القدس العربي: «موريتانيا تدخل مرحلة مضطربة تنذر بهزات سياسية غير محسوبة»

13 يناير, 2019 - 21:16

نواكشوط – «القدس العربي»: دخلت موريتانيا، أمس، أربعة أشهر قبل الانتخابات الرئاسية، مرحلة مضطربة تنذر بهزات سياسية غير محسوبة، وذلك بعد أن أعلن خمسون (عددهم يزداد) من نواب الجمعية الوطنية عن خطة لفتح أقفال الدستور أمام ترشح الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز لولايات رئاسية إضافية.
فقد قوبل حراك نواب التعديل بمواقف مضادة عبرت عنها أحزاب ونواب المعارضة، وسفهها المدونون في إدراجات متواصلة التدفق على شبكات التواصل، كما رفضها عدد من نواب الأغلبية الحاكمة التي انقسمت كتلتها النيابية أمام هذا الموقف، عدد جاوز الثلاثين ظهر يوم أمس، حسب المصادر الإعلامية المحلية.
وكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد أكد في تصريحات عدة أنه لا يرغب في الترشح لدورات رئاسية أخرى وأنه سيحترم ترتيبات الدستور الذي ينص على مأمورية رئاسية قابلة للتجديد مرة واحدة.
وقال «إنه لن يترشح لولاية ثالثة ولا ينوي البقاء في السلطة بعد 2019».
وينص الدستور الموريتاني على القسم التالي «»وأُقسِمُ بالله العلِيِّ العظيم ألّا أتَّخِذَ أو أدعم بصورة مُباشرة أو غير مُباشرة أي مُبادرة من شأنها أن تؤدِّي إلى مُراجعة الأحكام الدستورية المُتعلقة بمأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادّتين 26 و28 من هذا الدستور».
ودعا رجل الأعمال الموريتاني المعارض محمد بوعماتو، في بيان وزعه أمس، «الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في مقاومة الشعب لمحاولة من سماه «الدكتاتور» البائسة من أجل البقاء في الحكم».
وقال: «أدعو كافة الشباب والمواطنين المتمسكين بالحرية والتناوب الديمقراطي إلى الصمود في وجه هذا الانقلاب الجديد على الدستور، وأن يسيروا إلى البرلمان للدفاع عن المكاسب الديمقراطية التي انتزعتها أجيال من الموريتانيين بالجهد والتضحية والبسالة، منذ حصول بلادنا على الاستقلال، كما أتوجه بالنداء إلى الشباب الساخطين والثائرين بسبب الظلم والتعسف، وإلى جميع المواطنين الموريتانيين المتشبثين بالكرامة للالتحام في انتفاضة وطنية تحرر بلادنا من شبكات المافيا السياسية التي نهبت أموال الدولة وموارد البلد»، حسب تعبيره.
«إن نضالنا، يضيف المعارض بوعماتو، يتماهى مع نضالات الشعوب التي حررت بلدانها وتخلصت من الأنظمة الديكتاتورية ببطولات شبابها الوطني الملتزم، وقد حان الوقت لتطهير البلاد من هذا النظام الآفل الذي أزكمت الأنوفَ فضائحُ ارتشائه وألاعيبه ومحسوبيته».
وانتقد بوعماتو في بيانه تسيير الرئيس محمد ولد عبد العزيز للشأن العام مؤكداً «أن التسيير الكارثي للنظام خلال العشرية الأخيرة أفضى إلى فشل ذريع على كل الأصعدة؛ فالثروات المنجمية والبحرية بيعت لشبكة من الوسطاء الذين أوغلوا في الثراء الفاحش، بينما تعيش غالبية الموريتانيين في فقر مدقع وبدون أدنى مستوى من خدمات الصحة والتعليم، وأصبحت صفقات الدولة في قبضة هذه الشبكة الضارية، فيما حُرم مئات آلاف الشباب العاطلين عن العمل من الأمل في المستقبل».
«ولا تنفكّ الأسعار، يضيف بوعماتو، في تصاعد مذهل تحت التأثير المزدوج لتخفيض قيمة الأوقية ولاحتكار الاستيراد الممنوح لثلة من بطانة بالرئيس، وأضحت المديونية الخارجية اليوم في حدود 100 ٪؜ من الناتج الداخلي الخام، وأفلست المؤسسات العمومية واحدة تلو الأخرى، مخلفة آلاف العمال فريسة للبطالة».
«أما المعارضون السياسيون فقد أصبحوا، حسب المعارض بوعماتو، بشكل ممنهج، عرضة للاضطهاد والملاحقات والاعتقالات التعسفية، وصارت الوحدة الوطنية مهددة بلامبالاةِ وتهور النظام».
وزاد: «بعد أن قاد البلاد إلى حافة الإفلاس الاقتصادي والانفجار الاجتماعي، يتعنت الدكتاتور اليوم للتشبث بالحكم في احتقار تام للدستور الذي يحرّم عليه الترشح لمأمورية ثالثة، ولم يُشبع نهمَ الدكتاتور تدنيسُ وإهانة رموز الأمة مجسدةً في النشيد والعلم والعملة الوطنية، بل تجاوز ذلك بمغامرة أخرى في مساره الجنوني الرامي إلى مراجعة الدستور لتعديل حد الولايات الرئاسية في اثنتين، ولفتح الباب أمام رئاسة مدى الحياة، ولربما إقامة نظام ملكي، كما سولت له نفسه وباح بذلك مرات وفى العلن، ولهذا الغرض، لجأ الديكتاتور هذه المرة إلى ما يُفترض أنها مبادرة برلمانية تحركها ثلة من الوصوليين ضالعة في جميع الجرائم الاقتصادية للنظام».
وضمن عشرات التدوينات المسفهة لتعديل الدستور والمحللة لمستقبل موريتانيا في هذه المرحلة، كتب الدكتور أبو العباس برهام مدوناً: «إن ما يحدثُ في موريتانيا هذه الأيام هو حراكان مختلِفان، ولكنهما متقاطِعان، الأوّل هو رغبة رئيس الدّولة في أنْ يُظلِّلَ على «تضحيتِه» بترك الكرسي الرئاسي بعد انتهاء مأموريتِه. وهو لا يُريد أنْ يُغادِر بدون بكائيات، وتريد هذه الرغبة، التي يتمّ التعبير عنها بالسكوت والتشجيع وحتّى الغمز، أنْ يحدُثَ «عام وفود» للمطالبة ببقاء الجنرال عزيز في الحُكم، فيما يأبى الانقلابي عن هذه «الإرادة الشعبيّة».
وأضاف: «لقد بُدئت هذه المسرحيّة، مسرحية الجمهور المتولِّه والجنرال المُتغنِّج، منذ 2015 وبالأخصِّ 2016 ولكنّها أخذت مع ديسمبر/كانون الأول 2018 بعداً جهوياً انتظمت فيه مسألة «الولاية الثالثة» في منتديات جماهيريّة؛ إنّه يريد أنْ يُظهِر أنّه يُغادِر ضدّ رغبة شعبيّة وحتّى برلمانيّة كبيرة، ولا ممانعة من أنْ يكون هذا «المسرح الشعبي» شركاً للمعارضة التي ما إن تولول وتنزل للشارِع حتّى تُفحَم في خطاب «تضحية» من قبل الجنرال، ويبدو كأنها لا تعرِف ما تتكلّم عنه».
«أمّا الحراك الثاني، يضيف أبو العباس، فهو صراعات مجموعات النخبة الحاكِمة على وراثة السلطة، وقد أخَذَ هذا الصراع أيضاً بُعداً جماعياً وصراعاً جهوياً ظهرت فيه مبادرات قبلية وجهوية للحفاظ على الحُكم إمّا في «قريش» أو في «عدنان».
وقال: «ما نحن بصدَده هو أزمة زعامة في الطبقة الحاكِمة؛ فنتيجة قهر السياسة لم تُنتِج الممارسة السياسيّة في عهد الجنرال عزيز تدرّجاً استحقاقياً أو رجال دولة يمكنهُم أنْ يقوموا بانتقال سلِس للسلطة، وهذا الفراغ يبدو أنّ الهويّات الأهليّة هي ما يملؤه».