متفردة في خصائصها ومتميزة في أساليبها، ليست رديفة للكتّاب ولا للجامع ولا للجامعة، إنها المحضرة حيث يحضر العلم ويحاضر العلماء وتتدفق المعرفة.
جامعة متنقلة فوق ظهور العيس أو داخل خيمة أو تحت عريش شجرة بدأت رباطا يعتكف فيه الناس ويجتمعون من أجل الدراسة والتأمل، واكتملت فضاء يشع بالعلم والمعرفة ويوحد بلاد شنقيط بعد أن عز فيها الرابط وغاب كيان الدولة الذي يفيء الناس إليه داخل هذا الفضاء الشاسع، فكانت حاملة للغة والمعرفة والثقافة وحافظة للقيم والأخلاق والهوية.
يقول العالم والمفكر الموريتاني الخليل النحوي عن المحضرة إنها "تواضع مجتمعي وتزكية اجتماعية تقدم لشيخ يقبل الناس عليه أفواجا، وعندما تلتئم حوله حلقة تسمى محضرة، سواء التأمت في مسجد أو في خيمة أو تحت ظل عريش، وهي مرتبطة ارتباطا كبيرا بشيخها، وهو إطارها حيثما توجه".
ويضيف أن الاستقرار الخاص بالمحضرة حصل مع التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي شهده المجتمع، موضحا أن المحضرة مبنية على نظام التعليم الفردي ومراعاة الفوارق، بخلاف نظام التعليم الحديث الذي يعمل بنظام الزمرة أو المجموعة الذي يحبس الذكي مع الغبي، أما في المحضرة فكل حسب ذكائه وطاقته وجهده، وحسب حاجته للعلم وحسب اختياراته للمواد التي يدرسها وللحصة اليومية بحسب اجتهاده ورغبته.
ويقول النحوي إن الطالب سيد في المحضرة لأنه غير مربوط ببقية الطلبة، وعندما يكثُر عدد الطلبة تصبح إدارتهم مشكلة، فابتكرت المحضرة نظاما يقوم على نظام الدولة، بمعنى أن كل نحو ثلاثة طلاب أو أربعة لديهم رغبة مشتركة ومستويات ذهنية متقاربة يدرسون مع بعضهم، وهناك أيضا نظام المعيدين فالمتفوقون من الطلاب يمارسون دور المعيدين فيدرّسون بعض الطلبة والكبار من الطلاب يدرّسون من هم دونهم وهلم جرا.
ويتابع أن هناك أشياء للدراسة متفقا عليها، وميزة المحضرة أنها مدرسة للحياة، أي أن لها منهجا مفتوحا على المعارف والمهارات التي يحتاجها المجتمع، فهناك شق المعارف الذي يحال عليه عادة في المناهج الدراسية، فضلا عن شق المهارات بمعنى أن تكون خبيرا بكل الأنشطة التي تتطلبها البيئة التي تعيش فيها.
أما عن المعارف، فبعد دراسة القرآن الكريم تدرس المحضرة علوم اللغة العربية التي تعطى أولوية على دراسة الفقه، فدراسة علوم اللغة تجري عادة من خلال متون الأدب وخاصة المعلقات العشر أو ديوان الستة الجاهليين وغيرهما، وكذلك متون النحو والصرف والبلاغة.
وإلى جانب علوم اللغة هناك بعض المحاضر لها صبغة تخصصية كالفقه وعلوم القرآن الكريم والتاريخ والطب والحساب والجغرافيا والمنطق.
المصدر : الجزيرة