حكاية عمال "المحار" في موريتانيا

28 يوليو, 2018 - 23:01

الفقر والبطالة يدفعان موريتانيين إلى العمل في مهنة استخراج المحار الشاقة. وإن كان بعضهم يشكو صعوبتها، إلا أنه ما من خيار آخر للعيش
تشهد مهنة استخراج المحار في موريتانيا انتعاشاً كبيراً، منذ سنوات، نتيجة توسّع العاصمة نواكشوط، وتزايد عدد السكان، ما جعل هذه المهنة تجذب العديد من الشباب القادمين من كافة أنحاء البلاد، هرباً من شبح البطالة والظروف المعيشية الصعبة.

ورغم صعوبة عملية استخراج المحار، استطاع العاملون في هذه المهنة تغطية حاجة العاصمة نواكشوط، والمناطق المجاورة لها من المحار، الذي يستخدم في البناء.

ويقول محمد ولد العربي (30 عاماً)، أحد الشباب العاملين في المهنة، إن عملية استخراج المحار تستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً في ظل غياب الوسائل الحديثة، واعتماد العمال على وسائل بدائية، خلال الحفر، واستخراج المحار من باطن الأرض.

وينتظر ولد العربي الشاحنة التي ستنقله برفقة بعض زملائه إلى مكان مقالع المحار، على بعد 100 كلم شمال نواكشوط، ويشير إلى أنه ورفاقه يتوجهون إلى مكان العمل في حدود الساعة الثامنة صباحاً، ويبدؤون العمل الساعة التاسعة والنصف وحتى السادسة مساء، ثم يعودون إلى العاصمة لتفريغ حمولة الشاحنات. 

من جهته، يتحدث اللين ولد أسلم (38 عاماً) عن معاناته والظروف القاسية التي يعيشها العاملون في المهنة، لافتاً إلى أنهم يستعملون آلات بدائية رغم صعوبة عملية استخراج الحجارة المحار من باطن الأرض. يضايقه الغبار والبرد القارس في فصل الشتاء وحرارة الشمس في فصل الصيف". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن يوميات عمال المحار ليست سهلة، لافتاً إلى أنهم يقضون أيامهم في استخراج المحار من باطن الأرض، ويتناولون القليل من الفول السوداني، والبسكويت، والشاي، ويجلبون معهم بعض الفحم من العاصمة، ويوقدونه في أوقات الاستراحة، وهي قليلة. وفي المساء، بحسب لد أسلم، "نعود أدراجنا إلى العاصمة لعرض ما استخرجناه في أماكن عدة في نواكشوط. وتركن الشاحنات على قارعة الطريق في انتظار الزبائن". ويلفت إلى أن تجارة المحار تلقى رواجاً رغم الواقع الاقتصادي الصعب، خصوصاً أنها تستخدم في عملية البناء. وتعدّ إحدى أهم المواد التي تخلط مع الإسمنت لتسليحه.
بدوره، يؤكد السالك ولد محمود (40 عاماً)، أن عمال المحار يواجهون صعوبات كثيرة في صحراء إينشيري (شمال العاصمة نواكشوط)، منها قضاء يوم كامل في العراء، ما بين البحث عن مقالع جديدة للحجارة، والعمل على استخراجها بعد رحلة بحث شاقة في أعماق الصحراء. ويوضح لـ "العربي الجديد" مدى صعوبة استخراج المحار، وتقسيم الأدوار بين العمال، لافتاً إلى أن مجموعة من العمال تتولى حفر باطن الأرض بالآلات البدائية لاستخراجه، بينما يتولى الفريق الثاني تصفية الحجارة وتحميل الشاحنات.

يضيف ولد محمود: "بعد يوم كامل من العمل الشاق، نتوجه إلى العاصمة نواكشوط لعرض حمولة الشاحنات التي نستأجرها من بعض رجال الأعمال، ثم نعود في اليوم الثاني إلى العمل، ونتبادل الأدوار في مهنة لا يعرف أصحابها الكلل أو الملل، ولا ينتهي العمل فيها إلا ليبدأ من جديد".
ترتسم ملامح التعب والإرهاق الشديدين على محيا إبراهيم، البالغ من العمر 30 عاماً، وهو يحكي لـ العربي الجديد" عن يوم عمل شاق في مقالع المحار، في ظل برد الصحراء، بهدف تأمين لقمة العيش من مهنة بالكاد توفر لبعضهم احتياجات عائلاتهم، في ظل تزايد عدد المقبلين عليها نتيجة البطالة. يضيف إبراهيم، أنه قدم إلى العاصمة نواكشوط من أقصى الشرق الموريتاني بحثاً عن عمل، بعدما ترك مقاعد الدراسة قبل أن يكمل المرحلة الابتدائية بسبب الفقر والبطالة التي كانت تعاني منها أسرته. عمل في مهن حرة عدة، على غرار رعي الأغنام وبيع المياه على عربات الحمير، إلى أن قاده القدر، أخيراً، إلى المحار.
ويؤكد إبراهيم، أنّ العمل في مقالع المحار متعب وشاق، ولا يوفر دخلاً جيداً، إلا أن البطالة أشد تأثيراً. يضيف: "تغمرني السعادة حين أعود إلى منزل أهلي، ومعي بعض النقود التي جمعتها من عرق الجبين". ويرى الشاب محمد ولد أسويدي (29 عاماً) أن حكايات العاملين في مقالع المحار متشابهة، فمأساتهم واحدة، عنوانها الكد والتعب في سبيل تحصيل ما يسدون به رمق عيشهم.
ويقول ولد أسويدي، إن معظم العاملين في هذه المهنة لم يسعفهم الحظ في متابعة تعليمهم لأسباب عدة، منها الفقر. وعادة ما يعاني غير المتعلمين أكثر من غيرهم. ويجمع عمال استخراج المحار في نواكشوط على تعرضهم لمضايقات كثيرة من السلطات، مثل محاولة فرض غرامات مالية عليهم، إضافة إلى بعد المسافة عن العاصمة. ويشكو العاملون في هذا المجال من دخول شركات يملكها بعض رجال الأعمال على الخط، ما يؤدي إلى مضايقتهم في مهنة تعد مصدر رزقهم الوحيد.
ويُطالب عمال مهنة استخراج المحار السلطات الموريتانية بإنهاء معاناتهم من خلال وقف محاولات فرض غرامات مالية بحقهم، وحمايتهم من رجال الأعمال ليتمكنوا من مزاولة مهنتهم الوحيدة ومواجهة شبح البطالة وتردي الوضع المعيشي وارتفاع أسعار المواد الأساسية في البلاد.

نقلا عن العربي الجديد