وكالة أنباء البحرين: "موريتانيا ترسخ الديمقراطية وتعزز دورها عربيا وإفريقيا"

28 نوفمبر, 2016 - 13:57

احتفت وكالة أنباء البحرين بالذكرى الـ56 لاستقلال موريتانيا حيث نشرت اليوم تقريرا مطولا تحت عنوان:

ترسخ الديمقراطية وتعزز دورها عربيا وإفريقيا.. موريتانيا تخلد ذكرى استقلالها الـ56

وهذا نص التقرير:

نواكشوط في 28 نوفمبر/ بنا / تخلد موريتانيا اليوم الذكرى الـ56 لاستقلالها الوطني، وهي مناسبة يعبر فيها الموريتانيون عن شكرهم البالغ وعرفانهم بالجميل لأولئك الأبطال الذين تصدوا للمستعمر بشجاعة فائقة وتضحية خالصة.

كما تشكل هذه المناسبة، فرصة لاستعراض الإنجازات المتلاحقة التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة بقيادة متبصرة وإرادة لا تلين لفخامة السيد محمد ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية، رئيس القمة العربية الـ27 والقمة العربية الإفريقية الرابعة، وهي المكاسب التي طالت مختلف المجالات.

وقد عملت الجهود الحكومية، على أن تمتد شبكة من الطرق الحديثة، تربط الوطن، من أقصاه الى أقصاه، وتؤمن للمواطنين التنقل، في ظروف مريحة وآمنة، وأن يلج المواطنون جميعا، في المدن، والقرى، والأرياف، الى الماء الصالح للشرب، وتصلهم الكهرباء بأسعار مناسبة، وتتوفر لهم الخدمات الصحية عالية الجودة، وأن تنهض المدرسة العمومية بواجبها، فتجمع الموريتانيين حول قيم المعرفة والوطنية، وأن تتطور الصناعات، وأن يشارك الشباب بفعالية في بناء الوطن ورسم مستقبله، وأن تحتل المرأة المكانة اللائقة بها.. كل ذلك في أجواء هادئة، وآمنة، ينعم فيها البلد بالديمقراطية، والمواطن بحقوقه كاملة.

ويحتل بناء الانسان الأولوية في العمل الحكومي، والخطط التنموية، ففي مجال التعليم والتكوين المهني، عرفت البلاد نهضة شاملة وسريعة، فتم توسيع قاعدة الولوج الى التعليم، وتشجيع التخصصات العلمية، واستحداث مؤسسات التميز في جميع مراحل التعليم، كما تم تكثيف التدخل في مجال البنى التحتية، وعرفت البلاد في مجال التعليم العالي نقلة نوعية حيث تضاعف عدد الجامعات والمدارس عليا المتخصصة، والمعاهد العلمية. كما عرف مجال التدريب والتكوين المهني، تنويعا في التكوين ومضاعفة لعدد المراكز لتزويد السوق الوطنية بالكفاءات الضرورية.

وتخوض البلاد حربا لا هوادة فيها ضد الفساد والمفسدين، وتكريسا لهذا التوجه، أقرت الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة منذ ديسمبر 2009 تتصدى لهذه الظاهرة وتجلياتها، وباشرت تنفيذ إصلاحات عميقة، انصب بعضها على الجوانب التنظيمية والقانونية لمكافحة هذه الظاهرة.

وفي مجال محاربة الفساد المرتبط بالاستثمارات، تمت المصادقة على مدونة جديدة للاستثمار تضمنت مزيدا من الحماية للمستثمر، وتم إنشاء شباك موحد يقلل من الصلة المباشرة بين المستثمرين والموظفين وإصلاح نظام الصفقات العمومية من خلال الفصل بين وظائف الإبرام و الرقابة والتنظيم تكريسا للشفافية، ووضع خارطة طريق لتحسين مناخ الإعمال مكنت البلد من التقدم 16 نقطة خلال السنتين الأخيرتين، وفضلا عن ذلك، تم تنظيم لقاءات على مستوى عال في نواكشوط، شارك فيها ممثلون عن البلدان الإفريقية والهيئات الدولية والخبراء في 2012 و2013.

كما تم تنظيم لقاء دولي حول الشفافية في إفريقيا شهر يناير 2015 الذي أطلق خلاله فخامة رئيس الجمهورية مبادرة لتوسيع مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية لتشمل قطاع الصيد، وتم لهذا الغرض تنظيم اجتماع دولي مطلع 2016 تم خلاله الإعلان الرسمي عن ميلاد المبادرة الدولية من أجل الشفافية في مجال الصيد, وإضافة لكل ما سبق تم إنشاء مرصدين مستقلين لمتابعة مكافحة الرشوة، مكونين حصرا من منظمات المجتمع المدني.

وقد مكنت هذه الجهود من تحقيق نتائج هامة من بينها، تحسن ترتيب بلادنا على مؤشر الشفافية الدولية ما بين 2011 و2015 بـ 31 نقطة حيث انتقلت من الرتبة 143 إلى الرتبة 112، كما تقدمت بلادنا على مؤشر تحسن مناخ الاعمال حيث تم تصنيف بلادنا ضمن الدول الأكثر تنفيذا للإصلاحات في هذا المجال، وتم الإعلان عن مطابقة بلادنا لمعايير الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية في شهر فبراير 2012، وتسجيل تطور معتبر الحاصل في شفافية الولوج للوظائف عبر الامتحانات الوطنية وتحسين العدالة في توزيع الامتيازات الممنوحة للموظفين، التحسن المطرد في الموارد المالية الذاتية للدولة والتسيير المعقلن والصارم للموارد العمومية مما مكن من تمويل مشاريع وبرامج مهمة، ساهمت بصفة جوهرية في تحسين الطروف المعيشية للمواطنين خاصة الطبقات الهشة في المناطق الريفية وشبه الحضرية، وقد انعكس هذا التحسن من خلال تراجع الفقر بشتى أنواعه.

وانتقل الناتج الوطني الخام سنة 2008 من 700 مليار أوقية ليصل حاليا 1600 مليار وارتفعت ميزانية الدولة من 240 مليار سنة 2008 الى 460 مليار سنة 2016، وتضاعفت ميزانية الاستثمار الممولة على الموارد الذاتية للدولة ما بين (2009 و2016) من 32 مليارا إلى 124 مليارا على التوالي. 

لقد مكن تجسيد توجيهات فخامة رئيس الجمهورية في مجال مكافحة الفساد من إحداث نقلة نوعية في تنمية البلد حيث تم تخفيض نسبة الفقر بـ11 نقطة ما بين 2008 و2014 حيث انتقل من نسبة 42% إلي %31، وحسب شهادة الهيئات الدولية يعتبر هذا الانجاز نموذجيا، كما انتقلت نسبة الفقر المدقع خلال نفس الفترة من 25.9% إلى 16.6% أي أنه تراجع بحوالي 10 نقاط.

لقد حافظت التوازنات الاقتصادية الكبرى على استقرارها مع تحسن وضعية بعضها مثل التضخم، ورصيد الحساب الخارجي الجاري، وعجز الميزانية العامة حيث حقق الاقتصاد الوطني أداء جيدا في السنوات الخمس الماضية بفضل تسجيل نسبة نمو بلغ متوسطها 5% مع المحافظة على نسبة تضخم دون 4%.

وقد مكنت هذه الوضعية من تحقيق نقلة نوعية في مجال البنى التحتية لقطاعات أساسية كالنقل (المطارات، الموانئ، والطرق وقد تم إنشاء شبكة طرقية في مختلف عواصم الولايات ساهمت في فك العزلة عن عشرات البلديات والمراكز الإدارية) وتضاعف إنتاج واستخدام الطاقة النظيفة والزراعة و تم استصلاح المزيد من الأراضي، ومد قنوات الري، تحقيق نسبة 80% من الاكتفاء الذاتي في مادة الأرز) والصحة (إنشاء أكثر من 10 مستشفيات كبرى، وعشرات المستوصفات والمراكز والنقاط الصحية) والتعليم وإنشاء العديد من الجامعات والمدارس العليا، والمعاهد، وشبكات المياه آفطوط الساحلي، الشرقي كما تم انجاز مشاريع عملاقة مثل الحالة المدنية وبرنامج أمل.

وقد مكن كل ذلك الحكومة خلال السنوات الأخيرة واعتمادا على مواردها الذاتية، من تمويل العديد من المشاريع التنموية والبرامج الاجتماعية الرامية إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان، عبر تخفيض أسعار المواد الأساسية وتوزيع كميات كبيرة منها مجانا على المحتاجين، إضافة إلى تحسين النفاذ إلى البني التحتية وخدمات الأمن والتعليم والصحة والماء الشروب والطاقة والنقل، فضلا عن إنجاز برنامج واسع لإعادة هيكلة ما يعرف بأحياء الانتظار في نواكشوط وبعض المدن الداخلية والتي استفادت من تشييد مراكز صحية وتعليمية وطرق.

من جهة أخرى، فإن تطبيق سياسة مالية صارمة وشفافة، تقوم على ترشيد الأموال العامة، انعكس إيجابيا على العديد من المؤشرات حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي (خارج النفط) من 797.599 مليون أوقية في عام 2009 إلى 1.523.919 مليون أوقية في 2015؛ وتطور الميزانية المخصصة للاستثمار من 80.803.347.550 أوقية سنة 2009 إلى 176.931.614.000 أوقية سنة 2016 أي في حدود الضعف.

إلا أن المكسب الأهم؛ هو صمود بلادنا في وجه الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة الناجمة عن بسبب هبوط أسعار المواد الأولية التي عصفت باقتصادات العديد من البلدان ـ تراجعت قيمة صادرات بلادنا من مادة الحديد بـ 50%ـ بل إنه خلال نفس الفترة تمت زيادة الرواتب، وتواصلت الاستثمارات العمومية في مجال البنى الأساسية والاجتماعية بنفس الوتيرة، أضف إلى ذلك النجاحات الكبرى في مجال مجابهة التحديات الأمنية.

وانطلاقا من فهم موريتانيا للدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الاستثمارات في خلق تنمية مستدامة وشاملة من خلال توفيرها لرأس المال، ونقلها للتكنولوجيا، والخبرات والمهارات، فقد أولت اهتماما كبيرا لجذب هذه الاستثمارات من خلال العمل على توفير البيئة الجاذبة باعتماد العديد من الإصلاحات الهامة.

وظلت البلاد خلال السنوات الأخيرة تحظى بثقة كافة شركائنا في التنمية وتجلى ذلك من خلال تطور حجم التمويلات والمنح الخارجية التي استطاعت بلادنا تعبئتها.

وإضافة إلى الجهود التنموية المتواصلة، تضطلع موريتانيا، بقيادة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بدور محوري في المحافظة على السلم والأمن في منطقة الساحل والصحراء، من خلال مقاربة مركبة تتبنى الانفتاح والحوار نهجا والمهنية والصرامة عملا. 

ولقد كللت جهود البلاد بالنجاح، عندما هزمت العصابات الإرهابية، بعد معارك ضارية سنتي 2010 و2011. فعلى الرغم من ظرف إقليمي بالغ التعقيد، يجمع الخبراء على أن موريتانيا تشكل استثناء يستحق التنويه في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. 

وإذا كانت موريتانيا قد طورت قدراتها الأمنية والدفاعية بشكل ملحوظ، إلا أن ذلك لم يتم على حساب ترقية الحريات الفردية والجماعية أو على حساب العناية بالفئات الأقل حظا من المجتمع أو بالتنمية المستدامة بشكل عام. فحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، فإن موريتانيا تحتل، منذ ثلاث سنوات متتالية، المرتبة الأولى عربيا على مستوى حرية التعبير والصحافة، وحسب آخر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن موريتانيا تتقدم على دول شبه منطقة دول الساحل فيما يخص مؤشر التنمية البشرية. 

ولقد استطاعت موريتانيا، من خلال ضمان حريات التعبير والتظاهر والتنظيم، أن تتجنب الوقوع في مأزق ما سمي ب "الربيع العربي" الذي عصف – وللأسف - ببلدان عربية عديدة. كما نجحت في تسيير عدة حوارات سياسية بين الأغلبية والمعارضة، تمخضت عنها إصلاحات تشريعية وتنظيمية جوهرية تتعلق، من بين أمور أخرى، بتمكين المرأة الموريتانية وترقية قيم المواطنة والمصلحة العامة والقضاء على مخلفات التراتبية الاجتماعية التقليدية.

وتعتبر موريتانيا أن الأمن والتنمية بمفهومها الشامل وجهان لعملة واحدة، الشيء الذي حدا بالحكومة الموريتانية إلى انتهاج سياسة صارمة لمحاربة الفساد وترشيد النفقات العمومية واعتماد مدونة محفزة للاستثمارات الخاصة، طوال السنوات الثمانية الأخيرة، مما ساهم في توفير الموارد الذاتية اللازمة للنهوض بالبلاد أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، وخلق فرص عمل إضافية لصالح الشباب. وكنتيجة مباشرة لهذه السياسة العقلانية، عرفت قطاعات اقتصادية عديدة تطورا منقطع النظير، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، البنى التحتية الطرقية والمينائية والاستشفائية والجامعية، بالإضافة إلى إنتاج الكهرباء بمصادرها التقليدية والمتجددة وإنتاج الماء الصالح للشرب، فتحسنت بذلك الظروف السكنية والمعيشية لعدد كبير من الأسر الموريتانية، خاصة تلك التي ظلت تعيش في أحياء الصفيح منذ حوالي نصف قرن.

وتشكل موريتانيا بانتمائها إلى منطقة المغرب العربي الكبير وإلى منطقة دول جنوب الصحراء وبواجهتها الأطلسية الطويلة وبعمقها الصحراوي، مركبة رئيسية من المنظومة الأمنية والاقتصادية والبشرية في شمال - غرب إفريقيا. وتعمل موريتانيا على أن يسود الانسجام والوئام هاتين المنطقتين الحيويتين، من خلال سياسة ثابتة لحسن الجوار والنأي بالبلاد عن الصراعات في شبه المنطقة. 

وتتويجا لمصداقية البلاد على المستوى القاري، تشرفت موريتانيا برئاسة الاتحاد الإفريقي، سنة 2014، بعد ترؤُسِها "لمجلس السلم والأمن" في نفس المنظم.

وخلال هاتين المأموريتين، شاركت موريتانيا إلى جانب بعض البلدان الإفريقية، في عدة مبادرات لإيجاد حلول سلمية وتوافقية للأزمات في كوت ديفوار وليبيا ومالي وبوروندي وغيرها.

وعلى الرغم من شح مواردها المادية والبشرية وحساسية وضعها الجيو- سياسي، لم تتردد موريتانيا في المشاركة في إرسال قوات لحفظ السلام، كلما طلبت منها منظمة الأمم المتحدة ذلك، حيث بعثت بوحدات أمنية إلى كل من كوت ديفوار ووسط إفريقيا، ويجمع المشرفون هناك على مهنية وأخلاقيات الجنود الموريتانيين. 

ولقد لعبت موريتانيا دورا متقدما في تأسيس "مجموعة دول الساحل الخمسة"، وهي اتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا، وتحتضن موريتانيا الأمانة الدائمة لهذه المنظمة الإقليمية. وتعنى "مجموعة دول الساحل الخمسة" بالتنسيق فيما بينها في مجالات حيوية هي الأمن والحكامة الرشيدة والعناية بالمناطق الأقل كثافة سكانية والبنى التحتية. وقد صممت المنظمة برامج ومشاريع مشتركة نالت اهتمام الكثير من الشركاء الدوليين.

ولم تتردد موريتانيا في الترحيب، عندما آل إليها شرف احتضان قمة جامعة الدول العربية الأخيرة، على الرغم من الآجال الضيقة والظرفية الصعبة التي يجتازها حاليا عالمنا العربي، وذلك انطلاقا من قناعة راسخة بأنه مهما تباينت وجهات النظر، فإن أي لقاء عربي على مستوى القمة، يشكل فرصة ثمينة لإصلاح ذات البين والتفكير في حاضر الأمة واستشراف مستقبلها. ولقد شكلت هذه القمة، بتنظيمها المحكم وقراراتها التاريخية، رسالة قوية إلى أولئك الذين يعولون على الخلافات العربية لتمرير أجنداتهم العبثية، كما شكلت نكسة حقيقية لممتهني التشكيك وسماسرة التهويل الأمني.

وها هي موريتانيا تتولى قبل أقل من أسبوع بمالابو، عاصمة غينيا الاستوائية، رئاسة القمة العربية الإفريقية الرابعة، وهي مناسبة حرص فيها رئيس الجمهورية على التأكيد على تقدير موريتانيا الكبير لشرف تولى رئاسة القمة وإرادتها القوية في الدفع بالعمل العربي الأفريقي المشترك الى آفاق تستجيب لتطلعات شعوب المجموعتين في توطيد التعاون والشراكة والتكامل بينهما، على أساس مبادئ الاحترام وحسن الجوار والمصالح المتبادلة.

و.ش/ع ع