صانعات الألبان في موريتانيا

10 أغسطس, 2020 - 18:50

بالرغم من ارتباط الرعي وتربية القطعان بالرجال، إلا أن صناعة الألبان ظلت مرتبطة في موريتانيا بالنساء الرائدات في هذا المجال. وقد فتحت هذه الصناعة باب الرزق أمام آلاف النساء من مختلف الطبقات الاجتماعية، سواءً أكنّ يملكن مشاريع تجارية كبيرة خاصة بقطاع الألبان، أو يعتمدن على ما تدرّه رؤوس قليلة من الماشية لتلبية احتياجات أسرهن.
وتحاول الرابطات التعاونية النسوية التغلّب على مشكلات التسويق والتوزيع، وسط منافسة حادة من قطاع الألبان الأوروبي، إذ تستورد موريتانيا نحو 65 في المائة من احتياجاتها من الألبان من أوروبا. وتطالب التعاونيات النسوية بالاستفادة من التجارب الوطنية والإقليمية، ووضع استراتيجية موحدة لزيادة المبيعات وتسويق "الزبادي" في المدن البعيدة، وتوفير شاحنات مبرّدة وشق طرقات وإيلاء أهمية خاصة لصناعة لبن الإبل، ودعم صغيرات المنتِجات المحليات وحمايتهن من منافسة المنتجات الأجنبية.
مريم بنت أحمد بابا، هي القيّمة على جمعية "أمل" التعاونية للألبان، تقول إن فكرة إنشاء الجمعية انطلقت قبل سنوات حين كانت إحدى صديقاتها تعاني من ظروف صعبة من جرّاء طلاقها وبقائها من دون معيل مع أربعة أطفال. فحاولت مساعدتها لشراء رؤوس من الماعز وشجعتها على تربيتها وبيع الحليب، وخصوصاً أن حليب الماعز مطلوب جداً في موريتانيا.
تضيف أن "الفكرة نجحت وأصبح لصديقتي مورد رزق يعينها على تدبّر أمور أسرتها. وبدأت الفكرة تنتشر بين النساء اللواتي يعشن ظروفاً صعبة، وخصوصاً أن معظم المنازل الموريتانية مناسبة لتربية الماشية".
وتشجّع مريم جميع النساء اللواتي يعشن ظروفاً صعبة، على تربية الماشية وبيع الألبان لسد احتياجات أسرهن. كذلك تطمح إلى توسيع نشاط جمعيتها لتتحول إلى شركة متخصصة في صناعة الألبان، فتشتري من النساء وصغار المربين وتتولى البيع والتسويق إلى أن يصل المنتج إلى المستهلك. بذلك، تحقق أكبر عائد للنساء وتبرز قدراتهن من خلال تسويق ألبان خاصة من إنتاج مواشيهن فقط.
ويعدّ الحليب المادة السائلة الأكثر استهلاكاً في موريتانيا، بسبب ارتفاع الحرارة وطبيعة المجتمع البدوي الذي كان وحتى وقت قريب يعتمد في تغذيته عليه. لكن بالرغم من الثروة الحيوانية الكبيرة، إلا أن احتياجات السكان من الحليب ومشتقاته ما زالت تعاني من نقص لا يغطيه الإنتاج المحلي بسبب مشكلات في التسويق وعدم توفر الشاحنات المبردة وتأمين الطرقات في مناطق الشرق والشمال التي تنتج كميات كبيرة من الألبان.
وتعتمد موريتانيا على الاستيراد لسدّ حاجتها، فيغرق السوق الموريتاني بمنتجات الألبان الرخيصة المستوردة من أوروبا.
محفوظ ولد زين الدين، مسؤول عن الإنتاج في إحدى شركات الألبان، يقول إن نحو 60 في المائة من الموريتانيين يعتمدون على قطاع الثروة الحيوانية لتوفير شكل من أشكال الدخل. ويشير إلى أن "النساء في موريتانيا رائدات في صناعة الألبان بطرق تقليدية بسيطة، إذ هن يعتمدن على الحلب اليدوي ونُظُم الإنتاج التقليدية وفي الوقت نفسه يبعن الألبان ذات الجودة العالية والمطلوبة في السوق".
وعن أنواع الماشية التي تُقبِل الموريتانيات على تربيتها، يوضح ولد زين الدين أن "في المدن والحواضر تربي النساء الماعز لأنه لا يحتاج إلى حظائر كبيرة. وحليب الماعز ومنتجاته من أكثر المواد الغذائية استهلاكاً في بعض المدن الموريتانية، وهو يمتاز بقلة الدهون وسهولة الهضم مع ارتفاع قيمته الغذائية. أما في القرى والبوادي، فتربي النساء الأبقار في المرتبة الأولى ومن ثم الماعز وبعدها الإبل في المرتبة الثالثة لأنها تحتاج إلى مساحات كبيرة لرعايتها بالإضافة إلى مراعٍ ويد عاملة متخصصة".
ويدعو زين الدين إلى دعم النساء الرائدات في صناعة الألبان وحمايتهن من منافسة شركات الألبان التي تمتلك تجربة واسعة في هذا المجال. ويشير إلى أن "الألبان المستوردة التي يكلف استيرادها حالياً أكثر من 80 مليون دولار أميركي، أقل قيمة غذائية من الألبان الطازجة التي تنتجها التعاونيات النسائية"، مشدداً على أن دعم النساء يساعد على تقليص الاستيراد وسد الاحتياجات المتزايدة لهذا المنتج الاستهلاكي الحيوي.
من جهة أخرى، تسعى فاطمة بنت سيدي محمد (44 عاماً)، إلى تأسيس جمعية تعاونية نسائية في قرية أمبود، جنوب البلاد، لمساعدة النساء اللواتي يمارسن الزراعة والرعي على ضمان تسويق منتجات الحليب التي تجود بها مواشيهن.
تقول إن "قرى الشرق والجنوب وبعض مناطق الشمال لديها القدرة على إنتاج ما يكفي من الحليب لسد احتياجات سكان البلاد، لكن الظروف والإمكانيات لا تسمح بتسويق هذه المادة وبيعها. بالتالي تضيع جهود المربين ويبقى المستهلك محروماً من الحليب الطازج".
وتشير بنت سيدي محمد إلى أن الجمعية التي تسعى إلى تأسيسها، تهدف إلى مساعدة النساء على تحصيل ما يكفي لإعالة أسرهن وتوفير العلف لمواشيهن في أوقات الجفاف. وتوضح أن أهدافها تشمل أيضاً تحويل الحليب إلى "زبادي" محلّى وتسويقه في مدن الداخل البعيدة، وزيادة مبيعات الحليب بتوفير الدعم والأموال اللازمة لمساعدة النساء على التوسع، وتقديم خدمات مجانية للإرشاد المتعلق بتغذية الحيوانات ونظافة الحليب

العربي الجديد