أزمة سياسية ربما لا تكون جديدة، لكنها تتعمق في موريتانيا، حيث تثير نتائج الحوار السياسي الأخير الذي انتهى في 21 أكتوبر الماضي غضب المعارضة الموريتانية، التي تنجذب لها أطياف واسعة من الشعب الموريتاني، الأمر الذي ينذر بتصعيد الأزمة السياسية والاضطرابات في هذا البلد الإفريقي.
أقرت اللجنة المكلفة بمتابعة تنفيذ نتائج الحوار السياسي بموريتانيا مسودة تعديل الدستور، وأحالتها أمس الأربعاء للرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، حيث يرأس اللجنة الوزير الأول يحي ولد حدمين، وتضم في عضويتها الوزير الأمين العام للرئاسة، مولاي ولد محمد لغظف، وقادة الكتل السياسية المشاركة في الحوار من المعارضة والموالاة، وشملت المسودة المقترحة عدة نقاط أبرزها تلك المتعلقة بطريقة تعيين أعضاء المجلس الدستوري، ودمج بعض المجالس الدستورية وإلغاء مجلس الشيوخ ومحكمة العدل السامية المسؤولة عن محاكمة الرئيس والوزراء، كما أشارت المسودة إلى اعتماد العلم المقترح من حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، ويتضمن إضافة ألوان جديدة.
بموجب المقترح الجديد سيمنح زعيم “مؤسسة المعارضة” الذي يتولاه حاليًّا، القيادي بحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، الحسن ولد محمد، لأول مرة الحق في تعيين عضو في المجلس الدستوري المعني بالنظر في صحة انتخاب رئيس البلاد ونظر الدعاوي، وإعلان نتائج الاقتراع، كما سيُمنح رئيس الجمهورية حق تعيين 4 من أعضاء المجلس الدستوري، ويعين رئيس الجمعة الوطنية عضوين، ويعين الوزير الأول عضوين أيضًا.
بدأت الأزمة السياسية باجتماع الحوار الوطني الذي انتهى في 21 أكتوبر الماضي، وشارك فيه حوالي 600 شخص، ممثلين عن عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وبعض هيئات المجتمع المدني، فيما قاطعه المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض، الذي يضم 14 حزبًا سياسيًّا وهيئات نقابية ومنظمات مجتمع مدني، وبدلًا من أن يخرج الحوار الوطني بحلول سياسية تلقى ترحيب الشعب الموريتاني وتأييده، خرج بتعديلات واسعة في الدستور الموريتاني، أثارت غضب المعارضة الموريتانية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع مظاهرات قد تتطور وتؤدي إلى تعميق الأزمة السياسية التي تشهدها موريتانيا منذ ثماني سنوات.
خرجت توصيات الحوار الوطني الأخير بتعديلات واسعة تضمنت حل بعض المؤسسات الدستورية كمجلس الشيوخ، أي الغرفة الثانية في البرلمان، واستبدال مجالس محلية مكانه، وتغيير علم البلاد ونشيدها في إطار ما يصفه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بتأسيس الجمهورية الثانية، بالإضافة إلى الاتفاق على تنظيم انتخابات برلمانية وبلدية مبكرة، وإجراء استفتاء دستوري بشأن تعديلات دستورية قبل نهاية العام الجاري.
وفي ختام جولة الحوار السياسي، قال الرئيس الموريتاني، ولد عبد العزيز، إنه ماضٍ في قراراته المتعلقة بتعديل الدستور، وحل مجلس الشيوخ، وتغيير العلم والنشيد الوطنيين، وأكد حينها أنه سيدعو لاستفتاء على تعديلات دستورية، منتصف ديسمبر المقبل.
هذه التعديلات ترى المعارضة الموريتانية أنها لم تكن ضرورية وليست محل إجماع من مكونات الطيف السياسي، وتتجاهل مطالب الشعب الذي يعاني من الغلاء وسوء الأوضاع الاقتصادية؛ لذا فهي مرفوضة، كما أنها تلغي التوازن بين السلطات، وتعطي المزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية، وتمس العلم والنشيد الوطنيين.
لم يقف الأمر عند مقاطعة المعارضة للحوار الوطني، بل انتقلت إلى الشارع الموريتاني، حيث اندلعت مظاهرات رافضة لهذه التعديلات الدستورية، وهتف الآلاف من أنصار المعارضة الموريتانية في مسيرات مساء أمس الأربعاء بنواكشوط ضد تعديل الدستور، كما رفعوا شعارات مناهضة لحكم الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، ورافضة لما سموه بالمسار الأحادي.
وقال رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني، صالح ولد حننا، إن الشعب الموريتاني أراد التأكيد على أنه يرفض بقوة أن يقاد بالمسار الأحادي، وقال ولد حننا إن الشعب لن يخدع بعد اليوم بخطابات جوفاء، فيما قال الرئيس الموريتاني الأسبق، أعل ولد محمد فال، إن القوى المعارضة ستوقف مهزلة النظام الهادفة لتعديل الدستور، مضيفًا: النظام يبدو مستمرًّا في مهزلته هذه، لكن سنقف له بالمرصاد.
في ذات الإطار نظم المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، الذي يضم نحو 14 حزبًا سياسيًّا معارضًا، مسيرة في نواكشوط، ووصف المنتدى إقرار التعديلات الدستورية بأنه تم بشكل أحادي، وتعهد قادة الأحزاب المكونة للمنتدى بمواصلة التعبئة الشعبية، وذلك في إطار الخطوات التي يتخذها المنتدى للحيلولة دون تمرير التعديلات، والتي كان أولها مقاطعة جلسات الحوار.
في الوقت نفسه حدد نائب رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، محمد المصطفى ولد بدر الدين، أهداف مسيرة المعارضة في ثلاث نقاط، هي: رفض الحوار الأحادي، ورفض تعديل الدستور، والتذكير بمطالب الشعب التي تجاهلها الحوار، فيما اتهم الرئيس الموريتاني السابق والمعارض الحالي، أعل ولد محمد فال، النظام الحاكم بالسعي إلى تثبيت الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، في الحكم لفترة رئاسية ثالثة، أو توريث الحكم لأحد المقربين من الرئيس، الأمر الذي يتعارض مع الدستور.
ويرى مراقبون أن الأزمة السياسية المندلعة في نواكشوط إذا لم تتداركها الحكومة والرئاسة الموريتانية فإنها قد تصل إلى مقاطعه أحزاب المعارضة للاستفتاء وحتى للانتخابات التشريعية القادمة، الأمر الذي سيضع النظام في حرج كبير، خاصة مع تحذير المعارضة من أن المساس بالدستور دون إجماع قد يؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد.
في الوقت نفسه فإن هذه التوترات السياسية تدق ناقوس الخطر حول استغلال التنظيمات المتشددة المُحيطة بموريتانيا وخاصة “داعش” هذا الوضع السياسي والاقتصادي المضطرب؛ لتحكم قبضتها على منطقة الساحل الإفريقية، وهو ما أكدته التحذيرات الأمريكية الأخيرة التي أعلنت عنها السفارة الأمريكية بنواكشوط، وقالت إنها تلقت معلومات من الإدارة الأمريكية تفيد بمخطط لتنظيم داعش يستهدف الرعايا الأمريكيين بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، وأكدت السفارة أن واشنطن رصدت سلسلة مكالمات لقيادة تنظيم داعش تدعو أتباعها إلى استهداف الرعايا الأمريكيين في أكثر من نقطة حول العالم، وطالبت السفارة كافة الأمريكيين المقيمين بنواكشوط إلى توخى الحذر وإغلاق المنازل وتأمين السيارات والانتباه بقوة للمخاطر المحدقة، وتجنب الجلوس في المناطق المكشوفة على الأزقة والشوارع، والحذر عند ارتياد الأماكن التي تكون معهودة للرعايا الغربيين بنواكشوط.
من جانبه نشر مركز “إنتربرايز” الأمريكي للبحوث تقريرًا عن احتمال تعرض موريتانيا لموجة عنف وعدم استقرار، واعتبر التقرير أن موريتانيا والجزائر تواجهان حالة من عدم الاستقرار، وأن موجة الربيع العربي الثانية ستشملهما، وأضاف أن موريتانيا ستصبح أول دولة غير مستقرة في القريب العاجل، تتبعها الجزائر في ذلك.