سجن “كوبر" سيء السمعة حيث يقبع الرئيس السوداني السابق عمر البشير منذ منتصف شهر أبريل في زنزانة تضم شاشة تلفزيون ومكيفاً يعمل بالماء، بالإضافة إلى سريرين ومقعدين، عاد اسمه ليتصدر الأنباء في السودان. هذا السجن الذي خصص لعقود لمساجين الرأي أو ما يعرف بالمعتقلين السياسيين، يستقبل الآن الرئيس البشير بعد إطاحته في ثورة شعبية، من كان يتخيل هذا المشهد قبل شهر؟
تتداول بعض وسائل الإعلام السودانية منذ عدة أيام بعض التفاصيل التي تقول إنها حصلت عليها بشأن ظروف إقامة البشير في كوبر، مثل تفاصيل محتويات زنزاته أو “تدهور حالته النفسية عند سماع من يدعوه بالرئيس المخلوع”. لكن لا أحد يستطيع الجزم بصدقية هذه التفاصيل، لهذا نوردها بكثير من الحذر منسوبة إلى مصادرها.
أحد المسؤولين في سجن كوبر أكد أن البشير مشى أمام حبل المشنقة ذاته الذي استخدم في إعدام معارضين بحسب ما قاله المسؤول لشبكة "سي.إن.إن" الأمريكية.
وبحسب مسؤولين في سجن كوبر، فإن البشير يحتجز في مكان منفصل عن باقي المسؤولين في نظامه السابق ويقبع تحت حراسة أمنية مشددة.
أما في ما يتعلق بالحالة الصحية للبشير فتقول وسائل إعلام محلية إنها في تدهور. ويعكف فريق طبي من 5 أطباء في تخصصات الباطنية، والأنف والأذن والحنجرة، والمخ والأعصاب، والقلب، والعظام على متابعة صحة الرئيس السابق.
وتقول وسائل إعلام محلية إن البشير يعاني "حالة نفسية صعبة” منذ نحو أسبوع وإنه تعرض لـ"جلطة خفيفة"، وكان يبكي في زنزانته.
ويتخوف نشطاء في الحراك السوداني من أن يسعى المجلس العسكري إلى إخراج البشير من السجن، أو أن يكون البشير بالفعل خارج السجن حالياً، خصوصاً وأنه لا توجد أي صور له داخل كوبر. لكن أمس السبت خرج نائب رئيس المجلس الانتقالي السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو، عبر مقابلة مع قناة العربية السعودية، ليؤكد أن البشير في السجن، مضيفاً أنه ستتم محاسبة أفراء من أسرته تورطوا في جرائم فساد، لافتاً إلى أنه لن تتم المحاسبة بناء على الانتماء السياسي وإنما على استغلال الوظائف، بحسب قوله.
كوبر صناعة إنجليزية
قبل نحو 116 عام، شيّد الإنجليز سجن “كوبر” بتعليمات من الجنرال "كتشنر" أثناء احتلالهم للسودان.
بني السجن على مساحة 5 آلاف متر مربع، وصمّم على شكل هندسي يحاكي سجون بريطانيا، وافتتح في العام 1903.
وتقول الروايات إن السبب في تسمية السجن باسم “كوبر" يعود إلى الجنرال الإنكليزي كوبر الذي تولى مهمة القائم بأعمال إدارة السجن، وعرف بصرامته وقسوته الشديدة، وأطلق اسمه على المنطقة التي بني بها السجن بعد ذلك، حيث سميت بحي كوبر. لكن هذه ليست الرواية الوحيدة، هناك رواية أخرى أضعف بحسب كثيرين، تقول إن الاسم يعود لرتبة عسكرية كانت تطلق على صف الضباط في عهد الإنكليز وهي كوبرول.
واشتهر السجن بكونه معتقل سجناء الرأي والمعارضين السياسيين، وكانت أول دفعة سجناء به من السودانيين الذين أبعدتهم السلطات المصرية بتوجيهات من القصر الملكي لانتقادهم ملك مصر آنذاك. شهد السجن عمليات إعدام معارضين عقب انقلاب 1971، وزج الرئيس السوداني عمر البشير بجميع معارضيه في ذلك السجن عقب استيلائه على الحكم في العام 1989.
14 قسماً في سجن كوبر حيث يتم فصل المحكومين بالإعدام عن السياسيين أو الجرائم الجنائية أو الأحكام المؤبدة وغيرها من العقوبات، إلا أن القسم السياسي لا يزال الأبرز، إذ شُيد خصيصاً لهذا الغرض.
ساهم في شهرة السجن أن المطرب السوداني الشهير محمد وردي غنى له أغنية من كلمات الشاعر محمد الفيتوري في انتفاضة مايو من العام 1985.
ويقول مراقبون إن الزج بعمر البشير في هذا السجن تحديداً له دلالة رمزية، فهو يعني أن السجن سيئ السمعة الذي سَجَن فيه البشير معارضيه، من قادة الرأي والفكر والعمل السياسي، انتهى بإيواء البشير نفسه فصار أحد نزلائه، ما يعني نوعاً من القصاص.
ورغم تغيير اسمه إلى سجن "عمر المختار"، ثم السجن القومي، إلا أن اسم كوبر بقي الأكثر تداولاً. ووصفت منظمة العفو الدولية سجن كوبر بالسجن "سيئ السمعة” لاستخدامه أساليب التعذيب الوحشية في استجواب نزلائه.
ما علاقة القذافي بسجن كوبر؟
تقول وسائل الإعلام السودانية إن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي زار السودان بعد الانقلاب الذي جاء بالبشير، وفي مشهد استعراضي، جلس القذافي خلف مقود جرافة وهدم أحد جوانب سور سجن كوبر، في إشارة إلى انتهاء القمع من السودان، لكنه قبل أن يصل إلى المطار ليعود إلى بلاده، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﻳﻌﻴﺪﻭﻥ ﺗﺸﻴﻴﺪ ﺳﻮﺭ السجن مرة أخرى.
ونشر حزب المؤتمر الشعبي الذي كان يتزعمه البشير السبت صوراً للحظة اعتقال 140 من قياداته وقال الحزب إنهم نقلوا إلى سجن كوبر حيث عمر البشير. وقال قيادي بالمؤتمر الشعبي لوكالة سبوتينك الروسية السبت إن 200 شخص في سجن كوبر اليوم بعد أن كان العدد يناهز ألفي شخص في بداية الحراك الشعبي في السودان.
"رصيف 22"