آمن بوبكر ولد مسعود بقضية تحرير العبيد في موريتانيا وناضل ودافع، منذ عقود، في وجه السلطات لأجل إثبات استمرار وجود العبودية، بالرغم من تجريمها.
طوال عقود، حاول المهندس والناشط الحقوقي الموريتاني، بوبكر ولد مسعود، كشف جرائم الاسترقاق في القرى والأرياف البعيدة في موريتانيا، حيث ما زال "الأسياد" يستغلون "عبيدهم" السابقين، الحراطين، الذين يركنون لهذا الوضع تحت ضغط الحاجة والفقر والتبعية الاجتماعية.
بين فترة وأخرى، يصدم ولد مسعود المجتمع الموريتاني، حين يعقد مؤتمرات صحافية مفاجئة لتقديم ضحايا جدد للاسترقاق في العصر الحالي، فتنقلب الصحافة والمنظمات الحقوقية داخلياً وخارجياً على الحكومة، لتخسر الأخيرة رصيداً من الثقة والدعم بسبب "مؤتمرات مسعود"، كما يطلق عليها الموريتانيون.
أبصر الناشط الحقوقي الموريتاني ورئيس منظمة "نجدة العبيد"، بوبكر ولد مسعود، النور في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، تحت ظل شجرة بمنطقة تويكندي جنوب العاصمة الموريتانية نواكشوط، ليعيش حياة الرق، شأنه شأن أقرانه من العبيد في تلك الفترة. عمل في رعي الغنم والاهتمام بحقول الأرز الواقعة على ضفة النهر، التي يملكها "أسياده"، كما مارس الكثير من الأعمال المنزلية الأخرى، قبل أن يتمرد على واقع العبودية ويخط لنفسه طريقاً طويلاً من النضال في سبيل تحرير الأرقاء في موريتانيا.
شكّل الدخول إلى المدرسة حدثاً مفصلياً في حياة ولد مسعود، بالرغم من كونه جاء بمحض الصدفة عندما كان يسير إلى جانب مدرّسة فرنسية لحظة تسجيل التلاميذ لعام دراسي جديد، فحاول أن يجد لنفسه مكاناً في قائمة المسجلين، إلاّ أنّ "أسياده" منعوه، فأخذ في البكاء، مما استدعى تدخّل مدير المدرسة الفرنسي "جولي"، الذي أمر بتسجيله لتبدأ مسيرة العبور من العبودية والنضال ضدها.
في عام 1964 حصل ولد مسعود على شهادة الدروس الإعدادية ليلتحق بعدها بمدرسة المهندسين في العاصمة المالية باماكو، حيث استقر هناك حتى عام 1967. حصل على منحة لدراسة الهندسة المعمارية في عاصمة الاتحاد السوفييتي موسكو.
كان ولد مسعود مفتوناً بالحياة الأوروبية، خصوصاً الفكر الاشتراكي الطاغي في الاتحاد السوفييتي، والذي زاد من قناعته بضرورة تحرير أبناء جلدته من نير العبودية والاستغلال في موريتانيا. مرت السنوات سريعاً حتى عام 1974 عندما عاد ولد مسعود إلى موريتانيا مهندساً معمارياً ليعمل في شركة بناء تابعة للدولة الموريتانية، إذ أنجز تصميم المخطط العمراني لحي سوكوجيم الشهير في العاصمة نواكشوط. وبعد إثبات نفسه في مجال عمله، انطلق لمساعدة الأرقاء والدفاع عنهم.
بدأ ولد مسعود نضاله ضد العبودية مبكراً إذ لم تشغله دراسته في الاتحاد السوفييتي عن الاهتمام بقضية العبودية ونقل معاناة العبيد في موريتانيا، مما عرّضه إلى ضغوط كبيرة كان أبرزها تهديد السفير الموريتاني في موسكو له بإعادته إلى موريتانيا إذا لم يتوقف عن إثارة قضية الأرقاء في البلاد.
وفي عام 1979 أسس حركة "الحر" رفقة مجموعة من مثقفي فئة العبيد، وذلك تتويجاً لسنوات من النضال السري ضد العبودية، قبل أن تعتقله السلطات العسكرية الحاكمة آنذاك، فأحيل مع قيادات في الحركة إلى محكمة عسكرية في مدينة روصو ليحاكموا في العام نفسه، قبل أن تضطر الحكومة إلى استصدار قانون يلغي الرق وينص على تجريم ممارسته في عموم البلاد، فأطلق سراحهم.
في يناير/كانون الثاني 1992 اعتقل ولد مسعود مرة أخرى، بعد صدامات بين أنصار المرشح الرئاسي أحمد ولد داداه والشرطة في مدينة نواذيبو. وفي يونيو/حزيران من العام نفسه، أسس مع قادة وناشطين آخرين الجبهة الموحدة للتغيير "افديك". في 16 فبراير/شباط 1995 أسس ولد مسعود جمعيته الحقوقية "نجدة العبيد" التي يقول إنّ تأسيسها جاء بعد فقد الثقة في جميع مؤسسات البلاد الأمنية والقضائية والتشريعية، تلك المؤسسات التي يعتبر ولد مسعود أنّها تعمل على تكريس العبودية وتتواطأ مع "أسياد" العبيد.
عام 1998 عاد ولد مسعود إلى السجن مجدداً بعدما ركزّ جهوده على كشف حالات الاسترقاق في البلاد، ولم يكن ذلك آخر عهده بالسجن، بل دخله مرة أخرى في ديسمبر/كانون الأول 2002 للأسباب نفسها.
تمكنت منظمته "نجدة العبيد" من كشف عدة حالات استرقاق وفضح تواطؤ السلطات المحلية في القرى مع "أسياد" العبيد، كما دافعت بقوة عن أبناء العبيد المحرومين من حقهم في الدراسة وشغل وظائف حكومية. وتعتبر المنظمة أنّ من غير الممكن العبور بالحراطين نحو التحرر إلاّ بالتعليم.
ظل ولد مسعود ثابتاً على نضاله في سبيل القضاء على الرق، مستميتاً في سبيل تحقيق أهدافه، لتتكلل جهوده بإصدار السلطات قانون تجريم الرق عام 2007 والقانون المكمل له الصادر عام 2015، لتضاف هذه القوانين إلى قانون 1981 الرامي إلى القضاء على الرق ومخلفاته.
يعتبر ولد مسعود أن الإقصاء المستمر للحراطين (العبيد السابقين) يكرّس اللامساواة والتمييز، ويعيد إنتاج النظام الطبقي الإقصائي، ويدعو الدولة إلى تطبيق التمييز الإيجابي لتعويض الفئات المحرومة، خصوصاً الحراطين، الأقل حظاً من غيرهم في التعليم والتوظيف والعيش الكريم.
بالرغم من إسهاماته الكبيرة في مجال مناهضة العبودية ومع تجاوزه عتبة السبعين، إلاّ أنّ ولد مسعود ما زال مصرّاً على مواصلة الطريق التي بدأها قبل أكثر من نصف قرن، من دون أن تثنيه مضايقات السلطة أو إغراءات
العربي الجديد