أشرنا في القراءة السابقة إلى الظرفية السياسة التي انتقدها البيان السياسي، وفي هامش المقالة أدناه تلخيص لها،،{☆}
والقراءة الموضوعية للبيان، تطرح السؤال التالي: ماهي الرؤية التي ينطلق منها هذا البيان فكريا، وسياسيا؟
أولا ينبغي الإشارة الى أني باحث اجتماعي، و من خلال تتبعي لما كتب- و يكتب - في المواقع الافتراضية طيلة السنوات السابقة، وأنا ارصد مختلف الميول السياسية، والاتجاهات التي تؤشر على ملامح جزئية في الأغلب العام لرؤية، او رؤى غير مكتملة في توجه الكتاب، والأكاديميين الذين كانوا يكتبون - ولا زالوا - في المواقع الافتراضية الموريتانية، وتلك الكتابات، لم تخل من الفهم الثاقب، وتقديم الحلول الأولية لمواجهة المشاكل الاجتماعية، والتربوية، والصحية، والثقافية، والسياسية، غير أنها لم تشكل منظومة قيمية، معيارية لتعبر عن طرح إيديولوجي معاصر..
فلم تكن تحمل مشروعا أيديولوجيا، ليعبر عن اتجاه في الحراك السياسي، قادر على تحديد المشاكل، والتعرف على العوامل التي سببتها، وتقديم الحلول في إطار منظومة فكرية واعية بالظروف القطرية العامة لبلادنا التي تواجه تأثير المتغيرات الخارجية، وهذا يقتضي امتحاء آليات المواجهة للتحديات الداخلية، والخارجية، باعتبار أن لكل تحدي استجابة على رأي "آرنولد توينبي" فيلسوف التاريخ الانجليزي ...
فحزب الحركة الشعبية التقدمية، طرح مبادئه في نظامه الأساسي، وهي تقرؤ في البيان من خلال التركيز على النقاط التي سيتم التطرق اليها لاحقا، بعد الإشارة الى المبادئ العامة لفلسفة الحزب النضالية في التغيير الموجه بمبدأ " التحرر" الذي يعبر عن الحاجة للدفاع عن النظام السياسي، وتأسيسه على عناصر فكرية قادرة على تعزيز الهوية الوطنية، والقومية، و" تشبيكها"، وتفاعلها في وحدة جدلية مع محيطها الأقليمي المغاربي العربي، وذلك لضمان الاستقلال الوطني، وتحرير مصادر الثروة، وانتزاعها من الهيمنة عليها من طرف المستثمرين الأجانب، والراسمال الوطني المساند لقوى الخارج على أساس "الفتات" القليل من الريع العام الذي، يصادر اكثره تحت مظلة مشاريع الاستكشاف للثروة، والنهب المقنن بالاتفاقات المجحفة، الأمر الذي أدى إلى افقار البلاد من ثرواتها المختزنة، وكذلك اتساع الشروخ المهددة للوحدة الاجتماعية جراء التفاوت الحاصل، منذ تسعينيات المائة الماضية.
ومن هنا ، كانت الحاجة ماسة لطرح الحزب الشعبي التقدمي في نظامه الأساسي لمبدأ تقسيم العمل الجديد في الحلول التي تقدم في " العدالة الاجتماعية"، وهو المبدأ الذي اعتمد في كل عملية تحرر من الهيمنة الامبريالية في انظمة حركات التحرر العربي، والإفريقي، والعالمي، وذلك لتشكيل بناء المجتمع، وللقضاء على التركيبة الاجتماعية الرثة، وهي من مخلفات التخلف الاجتماعي، والثقافي، والانحطاط الحضاري.. ومن جهة اخرى، لمواجهة المتغيرات الاجتماعية ومنها مطالب المواطن، واستحاله الاستجابة اليها بعد الاستلاء على مصادر الثروة، وعدم توزيعها في شكل توظيفها في مشاريع عامة لبناء البنية التحية، والتخطيط الحضري المديني، الى جانب توزيع" ريع" الثروة الطاقية، والمعدنية، على المشاريع التنمية الاجتماعية، والتعليمية، والرفع من المستوى المعيشي،،
ولعل هذه أهم العوامل التي يعاني منها المجتمع الموريتاني، وعجزت النظم السياسية عن القيام بها خلال اكثر من ستين عاما، منذ الاستقلال الوطني في ١٩٦٠م.
علاوة على غياب الحراك السياسي الوطني التحرري، ومأسسة بديله من احزاب قبلية، وجهوية، تابعة للأفراد من نخب، وظفت في انظمة سابقة، وكان مبرر الاعتراف بها في سبيل محاولة تجنب الصدام معها، كقوى تابعة للخارج وهو الامر الذي يتبطح به رموز النخبة الفاسدة ذات العلاقات مع الممثليات السياسية، سفارات الغرب الامبريالي..
وعلى أساس هذا الوعي الهجين تشكلت الاحزاب القبلية ذي التوجه التابع لفرنسا، وامريكا، وبعض دول الجوار، كالسنغال، وغيرها من الانظمة التابعة..
لذلك، كانت أنظمة الحكم السابقة خاضعة للاملاءات التي دفعت ببعضها إلى الحروب الأقليمية، كالحرب السابقة في الصحراء، والتفكك الاجتماعي الإثني الذي كاد أن يؤدي الى الحرب الأهلية، باسناد من السنغال الشقيقة..!
ولذلك طرح حزب الحركة الشعبية التقدمية، مبدأ" الوحدة " وذلك للدفاع عن الوحدة الديموغرافية، والجغرافية، والسياسية باعتبار النظام الجمهوري، ومؤسساته العامة، هي الضامنة لوحدة البلاد، والتفاعل مع نظم المجتمع، ووحداته الإثنية بما يمكن من إعادة تشكيل الوحدة العامة، وفق فاعلية نظام التعليم الالزامي، ومجانيته، وشموليته، وذلك لترسيخ القيم التربوية المشتركة في وعي المواطن الموريتاني، فضلا عن دور التنمية الاجتماعية في احداث ثورة، او نقلة نوعية في القطاع الزراعي في الوحات، وممرات المياه المطرية في المنشورات الجبلية، اذا أقيمت عليها السدود للتحكم فيها، والاستفادة منها، وكذلك استصلاح المنطقة الزراعية في " شمامة" المحاذية ل" نهر صنهاجة"- وهذا هو اسمه التاريخي -
٢
ولعل هذه المبادئ السياسية - تحرر، عدالة، وحدة - توضح للمواطن الموريتاني فلسفة الحزب ذي التوجه الوطني، والقومي العروبي، ودور قواه الوطنية في التعليم، والصحية، ومختلف القطاعات الخدمية، والانتاجية، وهي التي مثلت التيار الناصري سابقا، وحافظت على ارثه النضالي في مواجهة الانظمة الدكتاتورية السابقة، وكانت حاضرة في مختلف الفترات، ولكن بالصفة السلبية، ك"شاهد مليك "، ولعل هذه الصفة يعبر عنها الذين اشتركوا في العمل السياسي، والامني، ورفضوا الالتحاق بالحزب الشعبي التقدمي، ولازال البعض - للأسف - مرتبطا بالنظام السياسي، ومؤسساته الأمنية فيما يعرف بالدولة العميقة...
وقد تأسس هذا الحزب، ليعبر به القوميون عن حضورهم الإيجابي، والتفاعل عبر المسافة الفاصلة بين الحزب، و النظام السياسي الذي يفترض فيه التجاوب مع اطياف الحراك السياسي تفعيلا للتجربة الديمقراطية التي يتبناها الجميع..
والنظام السياسي على المحك من خلال تفاعله الايجابي المؤمل مع هذا الحزب الوطني الوطني القومي الذي يعرفه النظام القائم بمؤسساته، واطره السياسية، والأمنية،،،
لمعظم الوجوه القيادات لحزب القوى الشعبية التقدمية، التي طرحت برنامجها للصديق عليه، مؤملة الاستجابة لحقوقها السياسية والترخيص للعمل السياسي المدني، وذلك للمشاركة في الدفاع عن الحقوق المدنية، والسياسية للمواطن الموريتاني، وكذلك من اجل تفعيل الحراك السياسي العام لقوى التحديث، وتوعية المواطن على الحقوق، والواجبات،، وفضلا عن ذلك المشاركة المطلوبة من اجل استحداث التغيير السلس، والتطور التنموي، والثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، والحضاري...
فالصفات المشتركة العامة للمجتمع على الرغم من انتقاله من البوادي إلى القرى، والمدن، الا ان انظمته التقليدية، تحكم بالفشل الذريع على كل التجارب السياسية ، والحزبية في استحداث البناء الاجتماعي، وانظمة المجتمع التي لا زالت بعيدة عن التأثر بالمستجدات في التحديث، سواء أكان ذلك في المجتمع الحضري، أم القروي، الأمر الذي يطرح السؤال حول ما يروج له إعلاميا عن دور الاحتكاك الثقافي، و"العولمة " النهابة.. وذلك لمن يعتبرها من المؤثرات إلإيجابيات افتراضا على حياة الفرد، والأسرة، ومجتمع المدينة، والمجتمع العام،، ولكن ما هي المحصلة، إن لم تكن صفرية...؟!
☆ - [ الهامش]
____________________________
في القراءة الأولى، كان في التوطئة الإشارة الى تحديد هوية النظام السياسي في موريتانيا على أساس التعريف ببنيته الجامعة لعناصره، الأمر الذي جعل التصريح مطلوبا للتعرف على الحقائق الكاشفة عن هرم السلطة بما هو عليه من تركيبة استثنائية في هذه التجربة الجامعة بين الثنائي العسكري، و المدني الوظيفي، وحالة الانتقال - " الإسمي" في بعض القراءات - من الظرفية العسكرية لعناصر النظام إلى الحالة المدنية، ونتائج ذلك الأولية في اصدار الاحكام النافذة عسكريا، والتسيد على مؤسسات الحكم، واضافة العناصر القبلية المؤازرة، أضف إلى ذلك دور الحزب الحاكم" حزب الانصاف" في الانتخابات النيابية في الدفع بترشيح ذوي الخلفيات العسكرية والامنية، وذلك للسيطرة على الجمعية التشريعية، حتى يجد عناصر النظام متسعا من أمرهم بعد اقصاء القوى المدنية من عناصر الاحزاب المعارضة السابقة التي كانت تعترض على الميزانيات المالية السنوية - في القراءة الأولى لا غير - التي يقدمها الوزراء، وتطرح اسئلة محرجة على وزراء الحكومات السابقة،، تتعلق بالفساد المالي، وتحويل الميزانيات المالية للوزارت إلى المؤسسات الخاصة..!
إشيب ولد أباتي