الفلان هم ثاني الإثنيات الإفريقية المكونة للمجتمع الموريتاني من حيث العدد بعد العرب، يتركز وجودهم في ولايات الجنوب: كوركول، لعصابة، كيديماغا، اترارزة وفي ولاية لبراكنة بالوسط مع حضور طفيف في بقية الولايات.
ويسجل للفلان حضور في أزيد من عشرين بلدا إفريقيا هي: موريتانيا، السينغال، مالي،غامبيا، النيجر،غانا، غينيا، غينيا بيساو،ساحل العاج، نيجيريا، الكامرون ،اتشاد،سيرلبيون،بنين، التوغو،السودان،اثيوبيا، الصومال، أريتيريا.ليبيا، مصر،زايير، أوغندا.
يظهر اسم الفلان في المراجع وتنطق به ألسن الناس على صور عديدة ومتقاربة فقد أدى انتشارهم الواسع إلى اختلاف تسميتهم من إقليم لآخر حسب اختلاف لغات الشعوب التي جاوروها والأقوام الذين ساكنوهم.
وهكذا يطلق عليهم الفرنسيون اسمLes pelles ، أما جيرانهم من الهوسا في نيجيريا والناطقون بالانجليزية عموما فيطلقون عليهم اسم (فولاني) أو ( هيلاني)،أما السانديقيون فيدعونهم (فولا) في الوقت الذي يطلقون فيه على أنفسهم اسم:(افولب) .
تفيد المصادر التاريخية أن الفلان عرفوا لأول مرة في منطقة “فوتا تورو” بحوض نهر السنغال ومنها انتشروا شمالا باتجاه موريتانيا وشرقا باتجاه باقي جمهوريات إفريقيا الأخرى وتسمى لغتهم ب ” البولارية” أو “لفولفولدى”.
يتمتع الفلان بصفات بدنية خاصة؛ كاللون النحاسي الفاتح، والأنف المستقيم، والشعر المسترسل، والشفاه الرقيقة. وهم قوم بداة؛ حيث”تنقسم قبائل الفلان إلى جماعات من الرعاة وأنصاف الزراع والرعاة.
وتشكل الأبقار أهم ممتلكات الفلان حيث يعيشون متنقلين بقطعانهم من الأبقار ذات اللون الأبيض تتبعا لمواطن الكلآ.
ومن صفات الفلان البارزة: تماسكهم الاجتماعي، وشجاعتهم المفرطة، وذكاءهم الفطري ، وحبهم للزعامة.
يمتاز الفلان بتماسكهم الاجتماعي وتنتشر بينهم عادة إكرام الضيف، وهناك قيمتان أساسيتان تتحكمان في كل العلاقات الاجتماعية على مستوى الأفراد والجماعات وهما:الكرامة والحفاظ على ماء الوجه وعدم الشعور بالخجل واحتقار الذات، وقد دفعهم ذلك إلى الابتعاد عن الاتصال المباشر بالأشخاص في المناسبات الاجتماعية الحرجة مثل؛ العتاب والشكوى وطلب العون؛ لذا يطلبون من أحد الأقارب أو الجيران القيام بدور الوسيط أو النائب في التعامل مع الآخرين لقاء أجر متفق عليه، ويستمر هذا التقليد في جميع معاملاتهم كطلب يدي الخطيبة ونحوه.
ومن سماتهم البارزة احترام الكبير في السن مهما كان وضعه، وتوقيرهم الشديد للعلم وإجلالهم أهله، وفي هذا يقول آدم عبد الله الألوري: وأكثرهم يشتعلون بالتعليم إلى أقصى حد حتى ظهر منهم العلماء الفحول في الفقه والاجتماع والدين، وللعلماء في قلوب عوامهم مكانة مرفوعة وقول مسموع ورأي متبوع في المنشط والمكره ” ويرى الألوري أن تمسكهم بدينهم وحرصهم على إحياء معالمه وثقافته يدل دلالة واضحة على أن عرق الإسلام والعروبة فيهم دساس.
يعرف الفلان بأنهم مجتمع متدين لكن المبادئ الإسلامية تختلط عندهم بالعادات الشعبية القديمة فهم يعتقدون في الكثير من الخرافات والسحر والشعوذة والعين .
وهكذا يعتقد الفلان عموما أن المرأة إذا ولدت يستحسن لها أن لا تفارق مولودها ولو للحظة واحدة قبل يوم العقيقية خوفا من أن ينوبها الجان الذي يستطيع تبديل مولودها بمولود آخر ، وإذا قدر للمولود الذي تعرض لحال مصاحبة هذا الجان وعاش في الأسرة فسوف لن يتمتع بصفات الكمال، وعلى هذا فإذا اقتضت الضرورة غياب الأم فإنها تلجأ إلى وضع سكين قرب رأس المولود لئلا يؤذيه الجان.
وتسود بين الفلان فكرة تسمى بجن الغاب ” وهذا الجان له قدرة التشكيل بشكل الإنسان تارة وبأشكال مختلفة الحيوانات والدواجن تارة أخرى” .
كما “يعتقدون أن بعض الناس لهم قدرة التغير والتشكل إلى أرواح خفية تتسلل إلى أجساد الآخرين وتمتص دماءها وسرعان ما تنتاب المصاب أعراض مرض مفاجئ قد يسبب له الوفاة إن لم يضطر أقاربه إلى الاتصال بالساحر المختص فهو الذي يحدد ما إذا كان السلالون هم الذين أمسكوه أم لا؟ وهو الذي أيضا يتولى رقيه وعلاجه من شر السلال النجس”.
يتخوف الفلان من قطع الشعر ومن مكبات غسل الملابس، ولعل سبب خوفهم يرجع إلى الاعتقاد بأنها مواطن لخبثاء السحرة الذين يكثر بينهم الاعتقاد فيهم وبالشعوذة، وبقدرة السحرة على التأثير، “فالناس طائفتان:طاهرة النفوس وأخرى نجسة يستعيذ الطاهرون منها بواسطة الشيخ أو الساحر”.
يعيش بدو الفلان في قرى مكونة من أكواخ صغيرة وعادة ما يتوسط القرية كوخ زعيمها؛ وغير بعيد منه يكون المسجد وكوخ معلم القرآن، ولأن القوم غير مستقرين فغالبا ما يكون المسجد عريشا كبيرا .
يتمتع رئيس القرية بسلطات كبيرة فهو ينظم الأعمال ويفصل في الخصومات والغالب أن يكون زعيم القرية أسن الطبقة الأرستقراطية .
أما حضر الفلان فيعيشون في قرى زراعية تنقسم كل قرية منها إلى أحياء تسكن كل فئة قرابية منازل متقاربة وداخل هذه الأحياء يتعاون الأقارب ضاربين مثالا فذا في التماسك الاجتماعي القوي خاصة بين الجماعة القرابية الواحدة.
تتميز القرى الفلانية المستقرة – وهي قليلة- بأن أكبر بناء فيها عادة ما يكون هو المسجد وهو أنظفها وأحسنها فراشا، وفي بعض القرى الفقيرة تتولى كل أسرة في القرية توفير حصير من فراش المسجد تكون هي المسؤولة عن نظافته وصيانته، لذا تتعدد ألوان وأشكال فراش المسجد لكن القاسم المشترك بينها دائما يظل هو نظافتها وجدتها وحسنها.
ويتمتع إمام المسجد بمكانة عالية من التقدير والاحترام وفي المسجد تتم عقود الزواج والصلح ويتعاطون الأخبار .
تنتشر بين الفلان عادة تعدد الزوجات وفق تعاليم الشرع الإسلامي وفي هذه الحالة يبني لكل زوجة مكان خاص بها وبأطفالها، ويسود التعاون بين الزوجات في نظام أسري قوي.
أما بالنسبة لزواج الأبناء فإن الأب هو الذي يزوج في الغالب ابنه الزواج الأول من بين قريباته، وتختار البنت منذ يوم عقيقتها حيث تقدم عائلة الخطيب شيئا رمزيا دليلا على طلب يدها.
يعقد القران بين العروسين في مسجد القرية بحضور كبار السن، وبعد عبارات القبول والإيجاب وانتهاء مراسيم عقد القران يتم توزيع ثمرة الكولا” “قوره” على كل الحاضرين كتقليد لابد منه لمباركة العقد.
ولم يكن الفلان في الريف يعطون المهر نقدا وإنما يقدمونه من الأبقار، وفي ليلة العرس تذبح الثيران وتقام “مائدة كبيرة من اللحم والحليب، ويستمر الفرح سبعة أيام.
ولا يأكل من هذه المائدة أهل العريس ولا الأغنياء، فمن المعرة أن يشاهد ميسور حال وهو يأكل من وليمة عرس.
وتقضي العادة أن تبقى العروس في منزل ذويها إلى أن تنجب المولود الأول الذي يحتفى به أيما احتفاء ويذبح لعقيقته ثور كبير .
يطلق الفلان على الأول من الأبناء الذكور اسم:حمادو أو أفو أوكولا
أما المولود الثاني من الذكور فيدعى: صمبا
أما الثالث يدعى:برو
والرابع: باتي، أو باتيه
الخامس: دمبا
السادس:انجوبو أو انغبو
أما البنات الإناث فىسمى الأولى: دكوجو أو فانتا (فاطمة)
أما الثانية: ف:كومبا
الثالثة:بندا
الرابعة: دادو
الخامسة:جنجي أو جنجودو.
أما آخر المولودين في الأسرة سواء أكان ذكرا أو أنثى فيطلق عليه اسم: كودو وإذاكانا توأمين فيطلق عليهما اسم:”فونوبي”
ومن أهم الاحتفالات عند الفلان: ختان الأطفال حيث تتم هذه العملية بصفة جماعية ويطوّف الأطفال يومها داخل القرية وسط مظاهر احتفالية تلعب فيها جماعات المغنين والموسيقيين الدور الأبرز.
لكل قرية من قرى الفلان مجلس من كبار السن يشارك رئيس القرية إدارة شؤونها .
من أبرز العادات التي كان الفلان يمارسونها عادة (إرسال الابن البكر إلى شنقيط(مدينة تاريخية موريتانية) قصد التعلم.
وتلك سنة قديمة تدخل في إطار تبادل القيم المادية والرمزية بين المجموعتين العربية والزنجية،فمنذ القدم كان الفقهاء الشناقطة يستقبلون أطفالا يرسلهم آباءهم الفلان في وقت كانت فيه أسرة “الدنيانكوبه” الوثنية الحاكمة في منطقة “أفوتا” تحاول أن تمنع وتعرقل التعليم الديني وحتى بعد تحرير “أفوتا” فقد استمرت عادة إرسال البكر من الأبناء إلى مدارس شنقيط ليستكمل ثقافته الدينية .
إلا أنه يلاحظ منذ سبعينيات القرن العشرين حصول تراجع في هذه الظاهرة؛ وربما يكون مرد ذلك إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضها الجفاف والتمدن والجهد التنصيري الناشط في مناطق وجود الزنوج الأفارقة.
المصدر : شبكة " ارم انيوز"