تستهوي مغامرة البحث عن الذهب المدفون في رمال الصحراء مئات الشباب الموريتاني الذين يحفرون الرمال طمعاً في الحصول على الثروة، في بلد يعاني 30 في المئة من شبابه من البطالة.
وقاد فقر الحال بعض شباب موريتانيا إلى خوض مغامرات وتكبد مشقات البحث في الصحراء وما تحمله من مخاطر ليعود بعضهم حاملاً الكنز وآخرون تجرهم الخيبة.
منذ عامين، وتحديداً في نيسان (أبريل) من العام 2016 انتشرت أنباء عن ظهور الذهب الخالص فوق سطح الأرض في منطقة إينشيري (شمال العاصمة نواكشوط) بعدما تمكن عدد من المواطنين من استخراج بعضها.
هبت آنذاك موجة زحف نحو الشمال من الشباب العاطلين عن العمل؛ سعياً للحصول على بعض الذهب وتحقيق الثروة. وعلى رغم إجراءات الدولة للحد من موجة التنقيب عن الذهب من قبل الأفراد فإن بعض الشباب الموريتاني لا زال يلاحق حلمه في الحصول على الذهب.
"ينجح البعض في العثور على كنزه الذهبي فيما يفشل آخرون، لكنهم يعيدون الكرة حتى ينالوا مرادهم"، يقول إسحاق (وهو من المغامرين الباحثين عن الذهب)، ويردف: "إن الشباب الموريتاني لن ينتظر الترخيص الحكومي ليبدأ مغامرة خطرة للبحث عن معدن الذهب النفيس في عمق الصحراء هروباً من شبح البطالة".
إسحاق قضى مع رفاق له حوالي أسبوع في التنقيب عن الذهب كانت حصيلتها قرابة كيلوغرام من الذهب لكل واحد منهم. وهو سيعيد الكرة على رغم المعاناة من الجفاف والقيظ في الصحراء الشاسعة وحتى خطر الأفاعي ونيران القوى الأمنية التي تلاحق الباحثين عن الذهب بشكل غير مرخص.
ويقول رفيقه ولد باه "حتى لو جاءت إلى المكان قوات أممية، لن نتراجع وسنواصل البحث عن الذهب لتأمين عيشنا.. نحن أحق بثروات بلادنا من الشركات الأجنبية".
على بُعد 250 كيلومتراً شمال العاصمة نواكشوط يتزاحم بعض الباحثين الشباب عن الذهب في مناخ صحراوي قاسٍ مع شركة كينروس الكندية التي تستخرج الذهب من المنطقة. وغالباً ما تقدم الشركة الكندية المستثمرة شكاوى بحق هؤلاء الشباب.
وكانت السلطات الأمنية والإدارية في موريتانيا قد أصدرت قراراً بإيقاف حركة الهجرة نحو "الذهب" ومنعت مئات الشباب الفقراء العاطلين عن العمل، بعقوبات رادعة لمن يخالف الأوامر للبحث عن الذهب من دون ترخيص، لكنها بالمقابل أعطت تطمينات بسن قوانين تسمح بالتنقيب مما أعطى أملاً للشباب المتعطشين لكسب أموال من تلك المهنة.
"لكن الدولة لم تمنح التراخيص للشباب بشكل عادل" كما يقول بعض الشباب، وفضلت إعطاء الامتيازات للشركات الأجنبية، الأمر الذي دفع الكثير من الشباب إلى مواصلة مغامراتهم نحو الصحراء مترامية الأطراف، في ظل أوضاع اقتصادية متردية وفقر متزايد في بلد يقال أنه "أضخم منجم للذهب".
ودشن مدوّنون موريتانيون حملات ضد شركات التنقيب ودعوا إلى طردها، واصفين الرحلات بأنها "بريق الأمل" بالنسبة للعاطلين عن العمل من الشباب. وطالبوا الدولة بتأميم الذهب، معتبرين أن الدولة ليست مضطرة للالتزام باتفاقيات تضرّ بالأمة ومصالحها، حتى لو كانت اتفاقيات طويلة الأمد.
ويخرج عشرات الشباب في رحلات تستمر أياماً في غياهب الصحراء يحملون معدات بدائية وأخرى متطورة بحثاً عن الذهب، فيعودون بنصيب متفاوت من الذهب.
حتى أن بعض الموظفين والعمال وأصحاب المحلات والمتجر الصغيرة لم يتركوا "ذهب الصحراء" للشباب الذي يعاني من البطالة بل تركوا أعمالهم وتوجهوا بدورهم نحو "تازيازت" و"تجريت" والمناطق المحاذية لهما الغنية هي الأخرى بالمعادن النفيسة.
وكان الوزير السابق محمد ولد أمين قد دافع عن هؤلاء الشباب عبر صفحته على "الفايسبوك" مستغرباً من مضايقات الأمن لهؤلاء المغامرين الشباب، وقال: "كيف لدولة عاقلة منع مواطنيها من الاستفادة من خيرات الأرض؟ ثم بأي حق يجوز لوزير أن يسن عقوبات بالحبس ومصادرة الأموال؟ ارفعوا أيديكم عن شبابنا فهم يستحقون التقدير".
وتتزايد معاناة المنقبين عن الذهب أثناء رحلاتهم التي تستهوي أيضاً آلاف الشباب الآتين من دول عربية وأجنبية. ولقي العديد من المنقبين مصرعهم في مدينة "ازويرات" الواقعة في أقصى الشمال الموريتاني.
وآخرون توفوا في حادث انهيار بئر للتنقيب عن الذهب على مجموعة من المنقبين قرب مدينة "شامي" شمال نواكشوط، كما تم العثور على جثث منقِّبين في منطقة "تازيازت" شمالي موريتانيا. وتتفاوت أسباب وقوع عشرات الباحثين عن الذهب ضحايا لأسباب متعددة، أبرزها نقص المياه والجفاف في المنطقة، وانهيار الآبار والحُفر على المنقبين.
" تام لاين"