"أبو القمح".. المزارع الذي صارع حكومات موريتانيا

16 ديسمبر, 2018 - 12:22

مدفوعا بقناعة رسّختها قراءة التاريخ والاحتكاك بشعوب العالم الحديث، مفادها أن الزراعة رافعة أولى لنهضة الأمم؛ استقال يحيى ولد بيب طوعا من وظيفته بقطاع التعليم في دولةالإمارات، وعاد إلى بلده موريتانيا في عام 2003 ليبدأ حكاية أخرى مع المحراث والعتلة على ضفاف النهر الفاصل بين موريتانيا والسنغال.

خلال عقد ونصف خاض المزارع والنقابي يحيى ولد بيبّ صراعات كبرى لإقناع الحكومات الموريتانية بأولوية قطاع الزراعة، وعُرف بين زملائه وموظفي وزارة الزارعة بـ"أبي القمح" حين أقنع الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بمشروع زراعة القمح.

يقول ولد بيب للجزيرة نت إن اهتمامه بمجال الزراعة كان منصبا في البداية على طرْق التجارب غير المسبوقة في بلده، كزراعة القمح والفواكه والأعلاف الخضراء التي بدأ بها، إلا أن انعدام الظروف المواتية اضطره إلى التوجه نحو زراعة الأرز.

وكغيره من مئات من المزارعين الموريتانيين، يترقب ولد بيب ما سيترتب على الاجتماع المشترك لوزراء الزراعة والثروة السمكية لدول مجموعة الساحل الخمس، الذي انعقد مؤخرا في العاصمة الموريتانية نواكشوط، لبحث أزمات الغذاء في المنطقة بحضور ممثلين عن هيئات مالية دولية وإقليمية، وأوصى بتفعيل الإنتاج الزراعي.

نضال وضغوط
تعرض المزارع ولد بيب لخسارات عديدة يُرجع بعضها إلى نقص آليات الحصاد، كما يحمّل الحكومة المسؤولية عن أخطاء موظفيها تجاه المزارعين والقطاع دون أي عقوبة، مما دفع به إلى تأسيس رابطة للدفاع عن حقوق المزارعين ما بين عامي 2007 و2008.

استجابت الحكومة لما يناهز 75% من مطالب الرابطة، وخفضت المديونية عن المزارعين من 12 مليار أوقية إلى 1.2 مليارا فقط (الدولار الواحد في حدود 350 أوقية)، كما استغلت الرابطة حضورها القوي في المشهد لخوض حملات تهدف لإقناع الحكومات المتعاقبة بأهمية القطاع الزراعي وضرورة وضعه في سلم الأولويات.

 

وكان من بين أبرز الخطوات التي قادها ولد بيبّ ضمن حملات الرابطة، كتابة رسالة إلى الرئيس الموريتاني على قطعة قماش طولها يزيد على ألف متر، عمل على كتابتها خطاط محترف لمدة شهرين.

ويعلق ولد بيبّ للجزيرة نت بالقول إن الرسالة التي كان يسعى من خلالها لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية، قد حققت هدفها بلفت انتباه الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيزإلى قطاع الزراعة.

ولم يسلم ولد بيبّ من الضغوط والمضايقات خلال مساره كمزارع، فقد حُبست المياه عن مزرعته فتعرضت لخسائر بالغة، وهو ما دفعه لمطالبة وزارة الزراعة بالتعويض، وقد أنصفته المحكمة وحكمت على الوزارة بتعويضه عن الخسائر، ليرفع ضدها دعوى جديدة لتعويض المزارعين 11 مليار أوقية بسبب التأخر في توفير الأسمدة عام 2012.

فرص مهدورة 
وتقدر المعطيات الرسمية لدى وزارة الزراعة الموريتانية الأراضي العالية الخصب في البلاد بحوالي 513 ألف هكتار، فيما لم يتجاوز المستغل منها في حملة الموسم الماضي الزراعية 30 ألف هكتار فقط.

ويتحدث ولد بيب للجزيرة نت بحسرة عما يسميه إنفاقا سخيا من موريتانيا على دعم مزارعي دول عديدة تستورد منها الأرز والقمح والفواكه والخضراوات، في وقت تملك فيه البلاد مقدرات زراعية غير مستغلة.

ويعلق ولد بيبّ بالقول إن النهر يزيد سنويا بنحو 22 مليار متر مكعب من المياه، "نصفها يمر علينا ثم "ينتحر" في المحيط الأطلسي حسرة على هذا الشعب الذي لا يحسن استغلال موارده"، بينما يتم تقاسم الـ11 مليار متر مكعب المتبقية بين موريتانيا والسنغال دون أن يُستَغل نصيبنا منه أفضل استغلال، بحسب تعبيره.

كما يضيف: "من المؤسف أن تسير لمدة ساعات بالسيارة على ضفة النهر دون أن تجد أي مزرعة"، ويؤكد أنه لو "اتبعت سياسات زراعية رشيدة لتحول وجه موريتانيا ونهضت بسرعة دون الحاجة إلى نفط ولا ذهب".

مساعي المزارع يحيى ولد بيبّ نحو مزيد من الاهتمام الرسمي بقطاع الزراعة دفع به إلى طرق كافة أبواب التأثير على رئيس البلاد. يقول للجزيرة نت: "التقيت بالمدير العام للأمن الجنرال محمد ولد مكت لأقول له إن الزراعة تساهم في الأمن؛ لأنه دون أمن البطون لا يمكن تحقيق أمن الشوارع".

المصدر : الجزيرة