بعد أن تسلمت جنوب إفريقيا رئاسة الاتحاد الإفريقي، يدخل ملف النزاع الصحراوي في أروقة الاتحاد، في منعطف مربك لأطراف النزاع وللأمم المتحدة التي ترعى منذ 1988 عملية السلام للنزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، ويرفض المغرب أي دور للاتحاد ويتمسك بالمنظمة الدولية مرجعية وحيدة للتسوية.
وفور استلامه رئاسة الاتحاد، فجر رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوسا، قنبلة من العيار الثقيل بربطه بين القضية الفلسطينية والنزاع الصحراوي معلنا تضامن الاتحاد الإفريقي مع “فلسطين والصحراء الغربية”.
وقال سيريل في أول كلمة يلقيها، أمس الأحد في أديس أبابا، أمام الزعماء الأفارقة بعد تسلم رئاسة الاتحاد الإفريقي: “نؤكد اليوم دعمنا الثابت وتضامننا مع الشعب الفلسطيني في سعيه المشروع للحصول على دولة مستقلة ذات سيادة، وكذلك حق الصحراويين في تقرير مصيرهم”.
وتؤشر تصريحات سيريل على توتر قادم بين المغرب والاتحاد الإفريقي ويرفع حدة التوتر الموجود أصلا مع جنوب إفريقيا التي تعلن دائما دعمها لجبهة البوليساريو ولم يخرج موقف سيريل في أديس أبابا عن مواقفها من النزاع منذ اندلاعه 1976.
واعتبر الوفد المغربي الذي يرأسه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بأن تصريحات سيريل تتناقض مع قرارات الاتحاد الإفريقي الرسمية الخاصة بقضية الصحراء المغربية، وأكد أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها.
وعاد المغرب للعمل المؤسساتي الجماعي الإفريقي بداية 2017 بعد انسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية 1984 احتجاجا على قبول عضوية الجمهورية التي أعلنتها جبهة البوليساريو 1976 من جانب واحد في المنظمة التي تحولت الى الاتحاد الإفريقي، والتي تولت عملية السلام الصحراوي من 1980، واعتبر أن هذه العضوية تعني انحيازا ولا يؤهل المنظمة لعب دور الراعي أو الوسيط في عملية السلام.
وتمسك المغرب بعد عودته للاتحاد 2017 باقتصار رعاية الأمم المتحدة للسلام الصحراوي وهو ما جدد التأكيد عليه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي قال إن “الموقف واضح منذ البداية، وهو أن قضية الصحراء المغربية توجد بين أيدي الأمم المتحدة، التي تبقى الإطار الوحيد لإيجاد حل لهذا النزاع طبقا للشرعية الدولية”، في إشارة إلى أن المغرب لن يقبل بأي تدخل إفريقي أو بأي بديل عن عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
وقال سعد الدين العثماني، في تصريحات على هامش مشاركته في قمة أديس أبابا، إن “المغرب يواصل التعاون مع الأمم المتحدة وأمينها العام لإيجاد حل لهذا النزاع المفتعل، بالموازاة مع مواصلة ورش التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الصحراوية”، وإن “الصحراويين يشاركون في الحياة السياسية والاقتصادية لبلدهم”.
وقال موسى محمد فكي، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في كلمته أمام القمة إن مشكل الصحراء ما زال يعتبر أقدم مشكل في القارة الإفريقية، مؤكداً تفرد الأمم المتحدة في إيجاد تسوية للنزاع الذي طال أمده. وأضاف أنه سيواصل جهده لكي ينفذ قرار نواكشوط أي تكليف “الترويكا” لتجد حلولا للنزاع.
وشكلت القمة الإفريقية في نواكشوط 2018 آلية الترويكا على مستوى الرؤساء لمتابعة ملف النزاع الصحراوي لكنها لم تعقد أي لقاء على هامش قمة أديس أبابا خلافا لما جرى الإعلان عنه سابقا.
وشدد فكي وطبقا للقرار 693 لقمة نواكشوط، ستقدم آلية “الترويكا” التابعة للاتحاد الإفريقي دعما فعالا للمسلسل الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، والذي يشكل الإطار الذي اختاره الأطراف طواعية من أجل التوصل إلى حل سياسي مستدام.
وقالت جبهة البوليساريو إنه بطلب من الأمانة العامة للأمم المتحدة، التقى بأديس أبابا رئيس الجمهورية الأمين العام للجبهة، إبراهيم غالي، مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في مشاورات رسمية بين السلطات الصحراوية والأمم المتحدة.
وأضافت الجبهة في بيان رسمي أن غالي أكد خلال اللقاء موقف جبهة البوليساريو من عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، وأن الصحراويين قد يفقدوا الثقة في الأمم المتحدة و بعثتها، وأن الجبهة لن تنخرط في أي عملية لا تحترم بالكامل حق الصحراويين غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، طبقا لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، ونقلت عن غوتيريش التزام الأمم المتحدة بالعمل على الدفع قدما بالعملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، وأمله في التمكن من تعيين مبعوث شخصي له في أقرب الآجال.
من جهته دعا الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الأمم المتحدة للإسراع بتعيين مبعوثها والشروع في إعادة إطلاق مسار تسوية النزاع في الصحراء وقال خلال قمة الاتحاد الإفريقي: “راسلت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منذ أيام لتشجيعه على التعجيل في تعيين مبعوثه الشخصي والشروع في إعادة إطلاق مسار تسوية مسألة الصحراء”، مجددا دعم بلاده لجبهة البوليساريو÷ وقال إن نزاع الصحراء “قضية تصفية الاستعمار الوحيدة التي بقيت معلقة في إفريقيا” وتحتاج لـ”بذل جهود صادقة ونية حسنة في سبيل البحث عن حل لقضية تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية باعتبارها القضية الوحيدة التي تبقى معلقة في إفريقيا، وتنظيم استفتاء حر ونزيه بما يتماشى وقرارات الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ذات الصلة”.
وأعرب الرئيس الجزائري عن أسفه لسلوك مسار السلام الأممي بشأن مسألة الصحراء الغربية منذ استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر “طريقا محفوفا بالعقبات” حيث أن مسألة الصحراء الغربية لم تعرف بعد طريقها إلى التسوية على الرغم من أن منظمة الأمم المتحدة “تعكف منذ سنوات طوال بدعم من منظمتنا القارية، على تطبيق مراحل خطة للتسوية المرسومة لقضية الصحراء الغربية المبنية على أساس حق الصحراويين غير القابل للتصرف في تقرير مصيرهم”.