من دستور غير معلن إلى مجلد محظور.. قصة "الكتاب الأخضر" للقذافي

21 أكتوبر, 2016 - 22:27

طرابلس ـ (أ ف ب) – اختفى اثر “الكتاب الاخضر” الذي حل لاكثر من ثلاثة عقود مكان الدستور، في ليبيا بعد خمس سنوات على مقتل مؤلفه الزعيم السابق معمر القذافي، واصبحت حيازته تعرض صاحبها الى خطر فعلي.

في مكتبته الواقعة في حي الاندلس الراقي في شمال العاصمة طرابلس، يجلس عبد السلام خلف مكتبه والى جانبه مجموعة من البطاقات البريدية التي كتب على بعضها عبارات ماخوذة من “الكتاب الاخضر”.

وتقول احدى هذه العبارات “الغاية النهائية للانسان هي ان يعيش حرا سعيدا وهذا هو الهدف النهائي للكتاب الاخضر”.

يؤكد عبد السلام وهو يشير الى البطاقات انها كل ما تبقى من حقبة “الكتاب الاخضر”. ويقول لوكالة فرانس برس “ارفض حتى ان اسمع باسم هذا الكتاب. ليست لدينا اي نسخ منه وقطعنا علاقتنا به منذ زمن”.

ويتابع صاحب المكتبة “لو وضعت نسخة منه في مكتبتي اليوم لبيعها لاحرقت المكتبة فورا. لا احد هنا يؤيد نظام القذافي، لكن حيازة هذا الكتاب المشؤوم، ولو حتى لمجرد اقتنائه، قد تؤدي الى عواقب وخيمة”.

ويروي احمد وهو اب لثمانية اولاد ان عناصر امنيين من النظام السابق اتوا الى منزله قبيل انتفاضة 2011 وقدموا له نسخا من “الكتاب الاخضر” من “مختلف الاحجام”، داعين اياه الى توزيعها على اقربائه.

ويقول احمد الذي يعمل صحافيا في مؤسسة اعلامية محلية “تخلصت منها كلها مؤخرا من دون ان يدرك احد انني كنت امتلكها. لا اريد ان اعرض حياتي او حياة احد ابنائي للخطر”.

– في كل مكان –

اصدر القذافي “الكتاب الاخضر” في ايلول/سبتمبر 1976 طارحا فيه ما قدمها على انها “نظرية عالمية ثالثة” ترفض الماركسية والرأسمالية. وسرعان ما اصبحت افكار الكتاب المؤلف من ثلاثة اجزاء، سياسية واقتصادية واجتماعية، في كل شارع وفي كل بيت.

ويقول احمد “كان الكتاب الاخضر يلاحقنا في كل مكان، من المدرسة، الى التلفزيون، الى الشارع″.

ويشير بسخرية الى ان “معظمنا لم يقرأه ولم نفهم غالبية ما جاء فيه من افكار كانت تفرض علينا بشكل ممنهج، لكننا اجبرنا على حفظ مقاطع منه، وعلى تمجيده على اعتبار انه عصارة افكار معمر. ويا لها من افكار!”.

بداية، ادخل الزعيم السابق الذي قتل في انتفاضة شعبية في 20 تشرين الاول/اكتوبر 2011، الكتاب الى مناهج التعليم واصبح لزاما تدريسه من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية ضمن مادة “الفكر الجماهيري”.

في الشارع، انتشرت افكار “الكتاب الاخضر” عبر لوحات اعلانية ومجسمات كونكريتية ضخمة. وفرض على اصحاب المحلات التجارية مهما كانت طبيعة تجارتها استخدام مقتطفات من الكتاب في اللافتات التي تحمل اسم المحل، وبينها “شركاء لا اجراء”.

وقبيل نشرة الاخبار الرئيسية عند الساعة التاسعة من كل مساء، كانت تبث على شاشات التلفزيون الليبي ولعقود مقتطفات من “الكتاب الاخضر” لها علاقة بطبيعة الاخبار التي كانت على وشك ان تعلن.

– قطعة تذكارية –

اليوم وبعد خمس سنوات من مقتل القذافي، انحصرت ذكرى “الكتاب الاخضر” ببعض البطاقات البريدية ورسوم الغرافيتي.

ففي شمال العاصمة طرابلس، تنتشر على جدران محاذية للشاطئ رسوم تسخر من القذافي ومن كتابه من بينها رسم “للكتاب الاخضر” فوق سلة للقمامة كتبت اسفله عبارة “الكتاب الاحمق”.

وعلى جدار اخر في منطقة قريبة، رسم للقذافي وهو يحمل كتابه قرب عبارة “انت وكتابك الى الجحيم”.

مع بداية انتفاضة 2011، جعل الليبيون “الكتاب الاخضر” رمزا لتمردهم على نظام قمعي حكمهم بيد من حديد طيلة اكثر من اربعة عقود، فاحرقوا الاف النسخ من الكتاب في الشرق اولا، ثم انتقلوا الى تدمير مجسمات الكتاب في الغرب والجنوب.

ورغم الذكريات السيئة التي يثيرها هذا الكتاب، الا ان بعض الليبيين لا يزالون يحتفظون به لمجرد اقتنائه كقطعة تذكارية.

وتقول مها التي تعمل موظفة استقبال في مكتب سفريات في طرابلس “جمعت كل النسخ التي كانت عائلتي تمتلكها وخباتها في مكان سري. لا اريد ان اتعرض لخطر الملاحقة، لكنني لا اريد ايضا ان افقد هذه الذكرى”.

وتضيف “يجب المحافظة على هذا الكتاب لانه شاهد على حقبة من تاريخ ليبيا رغم انها حقبة اليمة”.