لموسم جني التمور والبلح، أو ما يصطلح الموريتانيون على تسميته بـ"الكيطنة"، طقوس خاصة جدا، تجعل منه ما يشبه الموسم السياحي الداخلي، لكن بنواميس مختلفة إلى حدّ ما.
فمع حلول فصل الصيف من كل عام، تتوافد العائلات الموريتانية إلى ولاية "آدرار" شمالي البلاد، لتنصب قرب الوديان وبين واحات النخيل الساحرة، خياما تستجم تحت ظلالها، وتتمتّع بأجود أنواع التمور والبلح الطازج.
وعادة ما يبدأ موسم "الكيطنة" مع بداية العطلة الصيفية، أي منتصف شهر يونيو/ حزيران، ويستمر حتى النصف الأول من أغسطس/ آب من كل عام.
** سياحة محلية
موسم "الكيطنة" يعتبر في موريتانيا أهم موسم سياحي محلي بالبلاد، حيث تتدفق العائلات بأعداد كبيرة إلى "آدرار"، ويحدث أن يفضل البعض، ولكن بشكل أقل، التوجّه إلى ولاية "تكانت" وسط البلاد، للغرض نفسه.
وموسم "الكطنة" مخصص في الأساس للسياح المحليين، رغم أنه بدأ منذ سنوات يجذب بعض السياح الأجانب، خصوصا الأوروبيين الراغبين في التمتع بالأجواء الطبيعية النقية بعيدا عن ضوضاء المدن.
وخلال هذا الموسم السياحي، تستمتع العائلات بتناول التمور والبلح، ويعتقد الكثير من الموريتانيين أن تناول البلح طازجا بعد جنيه من النخيل مباشرة، له فوائد صحية كبيرة.
محمد عبد الله ولد صمب، يملك واحة نخيل بولاية "آدرار"، قال إنّ موسم "الكيطنة" يعدّ أحد أهم المواسم السياحية بموريتانيا، خصوصا في ولايته التي توصف بأنها ولاية سياحة بالدرجة الأولى، على حد تعبيره.
وأضاف، في حديث للأناضول، أن "الجميع يجد راحته هنا، ونحن نعمل من أجل توفير كافة مستلزمات الراحة للسياح الموريتانيين، فهنا يجد السائح الأجواء الطبيعية النقية والأماكن المريحة، والكل يفضل الجلوس تحت ظلال النخيل أو في خيام تقام في الوديان أو بين الواحات".
** فعاليات ثقافية
وعلى هامش الموسم السياحي، يحرص سكان الولاية على إقامة فعاليات ثقافية وسهرات فنية، حيث تقام أمسيات فنية وشعرية، يقدم خلالها شعراء آخر إبداعاتهم الشعرية.
كما يقدم فنانون وصلات غنائية تستحضر أمجاد الماضي وتراث البلاد، بالإضافة إلى رقصات فلكورية، تهدف لصيانة الموروث الثقافي المحلي، وتلاقي إعجابا واسعا في صفوف المتابعين.
سهرات رائقة، وأمسيات هادئة بعيدا عن زحمة الحياة، وضجيج المدن الكبرى، تمنح الأسر الموريتانية هامشا من الاستجمام والترفيه.
إعلي ولد العيد، أحد هؤلاء السياح المحليين الذين لا يفوتون موسم "الكينطة"، لـ"التمتع بحياة هادئة بين واحات النخيل"، كما يقول.
ولد العيد، أشار، في حديثه للأناضول، إلى أن الأمسيات الثقافية والسهرات الفنية والفلكلورية التي تقام طيلة أيام هذا الموسم، تشكل "إضافة كبيرة"، و"محفزا إضافيا" للسياحة المحلية.
المكان مريح جدا"، يتابع بحماس ظاهر، حيث "يتوافد الموريتانيون بأعداد كبيرة إلى هذه الولاية مع بداية العطلة الصيفية، ونستمتع هنا بجمال الطبيعة ونقاء الأجواء وراحة المكان. هناك التمور والبلح الطازج، والمياه العذبة، كما نمضي أجمل الأوقات مع الزملاء والأحبة".
وبتطرقه للموسم الحالي، قال ولد العيد إنه "يشهد إقبالا كبيرا من قبل السياح المحليين، رغم الظروف التي تشهدها البلاد، في ظل حالة الجفاف التي أثرت على جميع جوانب حياة السكان".
وتقيم الحكومة، سنويا شمالي البلاد، خلال موسم "الكينطة"، مهرجانات للتمور، لتسليط الضوء على منتوجات البلاد من هذا المنتوج، وتمكين أصحاب واحات النخيل من تسويق منتجاتهم.
** خزان التراث الترفيهي
تعتبر ولاية آدرار خزان التراث الترفيهي في موريتانيا، حيث تشتهر بمهرجاناتها الترفيهية السنوية، وتحتضن العديد من المتاحف التي تزخر بالتراث الثقافي المحلي.
وتتمتع هذه الولاية البالغ عدد سكانها نحو 62 ألف و658 نسمة (من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم نحو 3.7 ملايين نسمة) بمناظر طبيعية خلابة ومتنوعة، مثل الكثبان الرملية، وواحات النخيل.
كما تتميز بتضاريسها المتنوعة من هضاب وجبال، علاوة على منابع المياه، وما تشتهر به من صناعات يدوية تقليدية متنوعة.
نقاط جذب رشّحت الولاية لأن تكون الوجهة السياحة الأولى بموريتانيا، غير أن هجمات إرهابية عرفتها البلاد في سنوات 2005 و2007 و2008، تسببت في تراجع إقبال السياح الأجانب.
واستهدفت موريتانيا، في السنوات المذكورة، بهجمات إرهابية دامية خلفت عشرات القتلى والجرحى من العسكريين، علاوة على مقتل 4 سياح فرنسيين، واختطاف أجانب، بينهم إسبان وإيطاليون.
ودفعت تلك الهجمات الاتحاد الأوروبي، في 2008، إلى حظر السفر على مواطنيه إلى موريتانيا، كما وضعت الخارجية الفرنسية مناطق واسعة من البلد الإفريقي في "القائمة الحمراء" الخطيرة للمناطق التي يمنع على الفرنسيين زيارتها.
وبعد 10 سنوات من الحظر، وبتحسّن الأوضاع الأمنية نسبيا في موريتانيا، عقب تطبيق الحكومة خطة أمنية لمنع وقوع هجمات على أراضيها، رفعت البلاد من قائمة الحظر، لتعود أفواج السياح الأوروبيين إليها، وخصوصا إلى المناطق الشمالية.
لكن، ورغم ذلك، تظلّ موريتانيا من أقل دول المنطقة جلبا للسياح؛ لأسباب يتصدرها الجانب الأمني وغياب البنية التحية.
ولا توجد إحصائيات رسمية حول عدد السياح المحليين بولاية "آدرار"، أو حول مستوى مساهمة قطاع السياحة في الاقتصاد الموريتاني.
الأناضول