أضحت الجمهورية التركية في السنوات الأخيرة مصدر أمل جديد للقارة الأفريقية بعد أوروبا بفضل احتضانها لأكثر من مليون مهاجر أفريقي على أراضيها.
ووفقا لإحصائيات جمعها مراسل الأناضول من كل من المديرية العامة لإدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، ورئاسة دائرة أتراك الخارج والمجتمعات ذات القربى، وجمعية الباحثين الأفارقة، وجمعية المهاجرين واتحاد جمعيات الطلبة الدوليين، فإن العدد الدقيق للمهاجرين الأفارقة في تركيا غير معلوم تماما، إلا أنه يُقدر بأكثر من مليون ونصف المليون شخص.
وتدين النسبة الأكبر من الأفارقة في تركيا بالدين الإسلامي، إذ ينحدرون من دول عربية شمال أفريقية، مقابل نسبة قليلة تعتنق المسيحية من دول جنوب الصحراء الكبرى.
ويضطر الكثير من الأفارقة من دول مثل السنغال، ومالي، والنيجر، وساحل العاج، وغانا، وغامبيا، والكاميرون، والصومال، وأوغندا، ونيجيريا، لمغادرة بلادهم لعدة أسباب كالحروب والصراعات الداخلية والإرهاب والفقر.
وفي سبيل البحث عن عالم أفضل، يحاول الأفارقة قطع آلاف الكيلو مترات وسط ظروف صعبة، إذ يفارق بعضهم الحياة بسبب الجوع والعطش في الصحارى الكبيرة، أو نتيجة غرق سفنهم في مياه المتوسط، في حين يسلب تجار البشر، المدخرات التي جمعها البعض الآخر لسنوات طويلة، فتنتهي رحلة الكثيرين منهم في تركيا ليس أوروبا.
وتشير الإحصائيات أن واحدا من كل أربعة مهاجرين أفارقة يقيم في إسطنبول، وخاصة في أحياء مثل الفاتح، وشيشلي، وزيتون برونو.
وتعد مهنة بيع الساعات والعطورات والإكسسوارات هي المهنة الأكثر رواجا لدى الأفارقة، إذ يكسبون من خلالها لقمة عيشهم، ويرسلون جزءا من مرتباتهم إلى عائلاتهم في الوطن.
كما تستقبل تركيا الكثيرين من الطلاب والأكاديميين ورجال الأعمال الأفارقة ضمن إطار “الانفتاح على أفريقيا” منذ عام 2005.
ويتلقى الطلبة الأفارقة في تركيا تعليمهم مقابل منحة شاملة أو نصفية، ومن ثم يعودون إلى بلادهم كسفراء طوعيين لتركيا.
ويتقلد الطلبة الأفارقة خريجي الجامعات التركية بعد عودتهم إلى بلادهم مناصب عليا حسب الاختصاص الذي درسوه، حيث يواصلون بحكم مناصبهم علاقتهم مع تركيا، ويستمرون بفضل شبكة المعارف التي لديهم في إنشاء علاقات عمل في مجالات عديدة مثل التعليم والصحة والتكنولوجيا والاجتماعية الثقافية.
أما الطلبة الذين يفضلون البقاء في تركيا عقب تخرجهم، فهم إما يواصلون تحصيل الدرجات الجامعية العليا، أو يساهمون في دعم الاقتصاد التركي من خلال الانخراط في سوق العمل.
الغرس التركي يؤتي ثماره بأفريقيا
الدكتور السوداني عبد السلام علي عثمان، وهو خريج من كلية “جراح باشا” للطب في جامعة إسطنبول، يعيش حاليا مع عائلته في نفس المدينة.
واستهل عثمان حواره مع مراسل الأناضول بالدعاء لتركيا وتقديم الشكر لها، مشيرا إلى أنها دولة كبرى.
ولفت عثمان إلى هناك رابطة شراكة تاريخية بين تركيا وأفريقيا، وأن تركيا بدأت مؤخرا بإنجاز استثمارات جيدة في القارة السمراء.
وأكد الطبيب السوداني على أن الدول الغربية تسعى لاستغلال أفريقيا، موضحا أن قارته تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرى لغناها بموارد المياه، ومصادر المعادن، والنفط واليورانيوم.
وأضاف عثمان قائلا “إن تركيا غرست شتلة، وبدأت هذه الشتلة بإنتاج الثمار، وإن أغصان هذه الشجرة ستلتف على كافة دول القارة الأفريقية، وستمنح ثمار التعاون والاتحاد والاستثمار عما قريب”.
وأعرب عثمان عن أمله في عدم رؤية الدول الاستعمارية الاستغلالية في بلاده بعد الآن، وأن تركيا تختلف عن الدول الغربية في كونها تسعى لتأسيس علاقات التعاون والشراكة مع الدول الأفريقية.
وشدد على أن كافة الدول الأفريقية عارضت محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف تموز/ يوليو من العام الماضي على يد جماعة غولن.
وذكّر عثمان أن تركيا تتمتع بالديمقراطية، وأنها بذلك تُعد قدوة للكثير من الدول الأفريقية.
من جانب آخر، قال الطالب الأوغندي يوسف موسييف، إن طبيعة العلاقات الجيدة بين تركيا والدول الأفريقية إنما هو أمر يبعث السعادة في نفوس المسلمين، وأن تركيا دولة فريدة من نوعها ليس مقارنة مع أفريقيا فحسب إنما قياسا إلى كافة الدول حول العالم.
أما طالب الدراسات العليا الأثيوبي “عبد الرحمن شريف”، فقال إنه تلقى نصائح عديدة مفادها بأن الشعب التركي مضياف تجاه الطلبة الأجانب، وأن مستوى التعليم جيد مقابل رسوم قليلة.
من جانبه، قال رجل الأعمال الجيبوتي الأصل “علي فيراه”، لمراسل الأناضول إنه استقر في تركيا بعد اتمامه لتحصيله الجامعي، حيث بدأ بمزاولة العمل في التجارة الخارجية.
وبيّن فيراه أن الدول والشعوب الأفريقية ترغب التعامل مع تركيا بدرجة أكبر من أوروبا والصين، موضحا أن هناك فرصا استثمارية كبيرة بانتظار رجال الأعمال الأتراك في المجالات الصناعية والبنى التحتية. (الأناضول)