لندن- “القدس العربي”:
نشر موقع شبكة “سي أن أن” الأمريكية مقالا لكل من سارة سيرجاني وغول توسوز قالا فيه إن ترامب اتبع في تعامله مع المتظاهرين الأمريكيين نفس الطريقة التي تعامل فيها المستبدون في الشرق الأوسط مع المحتجين، وبطريقة تشي أنه قرأ كتاب الإرشادات الذي يحتوي على طرق القمع. وقالا إن صور المستبدين يصفون المتظاهرين بجماعات النهب والإرهابيين ليست جديدة. وكذلك الشرطة العسكرية وقوات الأمن التي تم نشرها في الشوارع لقمع المتظاهرين. كما شاهدنا قادة منفصمين عن واقعهم يستخدمون الدين “للسيطرة” وإعادة “فرض النظام والقانون”.
وأضافا أن تعامل ترامب مع المتظاهرين الذين خرجوا في أعقاب مقتل فلويد هو تطبيق حرفي لما يقوم به عادة الديكتاتوريون في الشرق الأوسط، وأعطت ردة فعله على مقتل فلويد الطغاة في العالم صكا أبيض من خلال تقديم نموذج سيئ لهم.
فخطاب ترامب المثير للانقسام عادة ما يعبر عنه خطاب وتصريحات وزارة الخارجية عن الحكومات الأخرى. فقد وصف عددا من ناشطي اليمين المتطرف بالناس الطيبين والذي يجب فهم ملامح الظلم التي يتعرضون لها. وقلل من أهمية المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجا ضد الظلم ووصفهم باليساريين والإرهابيين وجماعات النهب، كما لو كانت هذه الأوصاف علامة لصيقة بهم. بل وهدد بنشر الجيش لقمع المتظاهرين وفرض أحكام سجن طويلة على من يلقى القبض عليه، وهي الأساليب المفضلة لعبد الفتاح السيسي، رئيس مصر.
وبالنسبة للملايين الذين تظاهروا حول العالم فأفعال ترامب وما رافق ذلك من عنف أثارت ذاكرتهم وأدت لتعاطفهم مع ما يتعرض له الأمريكيون من قمع الشرطة.
وفي سوريا ربط الكثير من السوريين عبارة فلويد الأخيرة “لا أستطيع التنفس” مع ضحايا الهجمات الكيماوية التي خنقت المئات. واختنق الصحافيون والمتظاهرون المصريون في نصف العقد الماضي من القنابل الدخانية والمسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الشرطة عليهم. وكانت مشاهد العنف والغضب الأمريكية حاضرة في ذاكرة المتظاهرين في بغداد وصنعاء وبيروت وطهران والخرطوم التي ارتفعت فيها الأصوات المطالبة بحياة كريمة وحرية وعدالة اجتماعية. وعلى خلاف عواصم الشرق الأوسط هذه فنحن لا نحصي الجثث في نهاية يوم من التظاهرات. ولكن السود الأمريكيين هم ضحايا التفوق الأبيض الأمريكي، فقد مات الكثيرون منهم نتيجة العنصرية المنظمة.
وبدلا من تقديم المثل التي تقول الولايات المتحدة إنها تقف معها وتشجب دول العالم التي تخترقها، فإن ترامب قام باستخدام نفس الأساليب التي شجب أعداءه لأنهم استخدموها. وبهذه الطريقة حول رئاسته إلى آلة دعائية لكل طغاة العالم. وظهرت صورة قتل فلويد الفظيعة على شاشات التلفزة التابعة لحكومات الطغاة في العالم فيما انتشرت صور المدن الأمريكية المغطاة بالدخان ورد الشرطة القاسي على المتظاهرين في كل شاشات التلفزة العالمية مرة وبعد الأخرى.
وعندما ستحاول الولايات المتحدة شجب انتهاكات حقوق الإنسان وعنف الدولة فستكون هذه الصور أداة ومبررا على أن أمريكا ليس لها الحق في تذكير العالم بماهية حقوق الإنسان واحترامها. كما أن وحشية الشرطة في تعاملها مع محتجين سلميين وعدم احترامها للمصالحة هي مبرر آخر للمستبدين وأبواقهم. بل وباتت الحكومات التي تعاملت بعنف مع المتظاهرين في بلادها تشجب القمع الأمريكي ودعت إلى ضبط النفس. وقام محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، بتذكير نظيره الأمريكي بالتصريحات حول تعامل طهران مع المحتجين العام الماضي وشجب عنف الشرطة الأمريكية. وعبرت الحكومة التركية التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين في العالم عن قلقها من الأحداث الأمريكية. وفي مصر وصفت قناة تردد ما تقوله الحكومة ورقصت لقمع المتظاهرين المصريين، محاولة ترامب وقف الاحتجاجات بالفوضوية.
وليس لدى الشرق الأوسط أدنى ذرة شك حول تخلي الولايات المتحدة عن مثلها من أجل مصالحها القومية. فالعالم مليء بالناشطين الذين تخلت عنهم واشنطن وحنثت بوعدها لدعم طموحاتهم الديمقراطية. ولا نحتاج للنظر أبعد من سوريا التي ثار سكانها ضد بشار الأسد أو الأكراد السوريين الذين استخدموا في الحرب ضد تنظيم الدولة، ولا تبعد كثيرا عن مصر التي ثار سكانها ضد ديكتاتورية حسني مبارك لتحل محلها ديكتاتورية أشرس منها أو الناشطات السعوديات اللاتي طالبن بحقوقهن الأساسية وسجن في وقت واصلت إدارة ترامب وصفها السجان، محمد بن سلمان، بأنه الحليف القوي لها.
ومظاهر الخيبة بالمثال الأمريكي ليست جديدة فهي قديمة حيث فقد الملايين الشعور بقدرة أمريكا للدفاع عن حقوق الإنسان. وصور تعذيب سجن أبو غريب في العراق مثال واضح، وكذا معتقل غوانتانامو الذي سجن فيه من اشتبه بعلاقتهم بتنظيم القاعدة بدون تهم. ورغم مظاهر القصور هذه والخيبة من أمريكا كان الناشطون قادرين على الاستفادة من ضغوطها على حكومات بلادهم وتلويحها بورقة الدعم المالي أو الدبلوماسي حتى جاء ترامب الذي لم يعد يهتم بهذه المظاهر في الخارج والداخل.
ومن هنا كان تعامله مع الأزمة الأخيرة في بلاده صورة واضحة عن القوة الفظة التي لجأت إليها دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وأكدت المعايير المزدوجة لأمريكا. ومن هنا باتت سلامة الناس الملونين أمرا مهما وواجبا علينا لدعمها لأن سلامتهم لا تعني نجاتهم بل نجاتنا معا.