رغم العناقات الحارّة بين وليّي عهد السعودية والإمارات، والتحالف العسكريّ في اليمن، والاتفاق على حصار قطر، ووجود قواسم مشتركة في قضايا المنطقة العربية والعالم، وأشكال الدعم السياسيّة والدبلوماسية وحتى المالية المتبادلة بين البلدين، فإن هناك أسبابا للاعتقاد بوجود خلافات يحاول البلدان إخفاءها.
كان ممكنا الحفاظ على هذه الوضعية «الورديّة»، طالما أن مصالح البلدين لا تتضارب بشدة، ولا تقوم الواحدة باستغلال شديد لنقاط ضعف الأخرى، أو تتجنب «الضرب تحت الحزام»، أو تدفع الأجندات المتفق عليها باتجاهات متطرفة، ولكنّ الواضح أن قدرة الطرفين على التبسّم أمام الكاميرات والتظاهر بأن كل شيء يسير على ما يرام بينهما تزداد صعوبة باستمرار.
يعود عدم ظهور الخلافات علناً، إلى الحدود السياسية الصارمة والمخيفة في البلدين، وارتفاع مستوى البطش (والنفاق)، وانعدام حرّية التعبير، ويبدو أن الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، هو أحد الاستثناءات حيث تبدو تصريحاته المختلفة عن باقي السرب أحيانا محاولة ذكيّة وجريئة منه شخصيّا، وكذلك من بعض الجهات السياسية الإماراتية (والسعودية؟) لإبعاد بلده نسبيّاً عن الخفّة والطيش اللذين ميّزا وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان وتصرّفات بطانته المقربة المنفلتة من عقالها على كافة الصعد، كما جرى في موضوع اغتيال الصحافي جمال خاشقجي الذي هزّ أركان الحكم السعودي، وكان ذلك مدار إحدى مقالات عبد الخالق، وفي اعتقال باحثين وأكاديميين مثل هتون الفاسي (وهي من عائلة مصاهرة لآل سعود)، وكان ذلك أيضاً أحد المواضيع التي علق الأكاديمي المعروف عليها.
المستجدّ في موضوع عبد الخالق كانت تغريدة فاخرت بأهمية بلاده بالقول إن «البعض يستكثر القول إن 971 (مفتاح الاتصال الهواتف الدولي بالإمارات) الرمز الدولي الأهم بالمنطقة»، وهي تتابع تغريدة له سابقة عليها تقول إن «وطن زايد» أصبح «مركز الثقل الجديد والنجم التنموي الصاعد في الفضاء العربي». وهي تصريحات يمكن أخذها على محمل التباهي الطبيعي للمواطنين ببلدانهم، ولكنّ أسبابا عديدة دفعت مواطنين سعوديين (وربما مسؤولين) لتحميله معاني الانتقاص من وزن وأهمية بلدهم، فدخلوا حرب النقائض والمباهلة للتأكيد على أن الرياض هي «عاصمة القرار العربي» وليست أبو ظبي.
كان لافتا موقف الأكاديمي الإماراتي لانفراده بآراء دافعت عن خاشقجي والفاسي، لكنّ الحقيقة أن خطابه الإنسانيّ وتفاخره بوزن بلاده الكبير أمور لا يمكن أن تحجب ثقل الإمارات «الكبير» في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات نفسها، ولا تخفي «نجمها الصاعد» في قضايا استهداف الأكاديميين (بمن فيهم الأجانب كما حصل مع طالب الدكتوراه البريطاني ماثيو هيدجز)، هذا إذا لم نتحدث عن دورها المرعب في إنشاء السجون والميليشيات واستئجار المرتزقة للقيام بعمليات الاغتيال في اليمن، ودعمها للمستبدين والطغاة والجنرالات الفاسدين والثورات المضادة في كل مكان.
يكشف استعلاء الإمارات على السعودية، الواضح في تغريدات عبد الخالق، بشكل أو آخر، سعي وليّ العهد الإماراتي محمد بن زايد بإلحاق نجاح السعودي بالإماراتي، أكان ذلك في محاولة إلزام الرياض بموقف العداء «الوجودي» للإسلاميين، أو بجرّ الرياض بسرعة لإعادة العلاقات مع النظام السوري، أو باستهدافها حكومة هادي منصور المدعومة من الرياض، لإحلال ميليشياتها العسكرية مكانها، وتسريع تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
كانت العلاقات السعودية الإماراتية تجري باتجاه استنساخ الرياض سياسات ومصالح أبو ظبي، ولكنّ تفاعلات قضية خاشقجي والفشل الذي تعرّض له محمد بن سلمان داخليا، والضغوط الأمريكية بخصوص حرب اليمن، جعلت سكك «القيادة» الإماراتية للمسار السعودي تتزعزع، وأظهرت صعوبة جرّ القاطرة السعودية الضخمة المحمّلة بالرموز الإسلامية والعربية بالسرعة المطلوبة نحو إسرائيل، ونحو صراع دمويّ مع الحركات السنّية والإسلامية في كل مكان، وكذلك نحو إيران، عبر طريق النظام السوري.
تلمذة الأمير محمد بن سلمان على «الأستاذ» محمد بن زايد ستستمرّ ولكن صراع العين والحاجب سيستمر أيضا.
رأي القدس العربي