ليس الفقر وتأمين المستلزمات المعيشية الأساسية ما يشغل فقراء موريتانيا فحسب. أخيراً، بات هؤلاء في مواجهة مشكلة أخرى، وهي غياب الكهرباء بعد إزالة الأسلاك الكهربائية، وإن كانت تسبب خطراً على حياة المواطنين
تسبّب عزل الكهرباء عن الأحياء الشعبيّة في العاصمة الموريتانية نواكشوط في أزمة لدى السكان سواء من محدودي الدخل أو الفقراء. ويطالب هؤلاء الجهات الرسمية بإنهاء الأزمة ودفع شركة الكهرباء للعدول عن قرارها. وتكثر الأسلاك الكهربائية في معظم الأحياء الشعبية في نواكشوط، ما يؤدي إلى مخاطر كبيرة على حياة المواطنين. لكن الحاجة الماسة تجعل من الاستغناء عنها أمراً مستحيلاً، ما دفع الحكومة، ممثلة بالشركة الوطنية للكهرباء، إلى التغاضي عن هذه الأسلاك التي تسمى شعبياً بـ"النيش" في وقت سابق.
داخل كوخ مظلم في أحد الأحياء الشمالية لنواكشوط، تعرب مريم عن أسفها لقرار قطع الكهرباء عن الحي منذ أسابيع، ما دفع بأطفالها الثلاثة للاعتماد على قناديل للقراءة ليلاً. كما تستخدم الأم شمعة اشترتها من الدكان المجاور لتجهيز وجبة العشاء للأطفال، علماً أن العتمة باتت تخيف صغارها. وتقول مريم لـ"العربي الجديد"، إن أحلام عائلات الحي الشعبي الذي تعيش فيه تنحصر في توفير الكهرباء عبر أسلاك ممتدة ومتناثرة بين أزقة الحي الضيقة، مؤكدة أن الأسلاك الكهربائية التي تعرف بـ"النيش"، وعلى الرغم مما تحمله من مخاطر على الأطفال والحيوانات، إلا أنها تساعد على استمرار الحياة داخل أكواخ الفقراء التي تغيب عنها غالبية المستلزمات والحاجيات الأساسية الأخرى.
وفي حي آنتن في مقاطعة توجنين، تُعاني المسنة "هاوا" خلال تنقلها في مسكنها المتواضع، وخلال ذهابها إلى الدكان الواقع على بعد نصف كيلومتر لشراء ما تحتاجه، مستعينة بضوء قنديل زجاجي استعارته من جارتها للاهتداء بضوئه، مطلقة كلمات تعبر عن مستوى الاحتقان بين سكان الأحياء الشعبية من شركة الكهرباء التي قررت إزالة الأسلاك من الأحياء الفقيرة فجأة، ومن دون سابق إنذار.
وتقول هاوا لـ"العربي الجديد"، إن الأسلاك الكهربائية في الأحياء العشوائية في نواكشوط لا غنى عنها، في ظل عجز شركة الكهرباء عن تغطية كافة مناطق العاصمة بأعمدة الكهرباء، خصوصاً أماكن تواجد الفقراء، علماً أن الأفضلية في موريتانيا هي لميسوري الحال وأصحاب الوظائف السامية والنفوذ الكبير. ويرى محمد فال، أحد سكان حي اسبيخه، شرق نواكشوط، أن "النيش" للعشوائيات. ولا يخلو أي كوخ أو خيمة من وجود أسلاك لتوفير خدمة كهرباء مدفوعة الثمن لسماسرة مرتبطين بشركة الكهرباء من خلال صفقات مشبوهة. وغالباً ما تتعطل الخدمة عن الزبائن كلما نشب خلاف أو عدم تفاهم بين مسيري الشركة والقائمين على توفير "النيش" في الأحياء الشعبية.
يضيف محمد فال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سكان المنطقة يعيشون في الظلام، بعدما جاء عمال الشركة الوطنية للكهرباء وأزالوا الأسلاك من الحي. وبحسب ما يشاع في الكواليس، هناك خلاف بين الشركة وموفري "النيش" للأحياء الشعبية، بينما ترفع الشركة شعار زيادة التغطية والعمل على توفير كهرباء شرعية للسكان خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
ويؤكّد محمد فال أنّ معاناة سكان العشوائيات مع الكهرباء مستمرة. وحتى لو عادت خدمة "النيش"، فإن انقطاع الكهرباء يستهدف سكان هذه الأحياء بشكل يومي وأسبوعي، نتيجة حصتها من الكهرباء وانتشار "الزبونية" والرشوة بين الذين يؤمنون خدمة "النيش"، ما يؤدي إلى خلافات مع الشركة لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد.
من جهته، يقول الشيخ ولد محمد المختار إن الأسلاك الكهربائية المنتشرة في أحياء الصفيح في نواكشوط، عادة ما تؤدي إلى حالات وفاة ونفوق الماشية، بسبب الإهمال والفوضى سواء من المواطنين أو الجهات الرسمية، التي لم تضع خطة لمواجهة خطر أسلاك الكهرباء والحد من خطرها.
ويؤكّد ولد محمد المختار أن "النيش"، على الرغم من أهميّته وتوفيره خدمة الكهرباء في الأحياء الشعبية، بات يؤدي إلى الموت نتيجة الإهمال والفوضى المصاحبة لتوفير هذه الخدمة في كافة مناطق نواكشوط. من جهة أخرى، يعترف باب ولد محمد، أحد الذين يؤمنون خدمة "النيش"، بما سببه قطع الخدمة من أزمات ومشاكل لا حصر لها بين السكان، لكنه يحمل المسؤولية للشركة التي قررت قطع الكهرباء ورفضت التعامل مع الموزعين من جديد. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن سكان الأحياء الشعبية يطالبون الشركة بإعادة الكهرباء، ويضغطون على موفري "النيش" للتعامل مع الشركة والتفاهم مع القائمين عليها من أجل عودة الكهرباء.
إلى ذلك، يقول مصدر في شركة الكهرباء لـ"العربي الجديد"، إن إزالة "النيش" قرار إداري لا يستهدف السكان، وإنما يسعى إلى توفير تغطية شرعية ملائمة لكافة السكان. يضيف أن العمل جار على توفير الأعمدة الكهربائية في كافة الأحياء الشعبية، وتسهيل أسعار الاشتراك في الكهرباء، مشيراً إلى أن الأمر يتطلب بعض الوقت ليشمل كافة المواطنين.
نقلا عن العربي الجديد