من هو الغبي الذي يمكنه أن يعتبر رفع الرقابة القضائية عن ولد عبد العزيز انتصاراً له؟!..
و من هو الغبي الذي لا يعتبره انتصاراً للقضاء الموريتاني، الذي احترم آجال و ترتيبات الوضعية القانونية لمتهم بفضائح فساد، تناقلها الرُّكبان و شابت لفظاعتها الولدان؟.
ألم يدلف لعقول المتحجرين من أنصاره – وهم أكلة جزور واحدة- أنه لو كان باستطاعة ولد عبد العزيز أن يُطرِف جفناً للنظام القائم، أو كان من سياسات الرئيس الحالي أن يتدخل في استقلالية القضاء، لما تمتع الرجل بحريةٍ طالما حَرَم منها معارضيه؟!.. فإن يكن للسان حال رفع الرقابة القضائية من مقال فهو:
– أقبل و أدبر أيها المتستر بالأيام، المختفي خلف عقلة إصبع، فو أيم الله لأنتَ أهون علينا من قُعَيس على عمته..!
هل تعتقدون أن هنالك موريتانياً يجهل المعلوم بالضرورة من فساد ولد عبد العزيز.؟.. فرغم أن بعض سرقات الرئيس السابق أخفى من دبيب النملة العرجاء في الصخرة الصماء، و أن ملفات كثيرة طُمرت، و أشخاصاً عديدين سلتهم يد السياسة الخرقاء كشعرةٍ من عجين، فقد رصدت التحقيقات ابتلاعه 70 مليار أوقية كما يبتلع المصدوع قرص إسبرين. و هو ما لايبلغ مًعشار عُشر ما تم تهريبه من أموال المواطن الموريتاني خارجَ بلاده.
كيف يكون رفع الرقابة القضائية انتصاراً للصّ، لو طبّقت فيه أحكام الشرع السماوي لكان ممن يمشي على بطنه؟.. و لو حُكّمت فيه القوانين الوضعية لما كان ظلماً له أن يقتل في اليوم مليون مرة كما تقتل الوزغة.!
من هو الغبي الذي يمكنه أن يتحدث عن إنجازات رجل حكم بلاده أربى من عشر حجج، عمّ فيها الفساد و سادت ثقافة اللاعقاب و تحكمت قيّم التربح و استغلال النفوذ و تبادل الامتيازات.؟
إسالوه كيف ترك مجتمعنا متعدد الأعراق و الشرائح؟ ألم يكن عنصرياً، زاد الشّقة ما بين مكوناته اتساعاً، و دق عطر منشم بين أخوة الدين و الوطن؟! واسألوه عن استهدافه القبائل و الجهات وتجريمه بالقرابة والانتماء الطيني.. و عن واقع الشباب المغترب في وطنه، المحلإ في مناهل التوظيف و التعيين، اللاعق لكُلومه، الغارق في همومه.. و عن التعليم، وما ابتلي به في عهده من تدنٍ في المستوى و تردٍ في الأداء؟ و عن انعدام الصحة و انتشار الأدواء و الأدوية الفاسدة؟.. و عن الاقتصادي الذي هوى في عهده ككرة نار في بئر قعير.. واسألوه عن انتاجه الزراعي؟ و لماذا أصبحت الطماطم و الجزر أغلى من بيض الأنوق، يومَ اغلقوا عنا معبر الگرگرات؟.. و اسألوه عن الثقافة، فسيصدقكم و هو الكذوب، إن قال إنه: أهان الأدباء و الشعراء، و أهمل طباعة مخطوطات العلماء الشناقطة، فعبثت بها أيدي البلى و الاندثار.. واسألوه عن السياحة، لماذا يتطاير الموريتانيون كبغاث الطيور من أعشاشها، عند كل عطلة صيفية، إلى حيث تنعم بظل ظليل و منظر جميل.. إذ لم يستطع الرجل خلال عشر سنوات أن يوفر في بلاده بنية سياحية، تحبس المليارات التي ينفقها المواطنون خارج البلاد..
و اسألوه كذلك عن الواقع السياسي و الحقوقي في عهده.. كيف عامل خصومه السياسيين؟.. و كيف قتل الفعل المعارض، فجعل من السياسة ضرعاً يمريه من يستدرون منه تملقاً و نفاقاً، و البرلمانَ اصطبلاً للحيوانات التي لاتفكر في غير تبنها و علفها؟
إسألوا هذا الطاووس، المتكسر في مشيته بَأْوَاً برفع الرقابة القضائية عنه، كيف استطاع فتى دارومستي، الذي لم يتجاوز في تعليمه السنة الثانية من إعداديتها، أن يحكم بلاداً لاتحتاج غبياً يثبّطها في وحل التخلف و الانكسار، و يقذف بها في مهاوي الرجعية و الارتداد، و إنما تستحق نِضو مشاق و مهام صعبة، بَرَت منه المعرفة و التجربة قائداً ينتشل البلاد من براثن ضباع الضياع، و يكون معها على الملمّات و الدواهي و لايكون مع الملمّات و الدواهي عليها، يعصب بطنه ليوفر للجائع لقمة، و للجاهل دفتراً، و للمريض قرص دواء.
الأغبياء وحدهم يصدّقون ترهات ولد عبد العزيز، و يعتبرونه “رجل إنجازات”، و هو الصرصار الذي خَرِئَ على محيا البلد القسيم، و ملأ وجهه الجميل خموشاً.. فالتعاطف معه، وقد اغتصب السلطة و نهب الثروة، أشبه بتعاطف المغتَصَبَة مع مغتصِبها.. و لكن ألا يتحمل النظام الحالي مسؤولية تحويله في نظر العامة و البسطاء دمية خزف و فخّار إلى تمثال مجد و فخَار، تولول له الولائد، وتشنف مسامعه القصائد، و يخرج من بوابة منزله الى الحشود و منكبه أعرض من قفاه، متكفئاً في مشيته و كأنه البطل الخيالي Mad Max.
لقد ضيّع ولد عبد العزيز سنوات حكمه في نهب البلاد، و ضيع ولد الغزواني ما انصرم من مأموريته الأولى، في مواجهةٍ مع سلفه، لا صوت يعلو صوت وَغَاها و صليل صوارمها. حتى أصبح شبحها جاثماً بثقله على جسد الجمهورية، حاضراً في كل تفاصيل الممارسة اليومية للحكم، و هي مواجهة كان للرئيس الحالي لو شاء أن يحسمها في عام واحد، فيرمي بسلفه في قعر مظلمة ثم يتفرغ للتنمية و العمل.
لايخامرني شك في أنه لو لم يتم تدوير الفاسدين من رموز حكم ولد العزيز و تمكينهم من أسمى المناصب في نظام ولد الغزواني.. و لو لم تشهد أسعار المحروقات و المواد الغذائية ارتفاعا صاروخياً.. و لو لم يعد الفساد و استغلال النفوذ جذعاً، و كأنما نشط من عقال.. و لو تم تقديم ما تحقق من إنجازات في عهد ولد الغزواني من طرف القائمين على إعلامه باسلوب أكثر إبداعاً و مهنية.. لما كان لولد عبد العزيز أن يظهر في الشوارع إلا متخفياً، و قد لاث لثامه، فغطّى به، دريئةً من غضب الشعب، ما تغطيه نميرٌ بعمائمها.
أعتقد أن لولد الغزواني مشروعا وطنياً و بصيرة و بعدَ نظر، غير أنني لا أظنه وُفّق في اختيار الفريق المؤهل لتحقيق ذلك.. فلا يمكن للساعد مهما قوِيَ واشتد أن يحسن القطع بسيفٍ كَهَام.. و قد لا تتلوث الجوهرة ترميها في مياه المجاري غير أنها لن تنجح في تطهيرها..
فيا عقله الحاد كنصل الخنجر، صِحْ به جهوريا: كفاك -سيدي- تحلب ناقتك الرَّفُود في أضاة