كيف سيبدو عالمنا بعد وباء كورونا؟

17 مايو, 2020 - 11:39

أين سنكون بعد أشهر، سنة، سنوات من الآن؟ أتساءل ما يخبئه المستقبل لي ولأصدقائي وأحبائي والأقارب والضعفاء أتساءل ماذا سيحدث لعملي على الرغم من استقراري ويمكنني العمل عن بعد. أكتب هذا الموضوع ولدي أصدقاء يعملون لحسابهم الخاص متضررين مادياً بسبب وباء كورونا ومعارف فقدوا وظائفهم بالفعل بسبب تلك القشة الفيروسية التي قصمت ظهر بعير العولمة الاقتصادية. 

ببساطة جاء فيروس كوفيد 19 من عائلة كورونا إلى العالم ليحدث دوياً هائلاً لا يزال يتردد صداه إلى هذه اللحظة وأصاب جميع من على الكرة الأرضية بالذعر وبات علينا التعامل مع مرض قاتل اعتقد الكثيرون أنه سيظل بعيدًا في حين حذر البعض من أن وباءاً قد يفتك بالناس على مر السنوات القادمة ربما بسبب تجارب مخبرية منه تحذير العالم البريطاني مارتن ريس الذي نشر كتابه عام 2003 وحذر من خطة انتشار فيروسات مميتة معدلة وراثياً وسماها بالإرهاب البيولوجي وستقتل ملايين الأشخاص وتراهن وقتها على ألف دولار بأن ذلك سيحدث عام 2020 وتمنى أن يخسر الرهان خوفاً على حياة الناس ولعل الجدل الحالي هل الفيروس صناعة مخبرية أم تطور جيني وهل نحن ندفع ثمن مؤامرة جديد لتصفية حسابات اقتصادية بين الدول الكبرة بل ذهب خيال الكثيرين بعيداً عندما تندروا بأنه تم تصنيع الفيروس لتصفية كبار السن في أوروبا وأميركا بسبب التأمين الصحي المكلف لتلك البلدان.

في الحقيقة أراء كثيرة تدور هنا وهناك فكما يقول الكاتب الأمريكي لقصص الخيال دان براون "كل تكنولوجيا متطورة اكتشفها العلم تحولت إلى سلاح بدءاً من النار ووصولاً إلى القوة النووية وكانت دائماً بين أيادي الحكومات". أياً كان رأيك بمصدر الفيروس مختبرياً أم تطوراً جينياً فهو شل حركة العالم ووضع بلداناً تحت حصاره وقتل الآلاف من الأرواح العزيزة على عائلاتهم ومحبيهم وأصاب الاقتصاد بالصدمة وتم تسريح الملايين من الموظفين بسببه واليوم يقف الإنسان وحده عاجزاً عن معرفة الحقيقة فتقرير منظمة الصحة العالمية أفاد بأن فيروس كوفيد 19 هو من عائلة فيروس كورونا المرتبطة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية والتي تعرف اختصاراً بـ "ميرس MERS-Cov" الذي اكتشف لأول مرة في المملكة العربية السعودية عام 2012 ومصدره حيواني انتقل من الحيوان إلى البشر وأنه انتقل من الجمال منذ وقت بعيد وهي المستودع الرئيسي للفيروس.

بعيداً عن هذا الجدل فإني أرى بأن أوقات الأزمات فرصة لإعادة التفكير في عالمنا الجديد فبات من الصعب علينا أن نتخيل أن مدننا لن تعود إلى ثقافتها في تناول الطعام في المقاهي وفي الهواء الطلق بين المارة أو السياح كذلك من الصعب المشي بين الأسواق والأزقة دون تدابير الأمان الوقائية كالأقنعة وقفازات اليد وترك مسافة بين الطاولات في المطاعم وفحوصات درجة الحرارة قبل دخولك المكان والتباعد الاجتماعي والذي أفضل أن يكون أسمه التباعد الجسدي للوقاية من خطر انتقال الفيروس وربما سنرى تحولات للأحداث العالمية كالانتخابات والتجمعات الرياضية وحتى داخل أروقة السياسية فمنذ فترة قريبة طرحت فكرة أن تكون اجتماعات البرلمان رقمية أي عبر تطبيقات الفيديو ويبدو أن هذا الوباء سيحول كل عالمنا رقمي ومتباعد.

وبما أننا جزءاً من هذا العالم الرقمي التكنولوجي الجديد لتسهيل العمل عن بعد والتعلم عن بعد سيكون أيضاً التوظيف عن بعد فهناك الكثير من الوظائف التي يمكن القيام بها عن بعد ومن المحتمل أن تدفع الاستعانة بمصادر خارجية أكثر بكثير لأنواع معينة من الوظائف فيمكنك توظيف شخص ما في بلد ما والذي ليس بالضرورة أن يعيش في مدينتك ولن تؤثر هذه الخطوات المُتخذة لاحتواء الوباء على العالم اقتصاديًا فحسب بل ستُحدث أيضًا تغييرات في الجوانب الاجتماعية والرعاية الصحية وأنظمة التعليم والحرية الشخصية بل حتى السفر سيتعين علينا الاستعانة بجواز سفر صحي أو مناعي حيث سيسمح لحامله بالسفر وهذا لن يلغي الجوازات المستخدمة حالياً ونظام التأشيرة "الفيزا" لكن الجواز سيوضح الحالة المناعية للشخص وستقوم شركات المواصلات ومنها الطيران باختبار الركاب قبل الصعود للطائرة ناهيك عن معدات فحص درجات الحرارة عند وصولك المطار وذلك لتقليل مخاطر الإصابة بالعدوى وهذا يعني أيضاً المزيد من التعقيم وعدم وجود شاشات لمس وإعادة تصميم داخلي للطائرة بحيث لا يسمح بتلامس الناس والتحول عن المدفوعات النقدية بالبطاقات الائتمانية وأن يكون الإنسان أكثر وعياً بالنظافة الشخصية والتدقيق لأدق المعايير الاجتماعية والثقافية مثل المصافحة والقبلات على الخدّ.

باعتقادي أن العالم الجديد تغير حتى وإن وجد اللقاح فالعلاقات الإنسانية والعائلية ستتحسن وإعطاء أولوية للإنفاق على الطب والمشافي والرعاية الصحية والبحث العلمي هو إنجاز للبشرية والحد من التلوث البيئي والانعزال بعيداً عن ضجيج الزحام الذي يشوش العقل والحذر من لمس الأشياء في المصاعد وأماكن العمل والاهتمام بالنظافة الشخصية، جوانب إيجابية عديدة تستحق الدراسة في زمن التباعد الجسدي فاختفاء التافهين والجاهلين من أصحاب الشهرة الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن يحرضون على الفتنة والإرهاب والنفاق الاجتماعي الذي يضطرنا إلى مصافحة بعضهم، والأهم هو تخطي هذه المرحلة بالابتعاد الجسدي عن الآخرين وعن أحبائنا وعدم الاختلاط بالآخرين ومنع الزيارات الاجتماعية مؤقتاً ولا أعني بذلك أن نبتعد كمجتمع لكن علينا أن نقلل قدر المستطاع ترك مسافة آمنه وكافية بيننا وبينهم لحمايتهم وحماية أنفسنا ولضمان مجتمع صحي وآمن بعيد كل البعد عن مخاطر وباء كورونا ونسأل الله السلامة للجميع.

أسامة البياتي

اعلامي عراقي