"الذهب القاتل"...

12 فبراير, 2022 - 10:29

قُتل ثمانية مواطنين موريتانيين داخل بئر للتنقيب عن الذهب. الحادث الذي هزّ الشبكات الاجتماعية في موريتانيا، يحذّر مجدداً من مغبّة تغاضي السلطات عن أنشطة التنقيب التقليدي التي تؤدّي إلى حوادث مفجعة، وتتسب في مآسٍ.

انهيار بئر

استيقظ المواطنون الموريتانيون، صباح يوم الخميس 10 شباط/ فبراير، على خبر انهيار بئر للتنقيب الأهلي عن الذهب، في منطقة "اصبيبرات" في ولاية داخلت نواذيبو، شمال غرب موريتانيا، وهو ما تسبب في حالة من الأسى والجدل، وانطلقت الدعوات لإنقاذهم. وحسب بعض المصادر، وصلت حفارة وسيارة إسعاف في الواحدة ظهراً، أي بعد نحو خمس ساعات من الانهيار، وقد أصدرت شركة "معادن موريتانيا"، وهي الجهة الوصية على القطاع، بياناً حول الحادثة قالت فيه: "تلقّينا في شركة معادن موريتانيا بكل أسف خبر تعرّض آبار عدة في المنطقة المعروفة بـ"اصبيبرات"، 90 كلم شمال مدينة الشامي، لانهيارات أرضية. وقد خلّفت هذه الانهيارات المؤسفة فقدان ثمانية منقبين ما يزال البحث جارياً عنهم"، مضيفةً: "وإثر هذا الحادث المؤسف، فإن شركة معادن موريتانيا، بادرت فور وقوع الحادث إلى إرسال آليات الحفر والإنقاذ التي ما تزال حتى الآن تحاول بصعوبة بالغة إنقاذ المنقّبين، مع مختلف الجهات الرسمية المختصة".

وقد أكد الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، في تغريدة له على موقع تويتر، وفاة المنقّبين الثمانية، إذ قال: "ببالغ الحزن والأسى تلقّيت نبأ وفاة ثمانية منقبين في انهيار بئر في منطقة "اصبيبرات"، وبهذه المناسبة الأليمة أعزّي أسر الضحايا، وأسأل الله الرحمة للّذين قضوا ولذويهم الصبر والسلوان، وأدعو مواطنينا العاملين في المجال، إلى اتّخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، واحترام تدابير الأمن والسلامة".

انتقادات للسلطات

تسبب الحادث والتعامل معه، بموجة انتقادات للحكومة الموريتانية والجهات الوصية على القطاع، إذ رأى كثيرون أن هناك تقصيراً واضحاً في التعامل مع الحوادث التي يتعرض لها المنقّبون، وآخرها حادثة بئر "اصبيبرات".

وفي حديث مع الناشط السياسي باب ولد إبراهيم، إلى رصيف22، قال: "حوادث انهيار آبار المنقّبين أصبحت ظاهرةً خطيرةً تتكرر بين الحين والآخر، ويروح ضحيتها كثر، فنادراً ما يتم الحديث عن إنقاذ الأشخاص الذين يتصادف وجودهم داخل تلك الآبار تزامناً مع انهيارها، ووصل الأمر إلى حد تركهم مدفونين فيها في بعض الأحيان، وعلى الرغم من أنها الأخطر، فإنها ليست الوحيدة، فهناك ضحايا العطش بين المنقّبين، وضحايا الجيش، وضحايا القصف على الحدود مع دول الجوار، ومؤخراً سقط خمسة منقّبين داخل بئر، بسبب الاختناق، حسب بيان معادن، وكل هذه المخاطر لم تدفع شركة معادن لبذل أي جهد يُذكر من أجل الحد منها، والتدخل في الوقت المناسب في حال حدوث أي منها".

بدوره، علّق الناشط السياسي، محمد الكبير ولد السيد، عبر صفحته على فيسبوك قائلاً: "لم نسمع حتى الآن عن تحرك للحماية المدنية أو الأجهزة العسكرية أو شبه العسكرية، لانتشال الضحايا. شركة معادن سيئة السمعة هي فقط من يباشر المهمة، والرئيس يغرّد على تويتر ليؤكد حصول الكارثة، مكتفياً بالكائنات الافتراضية مكاناً لإرسال تعزيته، وكأن الكارثة لا تعدو أن تكون بحجم لعب فريق كرة قدم لمباراة في إحدى الكؤوس التنافسية".

ونشر النائب البرلماني محمد لمين ولد سيدي مولود، صورةً لسيارة إسعاف وجرافة واحدة، وعلّق قائلاً:" إذا كان هذا هو أقصى الجهود لإنقاذ ثمانية مفقودين، حسب شركة معادن، وأكثر من ذلك حسب المنقّبين، فإنها فضيحة وعجز مخجلين!!".

أما الأستاذ باب سيد أحمد سيداتي، فقد انتقد تحميل المنقّبين المسؤولية إذ علّق على ما جاء في تغريدة الرئيس، وقال: "لا يجب تحميل شهداء اصبيبرات، وكل المنقبين وحدهم مسؤولية حوادث التنقيب أو فواجعه. كنت أود أن تتضمن تعزية فخامة الرئيس تحميل شركة معادن والأجهزة الأمنية والحماية المدنية، أي الدولة بكل أجهزتها ورمزيتها، مسؤولية الفواجع، وأن تتجاوز ذلك باتخاذ إجراءات تحد من حرب المجاهر التي يسقط فيها ضحايا كل يوم. رحم الله شهداء مجاهر اصبيبرات وربط على قلوب ذويهم، وألهمهم الصبر والسلوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وإنا لله وإنا إليه راجعون".

وعلّق الناشط السياسي، محمد فاضل حميلي، على الحادثة، ورد فعل الرئيس ولد الغزواني، قائلاً: "أي استفزاز تحمل هذه التغريدة، وأية وقاحة! كأن التقصير من المواطنين فحسب، وكأنه هو وحكومته فعلوا كل ما ينبغي فعله قبل الكارثة وفي أثناءها وبعدها! أي تدابير أمن وسلامة تريد من المواطنين احترامها وأنتم لم توفروها من الأساس!".

خطر منتشر

حوادث التنقيب عن الذهب، دفعت بالكثير من الفاعلين السياسيين والحقوقيين للمطالبة بوضع حد لما تتسبب فيه الطرق المتّبعة في التنقيب التقليدي من مخاطر، بل وصل البعض للمطالبة بوقف هذه العملية، التي يعدّها كثيرون مجرد مسيرة انتحار يخوضها الإنسان الموريتاني، لفقدانه الأمل بالعيش الكريم. والحكومة الموريتانية لا توفر أي وسائل للحماية، وتنظر إلى القضية من منظور اقتصادي انتهازي، بسبب ما يدخل في رصيدها من الأموال التي يدفعها المنقّبون للحصول على تراخيص التنقيب. ويقول المنتقدون إن هذه الأنشطة تساهم في التخفيف عن الدولة أيضاً، في ما يتعلق بمطالب الحصول على وظائف من طرف الشباب العاطلين عن العمل، إذ يتوجه كثيرون منهم إلى عالم التنقيب عن الذهب بالطرق التقليدية، على الرغم من المخاطر المحدقة بهم، وقال الناشط باب ولد إبراهيم: "بخصوص المطالبة بوقف نشاط بهذا الحجم، له أهمية اقتصادية كبيرة، فلا أراها واردةً، لأن التنقيب الأهلي يمتص الكثير من البطالة، كما أن الكميات التي يستخرجها المنقّبون مهمة للاقتصاد الوطني، ولو كانت الأمور تسير وتُوجَّه بشكل طبيعي، لكان للكميات التي يستخرجها المنقبون انعكاس إيجابي على قيمة الأوقية الموريتانية، وعلى الميزان التجاري، فحسب الأرقام الرسمية وصلت قيمة الكميات المستخرجة في السنة ما قبل الماضية إلى نحو مئة مليار أوقية قديمة (نحو 2.62 مليون دولار)، يعني أنه لو كانت هناك سياسة حكيمة وموجهة بشكل جيد، لكانت هناك نتائج مهمة لهذا التنقيب".

وخلص المتحدث إلى القول: "كل هذا لا يعني عدم وجاهة ما يتحدث عنه البعض من عدم التحرك الجاد لمواجهة التحديات والمخاطر التي يواجهها المنقب الأهلي، فعلى الرغم من دفعه ضرائب مجحفةً، وأرقام المعادن المستخرجة الكبيرة، لم ينعكس أي من ذلك على ظروف المنقّب، إذ لم يتم تزويده بأي تقنية لإنقاذه من حوادث هذه الأماكن".

وكان الوزير الأول محمد ولد بلال، قد قال إن التنقيب الأهلي عن الذهب وفّر خلال العام المنصرم 15 ألف فرصة عمل مباشرة، وذلك في خطاب قبل أيام، حول حصيلة عمل حكومته، وذلك أمام البرلمان الموريتاني.

أحمد ولد جدو " رصيف 22"

 

إضافة تعليق جديد