكفيريين وصمود النظام السوري.

ان اختيار 17 تشرين الاول ـــــ اكتوبر لإطلاق “ربيع لبنان العربي” ليس بريئا فقد اعد لاستباق انتشار صيغة سياسية جديدة مبنية على تفاهم ” مار مخايل” يكون لها ما بعدها في لبنان، صيغة تعتبر ان مصير النظام السياسي في هذا البلد بات مرتبطا بمصير المقاومة وان لبنان لا يمكن ان يعود الى الوراء كما يرغب السيد مروان حمادة الذي يعد الشيعة هذه الايام ب ” قتلة على الطريق” كما تعرضت الطوائف الاخرى ل ” قتلات ” مشابهة من قبل.

ما من شك في ان انهيار النظام المالي يراد منه اعتراض صيغة الحكم الجديدة المضمرة حتى الان، وحرمانها من الوسائل الاقتصادية اللازمة وتعبئة الراي العام ضدها عبر فرض اولوية الجوع والافلاس على اولوية الصراع مع العدو الاسرائيلي. هذا الاختبار الجديد على قسوته لا يوحي بان التيار الوطني الحر سيخضع للابتزاز وسيطوي استراتيجية العمل المشترك مع المقاومة. فهل تطابق حساباته حسابات حزب الله ؟

في احدى مقابلاتي مع “محطة المنار” بعد انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 سألني الاعلامي محمد شري عن تقديري لهذا الحدث. فقلت ان المقاومة لا تعرف بعد، حجم واهمية الانتصار الذي صنعته. فبدا مرتبكا وقال لقد استعدنا ارضنا المحتلة بالقوة وهذا انجاز عظيم. نعم الانجاز عظيم لكن الاستنتاج اقل بكثير من حجم انتصار سيغير موازين القوى في المنطقة ويمكن ايجاز بعض عناصره في الخطوط التالية:

ـــــــ هزمت اسرائيل عام 2000 و 2006 للمرة الاولى في تاريخها. والمهزوم ليس دولة عادية وانما القوة الاهم والاكبر في الشرق الاوسط. القوة المحمية من الولايات المتحدة الامريكية والتي تضمن روسيا والصين امنها. ان هزيمة هذه القوة التي تتصدر الهرمية الجيوسياسية في الشرق الاوسط من شانه ان يعيد النظر بالهرمية نفسها وان يخفض القيمة الاستراتيجية للدولة العبرية، لذا عملت اسرائيل وواشنطن وكل من يمت اليها بصلة منذ العام 2000 وحتى اللحظة على تحطيم هذا الانتصار بالحرب المباشرة تارة وباستثمارات متنوعة تارة اخرى وحاولت وتحاول دون جدوى، تحجيم مفاعيله الداخلية والحؤول دون تثبيته في صيغة سياسية تنقل لبنان من بلد قوي “بضعفه” الى بلد قوي ” بقوته”.

ـــــــ اضطرت اسرائيل بعد هزيمة لبنان الى الانسحاب من غزة وسرعان ما تبين ان القطاع صار مجمرة شبيهة بلبنان وان الكيان صار محاصرا من الشمال والجنوب بقوتين اصبحتا بمثابة فكي كماشة حوله وباتت قيمته الاستراتيجية بعد حرب غزة اقل ايضا من ذي قبل.

ــــــــ صارت اسرائيل بعد جنوب لبنان وغزة بحاجة للحماية، بعيدا عن اسطورتها التأسيسية بوصفها قاعدة متقدمة لحماية المصالح الغربية في الشرق الاوسط.

ــــــــ عطل انتصار لبنان، وغزة من بعد، الحلول السلمية المهينة للقضية الفلسطينية وباتت اسرائيل غير قادرة على التنازل من موقع المهزوم والسلطة الفلسطينية لا ترضى بحل مهين للصراع. ان اختراع صفقة القرن يرمي الى رفع الكيان المهزوم الى اعلى على قدمين من طين والواضح ان الصفقة لم تعدل شيئا في مكانة الدولة العبرية المعتزة في المنطقة.

ــــــــ حولت الهزيمة في جنوب لبنان اسرائيل الى دولة تشك في مصيرها ووجودها الى حد ان بعض مؤرخيها يتمنى ان تعيش فقط 90 سنة وان تتجاوز الحد الاسطوري 80 سنة لدولة القرون الغابرة.

ـــــــ بات مشروع اسرائيل الكبرى ابعد بكثير من ذي قبل.

ـــــــ ضعف هامش المناورة الاسرائيلية في الاقليم ومن المتوقع ان يتراجع اكثر بعد استعادة سوريا السيادة على كامل اراضيها.

ــــــــ تراجع التفوق العسكري الاسرائيلي بعد معادلة الصواريخ مقابل التفوق الجوي وهذا تطور خطير للغاية ذلك ان اسرائيل دولة عسكرية يمكن لانحسار تفوقها العسكري ان يعتبر تهديدا لوجودها.

ـــــــــ فشل الولايات المتحدة في توفير بيئة اقليمية ملائمة لإسرائيل عبر تحطيم العراق واجتياح افغانستان وتهديد سوريا ولبنان. سيجعل هذا الفشل مصير الدولة العبرية معلقا على النجدة الخارجية الامريكية بخاصة والروسية الى حد ما وفي هذه الحالة سيكون مصيرها كمصير “مملكة القدس الصليبية” اي انها تبقى ان توفرت لها النجدة ويتهدد وجودها ان تعذرت.

لقد تسببت المقاومة اللبنانية بهذا التراجع الخطير في القيمة الاستراتيجية للدولة العبرية التي ما برحت تستعد منذ 14 عاما لحرب مع حزب الله دون جدوى وفي هذا دليل اخر على تبدل اساسي في موقع المقاومة وموقع عدوها، هذا التبدل سينعكس بالضرورة على ترتيب حزب الله في الهرمية السياسية اللبنانية وفي الاقليم وسيزيد تفاهم “مار مخايل” اهمية وقوة.

من الصعب تخيل وجهة اخرى للمقاومة في لبنان ذلك ان تسليم سلاحها طوعا لا ينقذ اقتصاد لبنان ولا يحميه من العدوان. اما انتزاع السلاح قسرا فهذا ما لا يمكن تخيله إذ “لا يوجد جيش في العالم لديه القدرة على مصادرة سلاح حزب الله ” بحسب وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة تسيبي ليفني.

ثمة من يرى في لبنان عدم جواز بقاء السلاح خارج الدولة. فاحتكار العنف في كل انحاء العالم رهن بالمؤسسة العسكرية وهذا صحيح والصحيح ايضا ان الجهة التي تملك السلاح في لبنان لا تستخدمه الا في مواجهة اسرائيل وهي في هذه الحالة تعين الدولة اللبنانية في الدفاع عن اراضيها. يبقى انه لا توجد دولة في العالم كإسرائيل تقع على حدودك وتهددك في وجودك وتحتل جزءا من ارضك وتمنعك من استثمار مياهك ونفطك، هذه الدولة غير العادية تستدعي انتشارا غير عادي للسلاح الذي يردعها حصرا ولا يؤذي ابناء البلد بل يحمي مصالحهم.

لا ريب في ان اعتماد استراتيجية ردع لبنانية ضد اسرائيل سيؤدي بالضرورة الى تغيير بنيوي في الاقتصاد والسياسة الخارجية وربما الثقافة بل قد يستدعي انعطافا غير مسبوق في علاقات لبنان الخارجية وقد يستدعي في المئوية الاولى لتأسيس دولة لبنان الكبير قواعد جديدة لهذا البلد.

هذه الفرضية ستكون من الان فصاعدا مطروحة بصورة تدريجية على بساط البحث فقد عاش لبنان خلال المئة عام الماضية على الوساطة بين عالمين غربي وشرقي وتشكلت نخبه المتعاقبة على هذه القاعدة فالارتقاء الاجتماعي الافضل هو الذي يتم في سيرورة تبدأ في المؤسسات التربوية الارسالية وصولا الى الجامعتين الامريكية واليسوعية وما يتفرع منهما او يشبهها. ويمكن للخريجيين في نسبتهم الاعظم العمل في اسواق الخليج واوروبا والحفاظ على ارتباط لبناني في العطل والمناسبات. كما يمكن لبعض الخريجين العمل في مؤسسات محلية ويمكن لقسم من النخب التأهل في الجامعات الغربية ويبعث هذا الفضاء الحيوي امالا لجيل لبناني بعد جيل بالارتقاء والتقدم الاجتماعي والتميز في محيط يتطلع نحو لبنان واللبنانيين بفخر ورغبة في السير على خطاهم.

هذه السيرورة لا تتلاءم مع استراتيجية الردع التي تعتمدها المقاومة اقله في السنوات القليلة الماضية، لذا نلمس في اوساط النخبة اللبنانية اثار الصدمة وكثرة الدعوات للهجرة ولعل شطرا من هذه النخب اشترك بحماس شديد في حركة 17 تشريت الاول ـــــ اكتوبر الماضي من اجل تأسيس نظام علماني بلا طوائف ولا رجال دين وبلا مقاومة ايضا.

ثمة مشكلة اخرى تواجه هذه النخب وهي ان المنطقة تشهد تغيرات متسارعة جراء انحسار النفوذ الامريكي في الشرق الاوسط والعالم و تقدم قوى اقليمية لتلعب ادوارا جديدة ما كانت متاحة لها من قبل ولعل هذه القوى تستفيد ايضا من تراجع اسرائيل وضعفها.

ان الفترة الانتقالية الفاصلة بين النظام القديم والنظام الاقليمي التعددي ستطرح تحديات مهمة على الدول المرشحة للخضوع للنظام الجديد وسيكون لبنان من بينها على ان يكون قويا للدفاع عن مصالحه وموقعه في الخريطة السياسية المقبلة من ان يكون ضعيفا ينفذ ما يملى عليه.

في المحصلة يمكن القول ان فشل المحاولات الداخلية والخارجية في السيطرة على المقاومة اللبنانية ونزع سلاحها يملي على حزب الله والتيار الوطني الحر البحث عن صيغة لبنانية جديدة تضع حدا للتبعية للخارج وتحمي الحريات والتعددية السياسية، صيغة تبنى على انجازات المقاومة بمواجهة المحتل الاسرائيلي وعلى توسيع التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر ليضم اطرافا اخرى تحت سقف ميثاق وطني جديد بدلا من اتفاق الطائف.

كنت في العام 1968 استعد للامتحان في المدرسة التكميلية عندما هزت انفجارات هائلة بيتنا الواقع بالقرب من مطار بيروت. مازلت اذكر الرعب الذي اصاب والدتي التي كانت ترتجف و جمعتنا اخوتي وانا حولها لا تلوي على شيء. علمنا بعد ساعات ان اسرائيل فجرت طائرات تابعة لشركة طيران الشرق الاوسط كانت جاثمة على ارض المطار وان افراد الكوماندوس الصهيوني شربوا القهوة في المطار دون ان تطلق عليهم رصاصة واحدة. كانت صور الطائرات المتفجرة تثير مشاعر الذل والاهانة خاصة ان السبب الذي تذرعت به اسرائيل هو خروج فدائي فلسطيني من مطار بيروت لخطف طائرة اسرائيلية في اثينا.

لم يجد شارل حلو رئيس الجمهورية اللبنانية في حينه تفسيرا لعدم الرد على العدوان الاسرائيلي غير القول: ليست لدينا وسائل الرد العسكرية. بلدنا صغير و قوته في ضعفه.

لقد تمكن لبنان الصغير والضعيف قبل ايام من بث الرعب في صفوف الجيش الاقوى في الشرق الاوسط وحمله على افتعال معركة مع اشباح مقاومين لأكثر من ساعة. ان لبنان الصغير والضعيف بات اليوم قادرا على ردع الدولة الاقوى في الشرق الاوسط بكلمات من السيد حسن نصرالله ” وقفوا على رجل ونصف”.

عندما تصل دولة الى هذا الحد من القدرة على ردع عدوها لا يجوز لها ان تنزع سلاح الانتصار والحماية بل لعلها تبني مجدا على هذا السلاح وتعلو مرتبة بواسطته في اقليم تكثر فيه الدول المفترسة والوحوش التكفيرية الضارية والشركات الليبرالية من فصيلة اكلة لحوم البشر.

د. فيصل جلول

كاتب لبناني