الجزائر تايمز: "كبار شعراء موريتانيا يكتبون معلقة هجاء في حق الرئيس عزيز"

11 مايو, 2017 - 23:14
الشاعر الموريتاني محمد ولد إدوم

يمكنك أن تقول للموريتانيين ما شئت دون أن تثير الناس إلا إذا تعلق الأمر بمسألة واحدة هي الشعر، فالشعر فـــي هذا المنكب البرزخي هو المادة التي يستهلكها مواطنو بلد المليون شاعر كما يستهلكون الخبز، وهو المجال الإبداعي الذي يلي عند الموريتانيين قداسة الذكر الحكيم.

لم يعتذر الـــرئيس عن قوله فـــي مؤتمره الصحافي الأخير بـــأن «الذي أفسد التعليم فـــي موريتانيا هو توجه غالبية الطلاب للشعر وللعلوم الإنسانية بدل الشعب العلمية»، وإن كـــان مستشاره الشاعر الكبير محمد ولد الطالب نافح عنه وأكد اعتزازه بكونه «شاعر بلاطه».
أما الشعراء الغاضبون فقد لجأوا للشعر، فهو سلاحهم الأوحد حيث تعاقبوا على نظم معلقة شعرية مطولة قاربت المئتي بيت مخصصة لهجاء الـــرئيس، وقد بدأها أبرز شعراء موريتانيا محمد ولد إدوم بقوله «يَنْضو رئيسُ بلادِ الشِّعرِ سَاتِرَها… وكانَتْ بِنُورِ الحَرْفِ تَأتَلِقُ».
وعلى هذا المنوال نسج شعراء آخرون فـــي الروي نفسه وعلى القافية نفسها مقطوعات تهجو الـــرئيس وتؤكد اعتزاز موريتانيا بشعرها العربي الفصيح الذي لم يشهد قط انحطاطًا.
وفي حوارات حول معركة الـــرئيس والشعراء، أكد الشاعر محمد ولد إدوم حامل لواء مقارعة الـــرئيس «أن ولد عبد العزيز سخر مـــن الشعر للمرة الثالثة، وأن غرضه ليس ما حاول تأكيده المدافعون عنه، والدليل أن توجه الطلاب الموريتانيين للمجالات العلمية لم يفدهم حيث أن هناك أكثر مـــن 300 مهندس خريج لم يتمكنوا اليوم مـــن الحصول على وظيفة».
ودخل فـــي معمعان هذه المعركة كذلك «متنبي موريتانيا» الشاعر الكبير ناجي محمد الإمام، الذي أكد فـــي تدوينة مطولة أمس «أنه كما تعتبر البلاد مصدراً رئيساً لخامات الحديد وخامات الجلود وخامات الذهب والنفط والنحاس فمن الإنصاف أن ننصف الكتاب والشعراء والفنانين ونوفيهم حقهم مـــن الاحترام لأنهم أصحاب المنتج المصنَّع المكرَّر الوحيد الذي تُصدره بلادنا إلى العالم وبه تُعْرَف وتُعَرَّفُ، كما تُعرف مصر بالسينما وفرنسا بالنبيذ والعراق بالمقام واليمن بالدان». وقال «أما أن نتحدث عن غزو المريخ على ضوء شمعة مستوردة ونعيب على الشعراء التغني بنور القمر فتلك حالة أخرى».
«وعلى طريقتنا العارمة»، يضيف ناجي محمد الإمام، «لم نتوصل إلى مستوى النقاش الهادئ الرصين الذي تبرز مـــن خلاله أفكار ومدارس ورؤى تسهم فـــي وضع تصور جامع لتنظيم الخلاف وتبويب الاختلاف».
وتابع تحليله للأزمة قائلاً «لعل الجديد فـــي الأمر أن قضية «الشعر» وموقف الحاكم منه لم تكن مطروحة يوماً فـــي أي بلد فـــي الدنيا، قبل هذه «النازلة»، لأنه ليس مـــن المألوف أو المقبول أن يحدد قَائِدٌ موقفه مـــن اختصاص أو فن أو مهنة أو حرفة، سلْباً، لأنه معنيٌّ، حتماً، برعايتها وليس بهوايتها، وإذا قُدِّرَ لـــهُ أن يتخذ موقفاً غير ذلك، فإن الرد عليه يجب أن يتم بالأساليب العصرية الراقية الحازمة التي تناسب سمو الحرف ومكانة سدنته صُنّاع الحكمة وحراس عتباتها المقدسة».
وزاد «وعندما يتعلق الأمر بالشعر، وفي عرينه الأول، حيث العلاقة الخاصة الملتبسة أوضح الكلمة المقفاة وبين الناس كل الناس فـــي هذه الأرض التي لا تُنبتُ مُنتَجًا قابلاً للتصدير سواه، يكون كل طرف قد حدد حكمه ونفذه، لدرجة أن النقاش يضحى بيزنطياً، لا تُرجى منه فائدة، ومع هذا يتواصل حاداً كأسنة الرماح فـــي وسائل الاتصال ووسائط سوشيال ميديا».
وحول مـــن هو الشاعر عند ناس المنكب (موريتانيا)، يقول ناجي « الناس كل الناس عندنا يريدون الشاعر إما إلـَهًا أو شيطانًا، لأنه عندهم يراوح أوضح مفهوميْ الشاعر القوال (التروبادور فـــي القرون الأوروبية)، والوسيط المدَّاح الذمَّام شاعر القبيلة الذي ينافح عنها بالحق، أحياناً، وبالباطل أغلب الأحايين؛ وبين «الشاعر الحكيم» الذي يضع القواعد الملزمة لأخلاقيات الناس ويسجل مآثر الخالدين بالثناء العطر ويبني أهراماً مـــن المبادئ الجليلة هي فهرست ديوان العرب».
وخلص ناجي إلى القول بـــأن «محاكمة المبدع ينبغي أن تتم على أساس مدى التزامه باختياراته الأصلية وفي ضوء استمرارية مواقفه المعبرة عنها، واتساقه معها، فذلك معيار تجذر القناعة ومسبار الصلابة فـــي الرأي والاستقامة المبدئية عنده، والعيب كل العيب فـــي ممالأة الحاكم أو مسايرة المعارضة دون قناعة وثبات عليها».
هذا ولم تسلم هذه المعركة مـــن التسييس فـــي الأوساط الإعلامية المحلية، حيث أكدت وكالة أخبار «الشرق» أن «الإخوان لا يجدون فرصة للنيل مـــن نظام ولد عبد العزيز إلا واستغلوها، وهذا ما جعل البعض، تضيف الـــوكالة، يعتقد أن القصيدة التي نظمها الشاعر الموريتاني محمد ولد إدوم الموجود حالياً فـــي قطر تم حشو البنادق فيها مـــن طرف الإخوان المسيطرين على ذلك البلد وعلى الإعلام فيه»… وتبقى المعركة مستمرة أوضح رئيس بلد المليون شاعر وشعرائه.

المصدر