تواجه "النديايات" في موريتانيا واقعاً صعباً. هؤلاء في حاجة إلى بيع سلعهن من خلال بسطات، إلا أنهن يصطدمن بالقوانين التي تفرض على البائعات غرامات مالية، وتمنع البسطات العشوائية في المواقع الاستراتيجية التي عادة ما يفضّلها الباعة الجوالون.
و"النديّايات" و"النجايات"، كما يُطلق عليهن في موريتانيا، هن النساء اللّواتي يبعنبضاعتهن من خلال بسطات شعبية في الأسواق وأمام الإدارات وسط المدن، غير آبهات بتحذيرات البلدية التي تنظّم جولات ميدانية من حين إلى آخر لتطبيق القوانين، والتأكد من التزام الباعة المتجولين بالمواقع التي يسمح فيها بالبيع، وكيفية عرض البضاعة. إضافة إلى خوفهن من ملاحقة السلطات، يخشين ألّا يجمعن نقوداً كافية قبل العودة إلى عائلاتهن، إذ إنهن مسؤولات عن إعالتهم.
غالبيّة "النديايات" أرامل أو مطلّقات، ويُعِلنَ أسراً مكوّنة من أبناء وأشقاء، وسط غياب أي مساعدات اجتماعية. وتجد "النديايات" أنفسهن ملزمات بالعمل والكفاح من أجل إعالة أسرهن، ويحظين بدعم شعبي وتعاطف كبير حتى من قبل السلطات المحلية التي لا تصادر بضاعتهن، على عكس الباعة المتجوّلين من الذكور. وفي أحيان كثيرة، يسمح لهن بمواصلة البيع وملاحقة الشبان لمنعهم من التجول والبيع.
وزادت نسبة "النديايات" معيلات الأسر في المجتمع الموريتاني. وبحسب إحصائيات حديثة، فإن نسبة معيلات الأسر في البلاد تقدر بـ38 في المائة. ويعزو باحثون اجتماعيون زيادة عدد معيلات العائلات في موريتانيا إلى البطالة والطلاق وعدم حصول المطلقة على حقوقها، إضافة إلى ارتفاع التكاليف المعيشية.
تعمل "النديايات" في مختلف الأسواق الموريتانية، ويعرضن بضاعتهن من خلال بسطات شعبية أو عربات. وتقول رقية بنت صيدو (42 عاماً)، إنّ "عمل النديايات صعب لأنهن يحرصن على عرض البضاعة في أماكن استراتيجية، على غرار الأسواق، وعلى قارعات الطرقات الرئيسية، وأمام الإدارات المكتظة، ما يعرّضهن إلى مشاكل كثيرة، منها انزعاج المارة منهن، وقمع الشرطة لهن، عدا عن البقاء ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة". تضيف أنّها تستيقظ باكراً لإنهاء مهام بيتها الصغير، وإرسال أبنائها الأربعة إلى المدرسة، ثم تنطلق في رحلتها من حي "الترحيل" خارج العاصمة إلى وسطها، حاملة أغراضها الثقيلة. ويساعدها شقيقها في حمل البضائع من المنزل إلى الشارع الرئيسي، ثم تنتظر مرور سيّارة أجرة أو عربة لنقل البضائع إلى السوق. وتقول لـ"العربي الجديد": "أحياناً، أنتظر ساعة ونصف الساعة على الطريق، وأتحمل البرد القارس، قبل أن أجد من يقلّني إلى السوق". وبسبب قلّة العربات في الحي الذي تسكنه، تقبل بأي سعر يفرضه السائقون، لتصل إلى وسط المدينة قبل أن تكتظ بالمتسوقين وتخسر مكانها في منطقة العرض.
وتؤكّد رقيّة التي تعيل أسرة مكونة من أربعة أبناء، أنها حاولت مراراً البحث عن عمل آخر أو تأمين دكان أو قرض لتطوير عملها من دون أن توفّق، ولا يمكنها تضييع وقتها في البحث عن مساعدة لن تحصل عليها.
وتنتمي غالبيّة "النديايات" إلى شريحة "الحراطين"، التي عانت من العبودية، وما زالت تُعاني من الجهل والفقر والهشاشة، في وقت تعجز السلطات عن دمج أبناء هذه الشريحة في المجتمع بشكل يضمن حقوقهم. ويعمل غالبية أبناء العبيد السابقين في أعمال السخرة، ولا يحصلون على ما يكفي للعيش.
وتعتمد "النديايات" على كسب ثقة الزبائن الذين يحاولون مساعدة هؤلاء النساء لكسب لقمة عيشهن. من جهة أخرى، هناك إقبال على بضاعة "النديايات" التي تتميز بجودتها العالية، خصوصاً اللواتي يبعن الملابس والفاكهة والخضار والسمك واللحوم. وتُحاول البائعات المحافظة على هذه الثقة، وبيع كل ما في حوزتهن قبل العودة إلى المنزل، خصوصاً العجين والكسكس والخضار. وتتعرّض النديايات للمضايقات وتُفرض عليهن ضرائب كثيرة، ويُلاحقن من قبل عمّال البلديّة. أيضاً، هنّ مهددات بخسارة كل ما يملكن، إذ يرصدن من قبل عصابات، في ظلّ غياب الأمن، خصوصاً في بعض المناطق العشوائية التي تقطنها "النديايات".
ويطالب البعض الدولة بمساعدة "النديايات"، ودعم وتعزيز نشاطهن التجاري ومنحهن مساعدات وقروضاً ميسرة، وتأمين أماكن عرض مخصّصة لهن تمكنهن من بيع البضائع بعيداً عن قارعة الطريق.
العربي الجديد