في حفلة اجتماعية في إحدى مدن الريف الموريتاني، يعزف أمبارك ولد محمد على آلة "النيفارة"، ويتمايل طرباً محاكياً صوت آلته ومساهماً في جو الرقص الذي ساد الحفلة على أنغام أبرز آلات العزف وأهم وسائل إثارة الرقص لدى الموريتانيين.
يواصل ولد محمد (50 عاماً) العزف والرقص على أنغام النيفارة، ويزداد حماسة كلما انضمّ أحدهم للحلقة التي تولد عفوياً لدى سماع هذه الآلة تُعزف ولو من بعيد.
والنيفارة هي آلة نفخ موسيقية كالمزمار، تُصنع من عصا طولها متر تقريباً مجوفة إلى نصفها وفيها ثقوب، يمسكها النافخ وينفخ فيها مصدراً أصواتاً وهو ينقر الثقوب بأصابعه.
في السهرات والأعراس والمناسبات السياسية
النيفارة من الفنون الموسيقية الموريتانية الضاربة في الجذور. تحولت إلى تقليد محلي ارتبط قديماً بحياة الرعاة وسكان المناطق الصحراوية البعيدة عن المدينة وأهلها. تشبه الربابة المعروفة لدى العرب قديماً لكونها آلة ذات وتر واحد يمكن الجميع العزف عليها وصنعها من الخشب وجلد الماعز.
ويعتبر عزف النيفارة فناً متوارثاً في بعض المناطق في الجنوب والشرق، لكنه في أماكن أخرى من البلد يُعدّ هواية يتعلمها من يريد برغم صعوبات عديدة في غياب المراكز المهتمة بتعليم الفن الموسيقي وانعدام أي اهتمام حكومي ببعض الفنون.
يقول ولد محمد إن النيفارة التي كان استعمالها في القديم يقتصر على قلة من الناس، تحولت في الوقت الراهن إلى موسيقى تستعمل في الحفلات الاجتماعية والأعراس وتُشكّل لها الفرق الفنية التي تساعد العازف بالتصفيق والزغردة والرقص التقليدي أثناء العزف.
ويضيف في حديثه لرصيف22 أن آلته التي كانت إلى وقت قريب مجرد وسيلة للرقص تستهوي الموريتانيين خلال السهرات الفنية والأعراس والمناسبات الاجتماعية، أضحت اليوم حاضرة في المشهد السياسي كذلك، إذ يشارك أصحابها في المواسم الانتخابية مؤيدين طرفاً دون آخر.
ويشرح ولد محمد: "تساهم النيفارة في لفت انتباه الجماهير لحضور المناسبات السياسية في البلاد، حيث يتولى هو العزف ومعاونوه التصفيق ونثر المديح للجهة المنظمة للمهرجان مقابل بدل مادي".
إقبال متزايد وتجاهل حكومي
يقتصر عزف النيفارة على الرجال وتشارك النساء بالتصفيق والزغردة حصراً. ومن هؤلاء زينب بنت العيد ولد الشيخاني، وهي إحدى أعضاء فرقة آلة النيفارة. تقول لرصيف22: "يتزايد الإقبال على تعلم عزف الآلة وعلى المشاركة في الفرق المرافقة لها، وقد تطورت من رقص تقليدي جماعي خفيف إلى آلة طرب حاضرة في المناسبات التي ينظمها الموريتانيون للاستمتاع بالفن التقليدي والعودة بالذاكرة إلى الوراء".
من ناحية ثانية، يطالب ولد محمد الجهات الرسمية بالمزيد من الاهتمام بالآلة وعازفيها والقائمين على استمرارها فناً تقليدياً لا يريدون له الاندثار لما يمثل من تراث خاص بالشعب الموريتاني، مشيراً إلى أن "على الحكومة تخصيص دعم سنوي لعازفي هذه الآلة تقديراً لما يقومون به من أجل الحفاظ على التراث الفني التقليدي للبلد".
وتواجه موسيقى النيفارة، كغيرها من الفنون، العديد من الصعاب بسبب تراجع الدعم الحكومي للفن بشكل عام، والتقاليد المجتمعية والتدين الذي يحرّم الاستماع لها.
"النيفارة تواجه شبه تهديد بالاختفاء، خاصة في المناطق الغربية (اترارزه، لبراكنه...)، في حين لا تزال أكثر حضوراً في شرق البلاد رغم تراجع عدد العازفين المتمكنين".
وليست موسيقى النيفارة بمنأى عن التوجيهات التي صدرت سابقاً وتستمر بالصدور من قبل رجال الدين بتحريم "المزمار" وعدم الاستماع للموسيقى أياً تكن.
عرضة للاندثار
يرى الباحث في "المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية" (مبدأ) الشيخ الحسن المبمباري أن المكانة الحالية لموسيقى النيفارة تعيش تهديداً كبيراً بسبب اتجاه المجتمع إلى الآلات الموسيقية الأكثر حداثة ومعاصرة، إضافة إلى تراجع عدد العازفين بشكل كبير بسبب موجة التوبة التي تحرّم المزمار عموماً أو عدم الاهتمام بهذا اللون الفني والموسيقي الكبير والمهم".
ويوضح البمباري لرصيف22 أن "النيفارة تواجه الآن شبه تهديد بالاختفاء، خاصة في المناطق الغربية (اترارزه، لبراكنه...)، في حين لا تزال أكثر حضوراً في شرق البلاد برغم تراجع عدد العازفين المتمكنين والذين تقدم بهم العمر"، شارحاً أنه في مدينة نواكشوط العاصمة مثلاً لا تعد النيفارة جزءاً من الأعراس والتجمعات العامة، كما ليس هناك مدرسة متخصصة في هذا المجال، ما عدا بعض المحاولات التي يسعى إليها مركز "ترانيم للفنون الشعبية" والتي لم تر النور بعد.
ويلفت الباحث الموريتاني إلى ما تقوم به موسيقى النيفارة من دور مهم في إحياء الثقافة، فضلاً عن مركزيتها في الفنون الشعبية خاصة "أطبل لكبير"، أو ما يسمى في بعض المناطق بـ "الردح الكبير"، كما أنها ترافق معظم الفنون العشبية في موريتانيا، كالمديح، و"أشوار الهول الكبير"، و"أشوار الظل" و"موسيقى إسبينيات".
وخلص البمباري إلى الحديث عن بعض المحاولات من أجل دمج النيفارة بآلات موسيقية أكثر حداثة، قائلاً: "تبقى هذه المحاولات خجولة ولا تستطيع مواجهة واقع الاندثار الذي يهدد النيفارة في مجتمع يعيش حالة تخلٍ عن الماضي وإهمالاً للتراث الثقافي، خاصة الذي ارتبط منه بفئة بعينها ونسق اجتماعي قائم في الأطراف وليس في مركز العملية الثقافية. وهذا يعني أن فنون هذا المجتمع ستكون أيضاً هامشية وعرضة للاندثار".
ويضيف في حديثه لرصيف22 أن آلته التي كانت إلى وقت قريب مجرد وسيلة للرقص تستهوي الموريتانيين خلال السهرات الفنية والأعراس والمناسبات الاجتماعية، أضحت اليوم حاضرة في المشهد السياسي كذلك، إذ يشارك أصحابها في المواسم الانتخابية مؤيدين طرفاً دون آخر.
ويشرح ولد محمد: "تساهم النيفارة في لفت انتباه الجماهير لحضور المناسبات السياسية في البلاد، حيث يتولى هو العزف ومعاونوه التصفيق ونثر المديح للجهة المنظمة للمهرجان مقابل بدل مادي".
إقبال متزايد وتجاهل حكومي
يقتصر عزف النيفارة على الرجال وتشارك النساء بالتصفيق والزغردة حصراً. ومن هؤلاء زينب بنت العيد ولد الشيخاني، وهي إحدى أعضاء فرقة آلة النيفارة. تقول لرصيف22: "يتزايد الإقبال على تعلم عزف الآلة وعلى المشاركة في الفرق المرافقة لها، وقد تطورت من رقص تقليدي جماعي خفيف إلى آلة طرب حاضرة في المناسبات التي ينظمها الموريتانيون للاستمتاع بالفن التقليدي والعودة بالذاكرة إلى الوراء".
من ناحية ثانية، يطالب ولد محمد الجهات الرسمية بالمزيد من الاهتمام بالآلة وعازفيها والقائمين على استمرارها فناً تقليدياً لا يريدون له الاندثار لما يمثل من تراث خاص بالشعب الموريتاني، مشيراً إلى أن "على الحكومة تخصيص دعم سنوي لعازفي هذه الآلة تقديراً لما يقومون به من أجل الحفاظ على التراث الفني التقليدي للبلد".
وتواجه موسيقى النيفارة، كغيرها من الفنون، العديد من الصعاب بسبب تراجع الدعم الحكومي للفن بشكل عام، والتقاليد المجتمعية والتدين الذي يحرّم الاستماع لها.
"النيفارة تواجه شبه تهديد بالاختفاء، خاصة في المناطق الغربية (اترارزه، لبراكنه...)، في حين لا تزال أكثر حضوراً في شرق البلاد رغم تراجع عدد العازفين المتمكنين".
وليست موسيقى النيفارة بمنأى عن التوجيهات التي صدرت سابقاً وتستمر بالصدور من قبل رجال الدين بتحريم "المزمار" وعدم الاستماع للموسيقى أياً تكن.
عرضة للاندثار
يرى الباحث في "المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية" (مبدأ) الشيخ الحسن المبمباري أن المكانة الحالية لموسيقى النيفارة تعيش تهديداً كبيراً بسبب اتجاه المجتمع إلى الآلات الموسيقية الأكثر حداثة ومعاصرة، إضافة إلى تراجع عدد العازفين بشكل كبير بسبب موجة التوبة التي تحرّم المزمار عموماً أو عدم الاهتمام بهذا اللون الفني والموسيقي الكبير والمهم".
ويوضح البمباري لرصيف22 أن "النيفارة تواجه الآن شبه تهديد بالاختفاء، خاصة في المناطق الغربية (اترارزه، لبراكنه...)، في حين لا تزال أكثر حضوراً في شرق البلاد برغم تراجع عدد العازفين المتمكنين والذين تقدم بهم العمر"، شارحاً أنه في مدينة نواكشوط العاصمة مثلاً لا تعد النيفارة جزءاً من الأعراس والتجمعات العامة، كما ليس هناك مدرسة متخصصة في هذا المجال، ما عدا بعض المحاولات التي يسعى إليها مركز "ترانيم للفنون الشعبية" والتي لم تر النور بعد.
ويلفت الباحث الموريتاني إلى ما تقوم به موسيقى النيفارة من دور مهم في إحياء الثقافة، فضلاً عن مركزيتها في الفنون الشعبية خاصة "أطبل لكبير"، أو ما يسمى في بعض المناطق بـ "الردح الكبير"، كما أنها ترافق معظم الفنون العشبية في موريتانيا، كالمديح، و"أشوار الهول الكبير"، و"أشوار الظل" و"موسيقى إسبينيات".
وخلص البمباري إلى الحديث عن بعض المحاولات من أجل دمج النيفارة بآلات موسيقية أكثر حداثة، قائلاً: "تبقى هذه المحاولات خجولة ولا تستطيع مواجهة واقع الاندثار الذي يهدد النيفارة في مجتمع يعيش حالة تخلٍ عن الماضي وإهمالاً للتراث الثقافي، خاصة الذي ارتبط منه بفئة بعينها ونسق اجتماعي قائم في الأطراف وليس في مركز العملية الثقافية. وهذا يعني أن فنون هذا المجتمع ستكون أيضاً هامشية وعرضة للاندثار".
أحمد ولد سيدي رصيف 22 " بتصرف"