من منا لم ينشأ على معتقدات يسمعها عند الآباء والأجداد وعند الجيران تخص تقييد مردة الجن في شهر رمضان؟ ومن منا لم يبت ليلة القدر مرعوبا من إطلاق سراحهم وعودتهم لإزعاج بني آدم؟ تستند هذه المعتقدات على حديث للرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه «إن شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين».
ولكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون وهو «كيف تصفد الشياطين، وما زال الناس يقعون في الذنوب والمعاصي؟».
وفسر بعض العلماء التصفيد بأنه إضعاف لتأثير الشياطين فتخور قواها، وتقل وسوستها، لكنها لا تنعدم كليا.
وذهب البعض إلى أن المراد بالتصفيد والسلسلة إنما هي للمردة ورؤوس الشياطين فقط، فيفعل الصغار ما عجز عن بعضه الكبار، وقيل العكس، فالمصفد هو الصغار، والمطلوق هو إبليس كبيرهم وزعيم مكرهم وكيدهم؛ لأن الله أجاب دعوته بأن ينظره إلى يوم يبعثون، ليواصل الإغواء والإغراء والإضلال، وفي كلا الحالين فالعدد يقل، والوسوسة تضعف.
وربما المراد هو أن الشياطين إنما تُغل عن الصائمين المعظمين لصيامهم، والقائمين به على وجه الكمال، والمحققين لشروطه ولوازمه وآدابه وأخلاقه، أما من صام بطنه ولم تصم جوارحه ولم يأت بآداب الصيام على وجه التمام، فليس ذلك بأهل لتصفيد الشياطين عنه.
وأكد آخرون أن الشياطين يصفدون على وجه الحقيقة، ويقيدون بالسلاسل والأغلال، فلا يوسوسون للصائم، ولا يؤثرون عليه، والمعاصي إنما تأتيه من غيرهم كالنفس الأمارة بالسوء.
ويسود الاعتقاد بتصفيد الشياطين في المجتمع الموريتاني، وتحدث الباحث الاجتماعي الموريتاني محمد فال عبد اللطيف ضمن محاضرة له عن ذلك قائلا «من بركة رمضان عند الموريتانيين أنه لا يحاسب المرء على ما أنفق فيه مما جعل بعضهم يعتقد أن الإسراف فيه جائز، ومن بركاته التي يؤمن بها العامة ولا يدركون كنهها أن الشياطين تصفد فيه وتغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان كما ورد في الحديث الصحيح، ووقعت فيه المعارك الحاسمة في حياة الأمة كان فيها النصر حليفاً للإسلام».
ونوّه إلى «أن شهر رمضان مع ذلك، وخصوصا في أيامه الأخيرة، يقترن بنوع من الخوف والتوجس لدن كثير من الناس ولاسيما في ليلة القدر، فلا شك أنهم يؤمنون بأنها خير من ألف شهر وأن قيامها له فضل كبير، لكنهم أحاطوها بهالة من التقاليد والأساطير والمعتقدات عكرت عليهم صفوها وذكروا من ذلك إطلاق سراح مردة الجن وانتشارهم في الفضاء وانتشار الأشباح وتحرشاتها بالناس؛ ومن بين تلك الأساطير أسطورة رأس الحمار المشهورة، زعموا أنه يظهر لبعض الناس ليلة القدر رأس حمار بلا جسم فيقول له: قل ما تتمنى أحصله لك. فاتفق أن تعرض لرجل معروف بالجبن فقال له: قل ما تتمنى قال: أتمنى أن تخرج عني فورا فلا تراني ولا أراك فأرسلها مثلا».
والجن والإنس عالمان عالم الجن والشياطين وعالم البشر، وهما عالمان مختلفان، فعالم الإنس بالنسبة للجن مرئي مشاهد، وعالم الجن بالنسبة للإنس غيبي غير مرئي، والتواصل بين العالَمين قائم، في صورته السيئة، على منطق التسخير والسحر والشعوذة واستغلال كل طرف للآخر بما يحقق مصلحته .
ولو تأملنا العلاقة التي تربط العالَمين منذ القدم لوجدناها هي هي لم تتغير، قال تعالى:{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }.
وتتسبب الجن في مرض بني آدم ولا سيما بالطاعون: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فناء أمتي بالطعن والطاعون قالوا: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: وخز أعدائكم من الجن؛ ومما يؤيد أن الطاعون من وخز الجن وقوعه غالبا في أعدل الفصول، وفي أصح البلاد هواء، وأطيبها ماء، ولو كان من فساد الهواء لعمَّ الناس الذين يقع فيهم الطاعون.
فإذا كانت الطواعين من وخز الجن، فهل يعتبر وباء الكوفيد المنتشر حاليا على الكرة الأرضية، مجرد وخز من وخز الجن؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهلا كان توجه العالم نحو المختصين في صرع الجن وإبطال مكرهم بدل صرف المليارات في هذه اللقاحات المثيرة؟
عبد الله مولود : «القدس العربي»