تعميم الباكلوريا الأصلية من القرية التربوية معطي مولانا (قصة كنت عليها من الشاهدين) مفتش اللغة العربية/ ذ عبد الله السالم اللوه

22 يونيو, 2023 - 14:10
قرية معطي مولانا

شعبة الآداب الأصلية في موريتانيا هي نافذة التعليم الديني إلى سوق العمل والدراسة الجامعية فهي كالثانوية الأزهرية في مصر وثانوية المعاهد الشرعية في بلدان المشرق. تقررت هذه الشعبة بموجب إصلاح التعليم لعام 1973 لكنها لم تر النور قبل بداية الثمانينات حيث أنشئت لها أقسام تجريبية في الثانوية العربية بنواكشوط في انتظار تعميمها لكن انعدام الإرادة السياسية لدى الأنظمة جعلها تستمر حبيسة تلك الأقسام ما يقارب الثلاثين عاما رغم إقبال الناس عليها وكثرة المترشحين الأحرار لها، الذين كان يلزمهم مهما شطت بهم الدار أن يدفعوا ملفاتهم في العاصمة حيث يجري حصريا امتحان الباكلوريا الأصلية. وقد سألت مرة الدكتور محمد المختار بن سيدينا يوم كان على إدارة التعليم الثانوي ونحن يومها عند مداولات الباكلوريا: (لماذا يستمر الحال بهذه الشعبة هكذا ولا تخرج من طور التجريب إلى طور التعميم) فأنحى باللائمة على مؤسسات التعليم الثانوي في الداخل قائلا (إن هذه المؤسسات تبعث بتقارير الاختتام خالية من اقتراح توجيه أي تلميذ نحو هذه الشعبة)، لكن أحد مديري هذه المؤسسات حمل المسؤولية للوزارة قائلا إنها تحدد لهم الشعب التي يتم التوجيه إليها ولا تنص على شعبة الآداب الأصلية.
غير أن حدثا بسيطا في ظاهره كان له الأثر في تغيير هذا الوضع وتعميم شعبة الآداب الأصلية. ففي مدينة معطى مولانا بريف الركيز الشمالي جرت عادة شيخ القرية الشيخ الحاج بن المشري ـ وهو شخص ثاقب النظرة منفتح الذهن ـ أن يعقد لقاء كل ليلة اثنين مع طاقم التعليم النظامي في المدينة يتم فيه تشخيص واقع التعليم والتعرف على المشكلات التي يواجهها في القرية وبحث سبل النهوض به. وفي ليلة من الليالي الأولى بعد الافتتاح الدراسي 2009 ـ 2010 م كنا حاضرين للقاء من هذا النوع وكان من بين المشكلات المطروحة قضايا تتعلق بأزمة اللغة ونحو ذلك، وفجأة التفت إلينا الحاج وقال: إن لديه فكرة في افتتاح قسم للآداب الأصلية خاصة أن من طلاب المحاظر هناك من يرغب في المشاركة فيها، وأن قسم سادس آداب يعاني من اكتظاظ، وفعلا لاقت الفكرة استحسان الحاضرين، ومنهم مدير الثانوية محمد الأمين بن محمد الحافظ الذي تعهد بإرسال اقتراح بهذا الخصوص للوزير باعتباره المعني الأول. صباح الغد تم عرض الأمر على تلامذة القسم فأعرب عدد منهم عن الاستعداد للتحول لشعبة الآداب الأصلية، وتم إرسال الطلب للوزارة ووافقت عليه بسرعة لتجري الباكلوريا الأصلية في معطى مولانا تلك السنة، ولأول مرة تجري خارج نواكشوط، والأهم من هذا أن توجيهات التلاميذ في سنة رابعة نهاية السنة كان فيها نصيب للآداب الأصلية. 
ما إن وصل الخبر إلى بقية المناطق الموريتانية حتى تسارعت الطلبات نريد فتح شعبة الآداب الأصلية، حيث أجريت في السنة الموالية ـ إلى جانب معطى مولانا ـ في تجكجة إن لم تخني الذاكرة، ثم شملت مراكزها في سنوات قليلة مؤسسات في نواكشوط ومؤسسات في الولايات في كيفة والعيون وكيهيدي ونواذيبو وغيرها وآخر شيء هو مدينة شنقيط التاريخية التي تجري فيها هذه السنة لأول مرة.
روح المبادرة هي أهم شيء يسهم في التنمية التي أساسها التعليم، والرجال العباقرة كنوز عظيمة.
جزى الله الشيخ الحاج ابن المشري وقرية معطى مولانا على هذه الفكرة الرائعة التي كفت جمهورا كبيرا عناء السفر والإقامة في العاصمة ووفرت لهم مستقبلا واعدا.
 مفتش اللغة العربية/ ذ عبد الله السالم اللوه

جلسة علمية مع شيخ قرية معطي مولانا الشيخ الحاج  محمد المشري

إضافة تعليق جديد