مر على مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن ستة أعوام، ففي ليلة حالكة من دون قمر من أيار/مايو 2011 هبطت قوات الفقمة ‘‘نيفي سيل‘‘ بطائرتي ‘‘بلاكهوك‘‘ على مجمع ‘‘الشيخ‘‘ الذي كان يعيش فيه منذ فراره من جبال تورا بورا في أفغانستان بعد الغزو الأمريكي الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر2001 واختفى بعدها إلا من خلال أشرطة فيديو كان يرسلها بين الفينة والأخرى.
وراقب الرئيس باراك أوباما العملية مع فريق أمنه القومي من غرفة الأزمة حيث بث البيت الأبيض صورة له وهو يشاهد العملية والدهشة والترقب باديان على وجهه.
فقد كان قرار الولايات المتحدة دخول المجال الجوي باكستاني من دون إخبار المسؤولين واحداً من الأسباب التي أدت لتوتر العلاقات بين هذه الدولة النووية وشبه الفاشلة والحليفة الأمريكية. وأثار اختباء بن لادن في هذه المدينة التي توجد فيها كلية عسكرية لتخريج النخبة في الجيش باكستاني حنق الأمريكيين.
وزاد الغضب أكثر بعدما اعتقلت السلطات باكستانية الطبيب شكيل أفريدي، 55 عاما الذي ساعد المخابرات الأمريكية «سي آي إيه» بتأكيده مقر بن لادن المعروف بـ «قصر وزيرستان» من خلال القيام بحملة حقن زائفة لمرض الكبد الوبائي.
ومع أننا نعرف تفاصيل مقتل بن لادن وما حدث في ما بعد لجثته حيث دفن في قاع البحرـ ربما المحيط الهندي ـ حتى لا يتحول قبره مزاراً في باكستان وما كتبه عدد من المحللين عن الدقائق الأخيرة، خاصة روبرت أونيل الذي زعم أنه هو من قام بإطلاق الرصاصة الأولى على بن لادن.
وذكر في كتابه «المنفذ» أنه دخل الغرفة التي كان يقيم فيها بن لادن وزوجته الصغيرة أمل وابنه الصغير حسين حيث استفاقوا على صوت أزيز الطائرتين وخبط جنود الفقمة الذين كانوا يتحركون في الظلمة وقعقعة البنادق التي تحمل بالرصاص. وقال إنه لاحظ أمام بن لادن ـ الهدف ـ شبحاً شعر أنه تهديد فأطلق النار عليه ـ أي أمل ـ التي أصيبت في رجلها وارتمت تنزف على السرير.
فيما صوب بندقيته التي كان ينبعث منها ضوء الليزر الأحمر أعلى من المعهود حتى الرأس ثم أطلق رصاصته الأولى فسقط بن لادن ثم أتبعها برصاصات أخرى قبل أن يأتي الفريق ويفرغ رصاصات انتقامية في جسد بن لادن.
ولاحظ أونيل وجود طفل كان يراقب مقتل والده، وهو حسين حيث رش عليه الماء وحمله إلى جنب والدته التي تظاهرت بالموت.
رواية من الداخل
ويقدم كتاب صدر حديثا للكاتبين أدريان ليفي وكاثي سكوت ـ كليرك عن «دار بلومزبيري» حول حياة عائلة بن لادن حمل عنوان «المنفى: رحلة أسامة بن لادن» اللحظات الأخيرة في حياة «الشيخ» وتنبع أهمية الكاتب أنه الأول الذي يعتمد على روايات من شهود تلك الليلة الحالكة وأفراد عائلة بن لادن الناجين خاصة زوجته أمل التي وصفت ليلة قتل الزعيم بأنها كانت حالكة بلا قمر.
وكيف حاولت حماية زوجها رغم طلبه منها وزوجته الأخرى سهام العودة إلى الطابق السفلي والعناية بالأطفال قائلاً: «إنهم يبحثون عني لا أنتم».
بدأت أحداث ليلة 1 أيار/مايو2011 عندما أنتهت العائلة من تناول الطعام والصلاة حيث صعد بن لادن وزوجته أمل إلى الطابق العلوي للنوم.
وفيما كان بن لادن يغط في نوم عميق استيقظت أمل من نومها وأخذت تفكر بالمستقبل وماذا سيحدث للعائلة.
فهذه الفتاة الصغيرة التي حلمت قبل زواجها من زعيم القاعدة بدخول التاريخ. وكانت على أبواب دخوله ولكن بطريقة دموية، ولم تكن تعرف وهي تفكر بالمستقبل أن التيار الكهربائي انقطع عن كل مدينة أبوت أباد، ولم يكن هذا بالأمر الغريب، فحوادث قطع التيار عادية لكن ما ليس بالعادي هو الصوت الذي بدأ يقترب مثل «تشوب، تشوب، تشوب» واعتقدت أنه صوت عاصفة، وظنت أنها لاحظت أشباحا تتحرك قرب النافذة.
واتضح الصوت بعد ذلك أنه صوت آلة ميكانيكية قوي وحرك الستائر الصفراء المزينة بالزهور والنوافذ.
وعندها استيقظ بن لادن وجلس في سريره والخوف في عينيه وأمسكت أمل به.
ولاحظت أمل أن الشيء الذي كان يحوم فوق البيت انحرف بعنف لليمين. وعندها قفز كلاهما من السرير بعدما اخترق الأزيز المجمع واهتزت جدران البيت وزحفا تحت الظلام إلى باب الشرفة.
بعيداً عنهما كانت طائرة «بلاكهوك» علق ذيلها في جدار البيت وحركت الدوارات التراب والحجارة في قطعة الأرض التي زرعت بها خضروات.
وبعد ذلك هبطت طائرة «بلاكهوك» أخرى في السهل خارج البيت وخرج منها فريق من قوات الفقمة وأخذ فريق الإنتقام الأمريكي على بعد أمتار من هدفه وبين زعيم «القاعدة» والنهاية دقائق. وفي هذا اللحظة كان كل ما دار في عقل أمل هو كيف وصلوا وهل خان أحدهم العائلة.
ما حدث في ليلة الأول من أيار/مايو 2011 لم يكن وليد اللحظة فيخطط له منذ سنوات.
وفي بيت بن لادن كان يعيش توتر من نوع خاص بين زوجاته اللاتي يقمن معه وبين الشيخ وحراسه الذين كانوا يريدون إخراجه من المجمع.
فبعد سنوات من الإقامة في «قصر وزيرستان» كبرت العائلة وتعقدت مشاكلها.
فبالإضافة لقريبته نجوى التي تزوج منها عندما كان عمرها 16 عاما وأنجبت له 11 طفلا وغادرت أفغانستان قبل عامين من هجمات إيلول/سبتمبر تزوج من خيرية المتخصصة في علم النفس وعالجت أبناءه وسلوكهم قبل أن يتزوجها الشيخ وهناك سهام، المدرسة التي فرت بعد الهجمات لتعود وتنضم إليه لاحقاً وأخيراً أمل التي انجبت له خمسة أطفال وهي التي قضت معه أطول مدة بعد الهجمات من 2002 ـ 2011.
العودة من إيران
ويشير الكاتبان لقرار خيرية وابنها حمزة الإنضمام للعائلة في آبوت أباد.
ورغم ترحيب بن لادن بالقرار إلا أنه خاف من تداعياته الأمنية ومن هنا أرسل رسالة إلى خيرية يحذرها ويعبّر عن شكه بقرار الإيرانيين الإفراج عنها حيث تعيش هناك منذ الهجمات.
وفي الرسالة كتب يقول: «نريد أن نعرف إن كانوا يريدون مراقبتك وأرسلوك في هذا الإتجاه وتتبعوا حركاتك».
وسأل إن تم تصوير أسنانها بالأشعة؟ وهل ظهر شيء في سجلها الطبي مثل وضع رقاقة تحت جلدها أو أسنانها؟ وهل تتذكر آخر مرة ذهبت فيها إلى طبيب الأسنان؟ أو آخر مرة شاهدها طبيب إيراني؟ ولهذا طالب بالحصول على كل «معلومة حتى يحتاط من الناحية الأمنية».
وأرسل مع الرسالة مالاً وصندوقاً من التمر السعودي حتى يعينها على الرحلة.
ووصلت خيرية أخيراً في 12 شباط/فبراير 2011 ووقفت سيارة جيب من نوع سوزكي كانت تحمل خيرية وفتحت لها أبواب آبوت أباد.
لكن الوضع كان متوتراً مثل الجمر وقالت خيرية «هذا عهد جديد» للعائلة التي اصطفت للترحيب بها وحاولت معانقة سهام ولكنها كانت متشنجة، أما أمل فقد راقبت بصمت خيرية وهي تأمر وتنهى كل شخص في البيت بطريقة غير مسبوقة.
وتساءل الناس في البيت إن كانت مغفلة أم خائنة؟ وانتقدت خيرية الفوضى في قسم النساء الذي امتلأ بالفوضى والأدوات الوسخة والملابس القديمة.
وكان المكان قذراً مقارنة مع القسم النظيف الذي يعيش فيه زوجها.
وتحسرت على تدهور الأوضاع مقارنة مع أيام جدة في السعودية حيث كان لدى البيت الكثير من الخدم.
وفي 29 نيسان/إبريل2011 وصل ابنها حمزة ولكن من دون أن يجلب معه زوجته وأبناءه ولم يبق إلا ليلة واحدة حيث غادر في صباح 30 نيسان/إبريل.
العملية
في أفغانستان كان 24 جنديا من القوات الخاصة «الفقمة» ينتظرون الأوامر للتحرك.
وفي الساعة 11 ليلا بالتوقيت المحلي تحركوا في رحلة تستغرق 90 دقيقة نحو أبوت أباد. وعندما وصلوا للمكان تعطلت طائرة «بلاكهوك» وهبطت الثانية بسلام فيما كان خالد، 22 عاما يراقب العملية من نافذة الطابق الثاني.
وسمع خالد صوتا مبحوحا يناديه «تعال إلى هنا» وكان هذا هو صوت الشيخ الذي يتذكر أن آخر مرة حمل فيها ابنه بندقية أوتوماتيكية كان عمره 13 عاما.
وعندها قفز خالد ببيجامته للدفاع عن والده.
ويقول الكاتبان إن غرفة خيرية في هذه الأثناء كانت مغلقة حيث أخذ خالد وسهام بالدق عليها والطلب منها الخروج حتى لا تتعرض للرصاص.
وكان بن لادن وزوجته أمل وابنهما حسين يستمعون لأصوات الخبط وخطوات جنود الفقمة الذين قتلوا في هذه الأثناء خالد ومشوا فوق جثته نحو غرفة والده.
أخذ الشيخ يدعو فيما اكتشفت أمل حقيقة عدم وجود خطط طارئة سوى بعض المال الذي خيط بسروال الشيخ وأرقام هواتف لنوابه.
وهذه ليست مهمة لأن الهواتف النقالة غير متوفرة. وبعد تقدم جنود الفقمة نحو غرفة بن لادن وجدوا أن الدرج المؤدي إليه محمي بباب من الحديد ففجروه وانطلقوا.
في الطريق ظهرت مريم وسمية ابنتا الشيخ اللتان كانتا مختبئتين في شرفة البيت وخرجت وهما تصرخان فقام قائد المجموعة بالإمساك بهما وضربهما بالحائط خشية أن يكون معهما حزامان انتحاريان.
وواصل الفريق التقدم حيث زعم أونيل أنه كان أول من واجه زعيم «القاعدة».
التأكد من الهوية
وتتذكر أمل التي ضربها اونيل بالنار في رجلها «ضوءاً أحمر ولم تسمع صوتا» قبل أن تغيب عن الوعي.
وكانت مرمية على السرير حيث تظاهرت بالموت واستمعت إلى الجنود الذين أمسكوا بمريم وسمية وهم يطلبون منهما تحديد هوية الميت.
ودار الحوار التالي حيث سأل جندي مريم التي كانت تبكي وتشهق:
ما هو اسمه؟
الشيخ
أي شيخ؟
عبدالله بن محمد
وأخبرت سمية اختها طالبة منها قول الحقيقة «أخبريهم الحقيقة، ليسوا باكستانيين».
ولم تستطع مريم الحديث وقالت سمية «إنه والدي، أسامة بن لادن». ولكن الجندي لم يكن متيقناً فأمسك بصفية، 11 عاما التي كانت مختبئة في الشرفة «من هو؟» وردت صفية بطريقة جنونية « أسامة بن لادن». وقام جندي آخر بإمساك خيرية التي كانت في الممر وقال لها «لا تلعبي معي من هو؟» فردت وهي ترتجف «أسامة»، «أسامة من؟» فردت «أسامة بن لادن».
فقال جندي الفقمة الذي يتحدث العربية «حسناً، تم التأكد مرتين»، «تأكدت من الطفل ومن سيدة كبيرة».
واستمعت سمية لرأس والدها النازف وهو يرتطم بالأرض أثناء جر جسده مخلفاً وراءه خيطاً من الدماء.
ونقلت مريم وسط الدماء إلى أسفل البيت ثم جاء دور سهام التي مرت على جثة ابنها وحاولت تقبيل رأسه لكن الجندي الأمريكي أبعدها.
بعد خمس دقائق تم تحميل جثة بن لادن في الطائرة التي لم تتأثر، أما التي تعطلت فقد تم تفجيرها.
وفي الغرفة وحيدة مع ابنها حسين اكتشفت أمل أن الحبس لمدة 6 أعوام في «قصر وزيرستان» انتهى بدقائق وبحثت عن ابنها حسين واحتضتنه.
ومعه تذكرت رحلة طويلة بدأتها العائلة من قندهار إلى جلال أباد ومن ثم إلى الحدود باكستانية التي عبرتها باستخدام الجوازات السودانية التي تحتفظ بها منذ إقامة بن لادن هناك.
ووصول العائلة إلى كراتشي حيث استقبلها خالد الشيخ محمد، مدبر الهجمات الذي كان لا يزال في سكرته ويخطط لعمليات جديدة ولهذا لم يكن لديه الوقت الكافي للعناية بعائلة بن لادن.
ووقعت المهمة على عاتق مستشار بن لادن محفوظ بن الوليد الذي ناقش مع قادة مجلس الشورى وتوصلوا بعد نقاش لنقل العائلة لإيران خاصة أن بقاءها في باكستان يعرضها للخطر في ظل الملاحقة الأمنية لها.
وفي إيران يبدأ فصل طويل وجديد في حياة زوجات بن لادن وأبنائه.
عودة حمزة
لم يحمل جنود القوات الخاصة معهم جثة بن لادن فقط ولكن اوراقا وأجهزة كومبيوتر احتوت على ملفات تظهر بعضها أن حمزة مصمم على قيادة «القاعدة» وتسلم مكان والده.
ويرى محقق سابق في مكتب التحقيقات الفدرالي «أف بي أ» هو علي صوفان أن حمزة البالغ من العمر 28 عاما كتب رسالة لوالده عندما كان في سن الـ 22 عاما.
وحسب قناة «سي بي أس» الأمريكية فإنه ينظر لحمزة كخليفة محتمل لوالده.
وعمل صوفان محققا في «أف بي أي» وكذلك مسؤولا عن التحقيقات في مرحلة ما بعد 9/11 من أهم الرسائل التي كتبها نجل زعيم «القاعدة» السابق هي الرغبة في الإنتقام. يقول بشكل رئيسي: «أيها الأمريكيون إننا قادمون وستشعرون بهذا… وسننتقم مما فعلتموه لأبي والعراق وأفغانستان… وكل شيء هو عن الإنتقام».
وحسب الرسالة فحمزة قد يكون الوجه القادم لـ «القاعدة». وفي برنامج مدته 60 دقيقة على القناة أوضح صوفان أهمية الرسالة الشخصية مع أن حمزة كتبها ولم ير والده لسنوات.
وفيها يقول إنه «أتذكر كل ابتسامة وكل نظرة وكل كلمة قلته لي، واعتبر نفسي أنني مصقول من الفولاذ، فطريق الجهاد في سبيل الله هو ما نعيش من أجله».
وظهر حمزة في أكثر من رسالة دعائية للقاعدة وسجل بعضها عندما كان صغيراً. وصور وهو يدعو لتنفيذ هجمات ضد لندن وباريس وواشنطن. وسجل عدداً من الرسائل الصوتية العام الماضي.
وقررت الولايات المتحدة وضعه على قائمة الإرهاب وهو وضع والده سابقا. وفي تقرير لمجلة «نيوزويك» جاء فيه أن حمزة بن لادن أصدر شريطا قدم فيه دليلا للمتشددين الراغبين بضرب الغرب. ونقلت المجلة عن ريتا كاتز، مديرة الموقع الأمني «سايت» إن بن لادن أصدر شريطا من 10 دقائق «يقدم فيه نصيحة للراغبين بالشهادة في الغرب».
وقال الموقع إن الشريط نشر في الذكرى السادسة لمقتل والده. ويحتوي الشريط على لقطات إخبارية لكيفية رد فعل الناس على الهجمات الإرهابية حول العالم مثل مقتل السفير الروسي في تركيا في وقت تحدث فيه حمزة بن لادن عن مستقبل العمليات التي ينفذها أفراد «الذئاب المتوحدة».
وقال: «اتبعوا خطوات الباحثين عن الشهادة من قبلكم» و»ابدأوا من حيث انتهوا وهذا سيساعدكم». ودعا لاستهداف اليهود والروس والأمريكيين والناتو.
وطلب من الباحثين عن»الشهادة» القيام بعمليات استطلاعية وعدم إثارة الشكوك. وقال إن على المنفذين نشر رسالتهم أثناء الهجوم حتى ينقلها الإعلام.
ويعلق شيراز مهر من المركز الدولي للتشدد في تغريدة له أن حمزة يبدو داعماً للهجمات بأي وسيلة وهو ما تحاشاه والده. وكتبت كاتز أن خطاب حمزة هو محاولة من «القاعدة» لكسب العقول والقلوب.
اضغط هنا لقراءة المحتوى في مصدره