الناصريون في موريتانيا ينظمون ندوة حول القضية الفلسطينية ردا على قرارا ترامب

16 ديسمبر, 2017 - 14:23

احتضنت دار الشباب القديمة بالعاصمة نواكشوط مساء أمس الجمعة ندوة تحت عنوان "فلسطين من النهر إلى البحر والقدس عاصمتها"؛ رعتها منظمة الثقافة والاتصال والبيئة والتنمية (ثابت).

حضر الندوة لفيف من المثقفين والسياسيين وقيادات التيار الناصري والقوى القومية في موريتانيا.

استهلت الندوة بآيات بينات من الذكر الحكيم؛ تلتها كلمة الافتتاح مع رئيس منظمة "ثابت" الدكتور محمد الأمين ولد عبيد الذي ذكر بمحورية القضية الفلسطينية وتقدمها في سلم اهتمامات الأمة العربية وجماهيرها من المحيط إلى الخليج؛ مشددا على ضرورة التمسك بثوابت النضال القومي العربي في جميع أبعاده التحررية والوحدية ضمانا لاستعادة الحقوق؛ وتشبثا بالنهج الذي رسمه كبار زعماء الأمة الملتزمين بقضاياها الكبرى وفي مقدمتهم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر؛ ومشددا على ضرورة الوعي بحقيقة أن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود لا صراع حدود؛ وأن القدس خط الأحمر.

وأوضح ولد عبيد أن قرار الرئيس الأمريكي ترامب بشأن القدس جاء في إطار سياسة عدائية ثابت للأمة العربية؛ مذكرا بتاريخ تلك السياسية المنحازة للعدو الصهيوني ونماذج منها كالعدوان الثلاثي على مصر، واعتداءاتها في العراق ومصر وليبيا وسوريا واليمن وغيرها.

بعد ذلك قدم الدكتور سيد أحمد ولد أحمد ولد التنكال ورقة مفصلة حول القضية الفلسطينية في المشروع الناصري، تمحورت حول النهج الذي سارع عليه الزعيم جمال عبد الناصر في تعاطيه مع القضية منذ نكبة فلسطين عام 1948 حتى رحيله رحيله عن هذه الدنيا يرحمه الله،.

وقد أعقب هذه الورقة مجموعة من التعقيبات قدمها السادة:

الكاتب الصحفي والإعلامي الشيخ بكاي

الناشط الحقوقي والمناضل في حزب التحالف الشعبي التقدمي الأستاذ الصغير ولد العتيق

الأستاذ المناضل الناصري البارز شيخنا ولد محمد سلطان

ثم تناول الكلام بعد ذلك المفوض عمر البكري من دولة فلسطين حيث أشاد بمبادرة تنظيم هذه الندوة؛ مثمنا المواقف التاريخية الثابتة للموريتانيين في دعمهم ومؤازرتهم للقضية والشعبين الفلسطينيين، ومبرزا بهذا الخصوص مواقف الرئيسين المختار ولد داداه ومحمد ولد عبد العزيز. داعيا إلى مزيد من مؤازرة الفلسطينيين وإلى رفض التنازل عن أي شبر من الأرض العربية المحتلة أو الاعتراف بما يسمى "إسرائيل".

واختتمت فعاليات هذه الندوة بكلمة للأستاذ سيدي ولد محمد عبد الله، وهو أحد كبار القادة التاريخيين البارزين للتيار الناصري في موريتانيا.

وهذا نص الورقة التي قدمها الدكتور سيد أحمد ولد أحمد ولد التنكال في الندوة:

بسم الله الرحمن الرحيم

مكانة القضية الفلسطينية في المشروع الناصري

(قراءة الفاتحة ترحما على شهداء القضية العربية المركزية)

أولا - مدخل:

قال تعلى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. (صدق الله العظيم).

لقد جسد الرئيس القائد والمعلم جمال عبد الناصر خلال حياته كلها آمال الأمة العربية في النهضة، والكرامة والشرف والعزة والإباء، فكان سراجا وضاء ينير  سماء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وكان مسلما عربيا وحدويا ثائرا على الاستعمار وأعوانه، وقد تفاعل في أعماق وجدانه مع كل تيارات المد التحرري الوحدوي التي كانت تهب على المنطقة العربية حينها فاستغرق الشأن العربي فكره وتأملاته وأحاسيسه وهو ما زال في ريعان شبابه.

ولقد كان للقضية الفلسطينية دورها الكبير والفعال  في تشكيل ملامح شخصيته المستقبلية سواء قبل دخول الكلية العسكرية أو بعده.

لقد تعرضت أر ض فلسطين كلها لمؤامرة دولية استعمارية استيطانية أكثر من أي بلد عربي آ خر؛ وذلك حين تعهد بلفور وزير خارجية ابريطانيا 1917م بإيجاد وطن قومي ليهود العالم يقيمون فيه دولتهم التي من أهم أطوار قيامها ما يلي:

- ما بين سنة 1945 و 1946 قدر حجم القوة العسكرية الصهوينة في فلسطين الواقعة تحت الانتداب الابريطاني آنذاك بـ 62000 جندي بينما كان الفلسطينيون يتطلعون إلى الجامعة العربية لتوفير المتطلبات الدفاعية لكن دون جدوى.

وفي 29 نوفمبر 1947م وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يوصي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: فلسطينية ويهودية.

- في سبتمبر سنة 1947م أكد تقرير اللجنة العسكرية الفنية أنه لا طاقة للفلسطينيين بمواجهة القوة الصهيونية، وحث التقرير الدول العربية على تعبئة كامل قوتها، فخصصت الجامعة العربية لهذا الغرض مبلغا قدره مليون جنيه استرليني، و 10000 بندقية و 3000 متطوع بينهم 500 فلسطيني .

- في يوم 14 مايو 1948 انتهى الانتداب الابريطاني على فلسطين،

- في يوم 15 مايو 1948 م ئتم الإعلان عن قيام الدولة الصهيونية، وعندها بدأت المعارك الحربية غير المتكافئة وتحركت الجيوش العربية من مصر وسوريا والعراق والأردن نحو فلسطين، وحققت بعض الانتصارات، وعندها تدخلت القوى الدولية وفرضت هدنة بين الطرفين مع منع وصول الأسلحة إلى منطقة النزاع، ولكن الصهاينة استغلوا هذه الهدنة لتجميع صفوفهم والحصول على الأسلحة من أمريكا وابريطانيا، ولما اندلعت المعارك من جديد كانت الموازين غير متكافئة فانتكست الجيوش العربية وقبل العرب هدنة ثانية مثلت اعترافا بالهزيمة التي عرفت عربيا بنكبة عام 1948.

لقد حظي القائد جمال عبد الناصر بالمشاركة في هذه الحرب ضمن ضباط جيش الإنقاذ الذي حارب في فلسطين بأسلحة فاسدة وحينها تعرض للحصار المشهور بمنطقة الفالوجة بفلسطين، وقد استلهم القائد والمعلم جمال عبد الناصر الكثير من العبر والدروس في هذه المرحلة واكتشف حجم المؤامرة ليخلص إلى أن الدفاع عن فلسطين دفاع عن الذات وأن تحرير فلسطين يمر بتحرير القاهرة.

وعند عودته إلى القاهرة بدأ يحضر مع رفاقه من حركة الضباط الأحرار لثورة 1952م التي أطاحت بالنظام الملكي في مصر وكان لها كبير الأثر في مستقبل الأمة العربية، حيث بدأ العمل على تطهير مصر من مظاهر الاحتلال الابريطاني ثم كان الاستفتاء في السودان لانفصالها واستقلالها لتحمي ظهر مصر ويأتي تأميم القناة لئلا تقطع القوات البريطانية خطوط إمدادات الجيش المصري إذا عبر إلى فلسطين.

 

ثانيا - عبد الناصر ومقارعة الاستعمار:

إن الحديث عن عبد الناصر ومواقفه وتضحياته وبطولاته وانتصاراته وكل مواقفه ليس من قبيل اجترار الماضي ولكن لغرض الدراسة وأخذ العبر والتأسي بماضينا الثوري القومي التحرري المجيد تأملا في الحاضر واستشرافا للمستقبل؛ خاصة وأن الاستعمار القديم قد عاد من جديد إلى منطقتنا العربية.

يقول  الدارسون للتاريخ: إنه لم تقم ثورة في مكان إلا وأثرت في محيطه، فقد أثرت الثورة الفرنسية في كامل أوروبا والثورة البلشفية في كامل آسيا وأوربا، والثورة الناصرية في كامل الوطن العربي".

وفي هذه الفترة (قيام الثورة) بدأ المد الثوري العربي الوحدوي التحرري الناصري يتعاظم  وينادي أحرار الأمة العربية بصوت عال داعيا إياهم للجهاد والكفاح وتقديم التضحيات حيث كانت غالبية الوطن العربي ترزح تحت الاستعمار الأوروبي والأمريكي بكل أشكاله ومضامينه، وكان شعار المرحلة: "ارفع رأسك يا أخي لقد ولى عهد الاستعمار"

 

لقد استطاع عبد الناصر أن يلقن الاستعمار دروسا ويكبده هزائم ويحقق عليه انتصارات لعل أهمها:

 

1 – اتفاق الجلاء:

كان من بين المبادئ الستة للثورة "القضاء على الاستعمار وأعوانه" فعند ما قامت الثورة سنة 1952 كان على أرض مصر حوالي 80.000 جندي ابريطاني، وكان السفير البريطاني يدير دفة الحكم في مصر فعليا، مما جعل أول أوليات عبد الناصر رحيل هذه القوات وتحقق ذلك باتفاقية الجلاء في إبريل سنة 1956م.

2 - تأميم قناة السويس:

يشكل تأميم عبد الناصر لقناة السويس الانتصار الثاني على جبهة الاستعمار وأعوانه وخطوة متقدمة في بناء السد العالي والتخلص من شركة فرنسية انجليزية يبلغ دخلها السنوي في ذلك الوقت مائة مليون دولار، وقد أممت في 26 يوليو 1955 وبذلك استطاعت ثورة 23 يوليو تمويل بناء السد العالي.

 

 

3 – هزيمة العدوان الثلاثي:

بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس طالبت الدول الاستعمارية بوضع قناة السويس تحت الوصاية الدولية وهددوا باحتلال  قناة السويس إذا لم تلب مطالبهم، وقد رفض عبد الناصر هذا الإنذار، ووقف كل شرفاء الأمة العربية وأحرار  العالم مع عبد  الناصر والثورة الناصرية في مواجهة العدوان الثلاثي الذي قامت به بريطانيا لأنها سلبت القناة، وفرنسا لأن عبد الناصر يحاربها في الجزائر، وإسرائيل لأنها تخاف عبد الناصر وتعلم أنه لا يقبل ببقائها مهما كلفه ذلك، وكانت النهاية انتصار مصر والثورة وانسحاب الجيوش الغازية.

4 – إسقاط حلف بغداد:

بعد الفشل الذريع الذي منيت به بريطانيا خلال العدوان الثلاثي على مصر أنشأت حلفا عرف بحلف بغداد ويهدف إلى تطويق عبد الناصر والوقوف في وجه مبادئه الوحدوية والتحررية، وقد ضم هذا الحلف بالإضافة إلى ابريطانيا العراق، إيران، باكستان، تركيا، وقد شن عبد الناصر حربا سياسية ودبلوماسية ضد حلف بغداد الاستعماري ووقف الشعب العربي معه في هذه المعركة حتى استطاع إسقاط هذا المشروع الاستعماري وإخراج ابريطانيا من المنطقة العربية بشكل كامل لتتحول ولأول مرة إلى دولة من الدرجة الثانية بعد أن كانت ابريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس.

ثالثا - عبد  الناصر وفلسطين

لقد أدرك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله أن فلسطين جزء من الأمة العربية اغتصبه الصهاينة بمساعدة الاستعمار والرجعية العربية لتقام عليها دولة إسرائيل لتكون حاجزا يحول دون وحدة الأمة العربية وتكامل طاقاتها، وبذلك فإن القضية الفلسطينية ستظل دائما وأبدا قضية العرب المركزية حتى يتم تحريرها، وفي هذا يقول المرحوم جمال عبد الناصر: "إن الاستعمار قد أقام إسرائيل في قلب الوطن العربي للقضاء على القومية العربية ولضرب هذه الأمة ومنعها من بناء نفسها اجتماعيا واقتصاديا ودبلوماسيا"، ويقول: "إنما يحدث في مصر وما يحدث في فلسطين هو جزء من مخطط استعماري يستهدف الأمة العربية كلها"، ويقول أيضا: "إن صراع الأمة العربية مع العدول الصهيوني هو صراع وجود وليس صراع حدود"، ورغم تركيز عبد الناصر على البعد "القومي العربي" في القضية الفلسطينية إلا أنه لم يلغ أبعادها الأخرى: الوطنية "الفلسطينية" والدينية والإنسانية، حيث يقول: "إن الثورة الفلسطينية أنبل ظاهرة في الأمة العربية " وقد ساهم عبد الناصر بفعالية في إنشاء ودعم وإيواء منظمة التحرير الفلسطينية كهيئة تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني وتكافح وتقاوم لاسترداد ما هو ممكن من حقوقه الوطنية والقومية والدينية، كما أقر عبد الناصر البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية واعتبرها قضية المسلمين في جميع أنحاء الأرض لأن هذا الصراع له بعد يتصل بمشروعية الفتح الإسلامي منذ أربعة عشر قرنا، ويرى أن الطريق الوحيد لاسترداد كافة الأرض العربية هو القتال والجهاد "فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".

ويمثل جمال عبد الناصر كما تمثل مرحلته مرحلة هامة في الذاكرة الفلسطينية إذ أنه وفضلا عن كونه قائدا عربيا،فقد امتلك رؤية قومية توضح معالم الدولة العربية الواحدة.

لقد اكتسبت شخصية جمال عبد الناصر حضورها الخاص في الوعي الفلسطيني تارة من خلال فكرة القومية العربية، وتارة من خلال كونه شريكا فعليا وأساسيا في النكبة والنكسة معا.

ومن هنا يمكن القول إن جمال عبد الناصر ظل حاضرا بقوة في أذهان الفلسطينيين وممثلا لشخصية البطل والقائد الفذ الذي التحم بقضيتهم أيما التحام،ووفر لأبنائهم فرص العمل والتعليم المجاني ،وسنكتفي هنا بمقتطفات من خطابه أمام الوفود الفلسطينية القادمة إلى دمشق يوم 3/3/1961 حيث قال:

"أيها الإخوة حينما أتكلم إلى أبناء فلسطين فإني أتكلم عن القضية العربية التي مست قلب كل إنسان عربي، أتكلم عن قضيتنا جميعا... فقضية فلسطين لم تكن أبدا قضية شعب فلسطين فقط، لأنها قضية استهدفت العرب في وطنهم الكبير، إن قضية فلسطين لا تعني الصهيونية واليهودية فحسب ولكن قضية فلسطين تعني تحالف الاستعمار العالمي والصهيونية العالمية ضد الأمة العربية والقومية العربية، إننا لا نرفع الشعارات فقط ونحن إذا قلنا هذا فإننا نعني ما نقول والشعب العربي في كل مكان يريد لشعب فلسطين أن يعود إلى وطنه ويسترد حقه.

لقد قامت ثورات في فلسطين وقامت ثورات في أنحاء الوطن العربي ... ومع هذا تغلب علينا الاستعمار وتغلبت علينا الصهيونية، واستخدم الاستعمار أعوانه من الخونة وجعلهم خناجر في ظهورنا وصدورنا جميعا...

إن الوحدة العربية هي طريقنا لاستعادة حقوقنا وحقوق العرب في كل مكان، إن الحقوق الفلسطينية هي حقوق للشعب العربي في كل مكان، وهي أمانة في أعناق الأمة العربية في كل مكان، وعلى هذا الأساس نسير لنسترد حقوقنا، ولن نتردد أبدا ولن نخاف أبدا ولن نساوم أبدا في حقوقنا لأن المساومة في الحقوق هي أول وسائل الهزيمة، ولن يستعبدنا الاستعمار ولن تستعبدنا الصهيونية أبدا بل سنقاوم ونقاوم ونقتل ونقتل حتى تتحرر بلاد العرب كلها من الاستعمار وأعوان الاستعمار.

 إن الجمهورية العربية المتحدة ستظل طليعة وقاعدة الكفاح العربي وستتحمل المسئوليات النضالية التي تتطلبها المرحلة لتظل طليعة لكفاحكم أنتم شعب فلسطين من أجل استرداد حقوقكم ومن أجل استرداد بلدكم، ولن ترهبنا الصهيونية ولن يرهبنا الاستعمار، لأننا نعتمد على الله، والله الموفق. والسلام عليكم ورحمة الله تعلى وبركاته.

رابعا – صفوة القول:

من خلال ما سبق يتضح أن مكانة القضية الفلسطينية في المشروع الناصري مكانة كبيرة ومتسعة زمانا ومكانا حسب الظروف والسياق فعبد الناصر فكرا وإحساسا ووجدانا قولا وعملا استطاع أن يعبر بصدق عن أحاسيس وهموم الأمة العربية كلها، لكن القضية الفلسطينية تحتل مكانة بارزة في شخصية عبد الناصر الذي تفاعل معها تفاعل الجزء مع الكل، ويرى بعض الكتاب والمفكرين أن عبد الناصر أعطى للقضية الفلسطينية بغير حساب واعتبرها القضية المركزية للأمة العربية كلها حيث شارك في أول حروب القضية حرب 1948 وواصل بجانب إخوته الفلسطينيين مشوار العمل التحرري حتى أسلم الروح للمولى عز وجل في آخر يوم من مؤتمر القاهرة الذي أراد من خلاله إيقاف شلال الدم العربي الفلسطيني النازف فيما عرف بأيلول الأسود 1970.

رحم الله القائد وأدخله فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.