يتمسك المغرب، سلطة وشعبًا، بدعمه المستمر للقضية الفلسطينية ورفضه لـ"صفقة القرن" المزعومة، على عكس إدعاءات تقارير إعلامية أمريكية وإسرائيلية بـ"مقايضة" محتملة بين تأييد الرباط لهذه "الصفقة" مقابل دعم واشنطن للمملكة في نزاعها على إقليم الصحراء مع جبهة "البوليساريو".
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 28 يناير/ كانون ثاني الماضي، خطة تتضمن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح في صورة "أرخبيل" تربطه جسور وأنفاق، وعاصمتها "في أجزاء من القدس الشرقية"، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة مزعومة لإسرائيل، وحل قضية اللاجئين خارج إسرائيل.
ورفضت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي ودول عديدة، في مقدمتها تركيا، خطة ترامب؛ لأنها "لا تلبي الحد الأدنى من تطلعات وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وتخالف مرجعيات عملية السلام".
لكن موقع "أكسيوس" الأمريكي نشر مطلع فبراير/ شباط الجاري، تقريرًا زعم فيه أن إسرائيل تحاول الضغط على الإدارة الأمريكية للاعتراف بمغربية الصحراء، مقابل تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب. ولاحقًا، تناقلت وسائل إعلام إسرائيلية هذا الخبر.
غير أن رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، قال في 8 فبراير إن "موقف الحكومة المغربية مما يعرف بصفقة القرن ينطلق من ثوابت المملكة، ملكا وحكومة وشعبا، في تعاملها مع القضية الفلسطينية"، بحسب تصريح للوكالة المغربية الرسمية للأنباء.
وشدد على "دعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه، وفي مقدمتها إنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ورفض كل محاولات تهويد القدس والاعتداء على الحرم القدسي والمسجد الأقصى".
وخلص العثماني إلى أن "كل شيء غير هذا هو مزايدة مرفوضة، وتأويل خاطئ، وفهم مغلوط"، محذرًا من "التدليس والكذب وافتعال ضجة إعلامية للتشويش على موقف بلاده الواضح والثابت".
** رفض رسمي وشعبي
وفي اليوم التالي لإعلان "صفقة" ترامب، قالت وزارة الخارجية المغربية، إن الرباط "تقدر جهود السلام البناءة المبذولة من الإدارة الأمريكية"، و"سيدرس المغرب تفاصيلها بعناية فائقة".
وشددت على أن القرار النهائي لا بد أن يكون موضع مفاوضات بين الأطراف المعنية طبقًا للشرعية الدولية.
وتابعت أن الرباط "تأمل أن يتم إطلاق دينامية بناءة للسلام، للتوصل إلى حل واقعي قابل للتطبيق ومنصف ودائم للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، بما يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة، تتوفر لها شروط الحياة وذات سيادة، وعاصمتها القدس الشرقية".
وردًا على ما تداولته وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية بشأن "صفقة" ترامب ونزاع الصحراء، قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أمام مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، في 4 فبراير، إن "ما يهم المغرب هو موقف السلطة الفلسطينية من موقفنا، وليس ما تقوله الصحافة".
وعام 1975، بدأت قضية الصحراء، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب و"البوليساريو" إلى مواجهة مسلحة، استمرت حتى 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء، وتقترح حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت سيادتها، بينما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي نازحين فارين من الإقليم.
وشدد بوريطة على أن أية مبادرة يجب أن "لا تسلب حقوق الفلسطينيين المشروعة الذين لهم الحق في رفض المبادرة".
وفي اليوم ذاته، بحث رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، في اتصال هاتفي مع العثماني، "تأثير الصفقة على القضية الفلسطينية، وتجاوزها لثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني"، وفق بيان للحركة.
وبدعوة من هيئات وأحزاب ونقابات مغربية، شارك آلاف المغاربة في مسيرة احتجاجية بالرباط، في 9 فبراير، رفضًا لـ"صفقة القرن"، رافعين الأعلام الفلسطينية وصور المسجد الأقصى، ومرددين شعارت داعمة لصمود الشعب الفلسطيني.
خيار المغرب
ووفق سلمان بونعمان، رئيس مركز معارف للدراسات والأبحاث (غير حكومي)، فإن "المغرب لا يمكنه إلا أن يختار الوقوف بجانب القدس وفلسطين ورفض صفقة القرن".
وأضاف بونعمان للأناضول، أن "خيار المغرب نابع من دوره التاريخي والحضاري في نصرة المغاربة لأهل المقدس، ومنطلق من موقف ديني وسياسي وأخلاقي واضح تجاه القدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية".
وتابع أن "المغاربة، ملكًا وشعبًا، اعتبروا القضية الفلسطينية قضية وطنية جامعة تضاف لمعركتهم ضد الاستعمار القديم المتجدد، وإلى سياسات استهداف مشكل الصحراء المغربية والحرص على استدامته".
وتابع: "لا يوجد أي تقابل أو تناقض بين الدفاع عن ثوابت المملكة المقدسة، ومنها الصحراء المغربية، وبين الدعم المغربي المستمر لقضية فلسطين العادلة".
وزاد بأن "التصور المغربي يدرك، بكل عقلانية وواقعية، أنه لا استقرار في المنطقة من دون حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية، بكل أبعادها ومستوياتها، وأن كل خيارات الالتفات، وشرعنة الاحتلال، وتبرير التطبيع، والتنكر للفلسطينيين، والتواطؤ على ظلمهم، ستؤدي إلى مزيد من التوتر والانقسام بالمنطقة".
** محاولة مراوغة
من جهته، رأى محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن بواشنطن، أن "موقف المغرب من صفقة القرن ينطلق من دوره التاريخي في رئاسة لجنة القدس".
والعاهل المغربي، محمد السادس، هو رئيس لجنة القدس، وهي تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي.
ووقّع العاهل المغربي، رئيس اللجنة، وبابا الفاتيكان فرانسيس، في 30 مارس/آذار 2019، على "نداء القدس" في الرباط؛ للتأكيد على ضرورة أن تبقى القدس "مدينة سلام ومكانًا للقاء".
وأضاف الشرقاوي للأناضول: "قد تكون مواقف المغرب المتتالية أفضل اجتهاد دبلوماسي للرباط لإدارة هذه المرحلة مؤقتًا ومحاولة المراوغة بين خطط ترامب من الغرب، وابتزاز (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، وشروط محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، ومحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي العام الماضي من الشرق"، وفق تعبيره.
ويتردد أن واشنطن وتل أبيب ستحاولان، بمساعدة دول عربية، فرض "صفقة القرن" على الفلسطينيين.
واعتبر الشرقاوي أنه "لا ينبغي أن تغدو صفقة القرن فيروسًا ينال من مناعة الجسد السياسي المغربي أو حكمًا نافذًا على المغاربة".
ورأى أنه "بمنطق التعامل الاستراتيجي مع الأزمات، قد تصبح محاولة الحفاظ على ودّ هذا الطرف أو مهادنة ذلك الطرف، على أمل التوصل إلى حلّ محايد مريح مرحليًا، نقمة على وضع المغرب على المدى المتوسط".
وشدد على أن "خيار الوقوف في منتصف الطريق، أو بين المنزلتين، سيؤدي إلى إضعاف الموقف الذاتي وتأويلاته من قبل كل طرف بأن المغرب موالٍ له وليس للخصوم".
الاناضول