"بلادنا تتربع على كرسي الفقر والتعاسة"، بهذه الجملة القصيرة، يرثي أحد شباب موريتانيا بلاده تعليقاً على تقرير مشترك ما بين منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وجامعة أكسفورد البريطانية، أظهر انفراد موريتانيا بالمقعد الخلفي في قائمة الشعوب الغنية، واحتلالها أعلى النسب العالمية في معدل الفقر المدقع، بحسب برنامج تلفزيوني تناول تفاصيل التقرير.
لم يتبق للشباب الموريتاني غير الأسف على واقع المعلومات المريرة التي أظهرها التقرير، والذي أفاد بأنّ نسبة الفقر في البلاد تقدر بـ89 في المئة من مجموع السكان، وهو ما يشير إلى أنّ كافة أهل البلاد من الفقراء على اختلاف درجات الفقر باستثناء حفنة من البرجوازية المتمسكين بمقاليد السلطة والوظائف العليا وأعوانهم، أما السواد الأعظم من الموريتانيين فيكتوون بنيران الأوضاع المعيشية.
وبحسب التقرير المشترك فإنّ تنامي معدلات الفقر زاد من نسبة المتسولين في الكثير من البلدان العربية، وعلى رغم تصدر موريتانيا لائحة المتسولين، إلا أنّ الظاهرة ليست حكراً عليها وحدها، نظراً إلى وجود نحو 11 ألف متسول في الجزائر، و 195 ألف في المغرب فضلاً عن 41 ألفاً في جمهورية مصر العربية.
آمال النهضة
على مستوى منصات التواصل الاجتماعي، أثارت البيانات التي أوردها التقرير الكثير من الجدل، حيث وجهت سهام المتفاعلين نحو السياسة التي تنتهجها الدولة في مكافحة الفقر والحد من انتشاره وسط المجتمع، و أعابوا عدم استحداث آليات كفيلة بمحاصرته في ظل الارتفاع المتواصل للأسعار وما يصحبه من تغير مناخي وجفاف ضرب مناطق واسعة من البلاد وأزاحها عن دائرة الإنتاج، في حين أطلق بعض المغردين على موريتانيا "بلاد الفقراء".
قلة التقدم في ملف محاربة الفقر لم يهزم جهود المنظمات والتجمعات التطوعية التي تعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه، ومن تلك النماذج جمعية التوعية ومحاربة الفقر في موريتانيا، التي تعكف على تقديم باقة من الرسائل الإرشادية الموجهة للمجتمع عبر نافذتها على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" كغيرها من التجمعات التي ترمي إلى مساعدة الأفراد في تأمين الحد الأدنى من الحاجات الأساسية وإبعادهم عن دائرة الفقر.
ضبابية الواقع
شظف العيش وبؤس الواقع يظهر بجلاء من خلال تقرير نشره البنك الدولي في موقعه على الإنترنت في تموز (يوليو) الجاري بعنوان "الاستثمار في مرحلة الطفولة المبكرة للخروج من دائرة الفقر: حالة موريتانيا"، حيث توقع حصول 100 ألف من الأسر الموريتانية الأشد فقراً، على تحويلات نقدية مشروطة بمتابعة المستفيدين بحلول 2020 بغرض تنمية الطفولة المبكرة وتحسين الرعاية الصحية الأولية، ضمن برنامج لمعالجة الفقر الذي تتوارثه الأجيال، من خلال تحفيز الآباء على الاستثمار في تنمية أطفالهم، وتوفير شبكات الأمان الاجتماعي لتحسين الحياة اليومية للأسر الأشد ضعفًا.
برنامج تكافل
يفيد التقرير بأنّ برنامج "تكافل" الذي استحدثته الحكومة الموريتانية لإحداث تحولات اجتماعية في بنية المجتمع لمدة خمس سنوات وأنفقت 10 ملايين دولار من الموازنة العامة لتحريكه، حظي بدعم مجموعة من المانحين لدفعه إلى الأمام، أولهم البنك الدولي بواقع 15 مليون دولار، وأربعة ملايين من إدارة التنمية الدولية البريطانية، بجانب تمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية، التي استثمرت للتو 2.5 مليون دولار في هذه المبادرة التي تستهدف تقوية المجتمع من أجل مواجهة مخاطر الفقر والآثار الناجمة عنه.
من ثمار البرنامج حصول نحو 25 ألف أسرة تنحدر من المقاطعات الست الأشد فقرًا في البلاد على مبلغ 1500 أوقية (حوالي 42 دولارًا) كل ثلاثة أشهر، لكن يتعين على تلك الأسر حضور جلسات لتحسين الأوضاع الاجتماعية تغطي مجموعة من المواضيع مثل التغذية والنظافة العامة وتنمية الطفولة المبكرة، ويمتد البرنامج لاحقاً لتغطية ما لا يقل عن 100 ألف أسرة على أن يشمل جميع أرجاء موريتانيا بحلول 2020 .
شبكة حياة اجتماعية