قال الدبلوماسيّ الأمريكيّ السابق ومبعوث الرئيس أوباما السابق إلى الشرق الأوسط، دنيس روس، إنّ إرسال فريق مكوّن من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى الشرق الأوسط، السعوديّة، تُركيّا وإسرائيل، شكّل رسالة حسنة للحلفاء الرئيسيين، وهو أنّ خبراء الولايات المتّحدة ومسؤوليها السابقين من كلا الحزبين يستطيعون السفر كمجموعة ويتفقون على نطاق واسع على أهمية القيادة الأمريكية وانخراطها في المنطقة.
وتابع قائلاً إنّه يُمكن لبعض المشاركين أنْ يلعبوا أدوارًا في الإدارة الأمريكية القادمة، لذلك يشكّل حضورهم واستعدادهم للتحدّث مع قادة إقليميّين حول الأولويات والأفكار المحلية، دليلاً على أنّ أمريكا تقدّر هذه العلاقات الثنائية، على حدّ تعبيره.
ولفت، كما أفاد الموقع الرسميّ لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى على الإنترنيت، لفت إلى أنّ الزيارة إلى المملكة العربية السعودية كانت مثيرة للاهتمام بشكلٍ خاصٍّ لأنّ المملكة تظهر دلائل تشير إلى محاولتها أنْ تصبح نموذجًا عربيًا ناجحًا لدولة متطوّرة اقتصاديًّا.
فالطريقة الشفافة التي يُمارس بها السعوديّون الأعمال والدقّة وساعات العمل، تابع روس، أفضل ممّا كانت عليه من قبل.
كما أنهم يأخذون التطرّف على محمل الجدّ ويريدون توعية السكّان من أجل تشويه سمعة تنظيم “الدولة الإسلامية” وغيره من العناصر الراديكاليّة، على حدّ تعبيره.
أمّا في تركيّا، أوضح روس، فما زال الانشغال بغولن بالغ الأهميّة.
وبالنسبة لمعظم الأتراك، تابع الدبلوماسيّ الأمريكيّ السابق، يُشبه أيّ رفْض أمريكيّ صريح لتسليمه افتراض وصاية أنقرة على أسامة بن لادن بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ورفض تسليمه إلى واشنطن. ينبغي أنْ يفهم المسؤولون الأمريكيون، شدّدّ، تلك المشاعر التركيّة إذا كانوا يأملون معالجة المشكلة.
وفي إسرائيل، قال روس، أوضح القادة بأنّهم لا يريدون أنْ يُصبحوا دولة ثنائية القومية.
وأضاف أنّه من غير المؤكّد كيف ينوون تفادي هذا السيناريو، ولكنّهم يعتقدون أنّه من المحتمل العمل وفق إطارٍ إقليميّ يستفيد من تطوّر العلاقات العربية الإسرائيليّة بحيث تؤمّن الدول العربية الغطاء الدبلوماسي للفلسطينيّين وتكافئ إسرائيل، بحسب قوله.
ومع ذلك، استدرك روس قائلاً، إنّه قد لا تبدي الحكومات العربية اهتمامًا كافيًا أوْ قد لا تتمتع بالقدرة الكافية لتسهيل مثل هذا التقدّم، وحتّى لو فعلت، فلن يحصل ذلك بتكلفة منخفضة إذ سيتوجب على إسرائيل تقديم تنازلات كبيرة.
وبناءً على ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكيّة، قال روس، أن تُركّز على استعادة الشعور بإمكانيّة التوصل إلى حلٍّ قائمٍ على دولتين.
وفي ما يخص التخفيف من مخاوف الحلفاء بشكلٍ عام، ساق روس، يُمكن للإدارة القادمة أنْ تُنفذ سياسات تسعى إلى احتواء ميليشيات إيران ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار، ووضع خطط للطوارئ مع حكومات حليفة للتعامل بشكل أفضل مع ذلك التحدّي.
وقد يزيد ذلك أيضًا من قدرة واشنطن على طلب ما تريده من هؤلاء الحلفاء.
بالإضافة إلى ذلك، قال روس، يُمكن للمسؤولين الأمريكيين مساعدة السعوديّين في قضايا تتعلّق بإصلاحاتهم، كالمساعدة التقنيّة في العروض العامة الأولية.
وأخيرًا، خلُص إلى القول إنّه ينبغي على الإدارة الأمريكية القادمة أنْ تُوجّه دعوة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة كامب ديفيد في وقتٍ مبكرٍ لإجراء حوارٍ استراتيجيّ، بحسب تعبيره.
من ناحيته قال سفير واشنطن الأسبق في بغداد وأنقرة، جيمس جيفري، الذي شارك في الزيارة إلى الدول الثلاث، قال إنّه عند كلّ مرحلة من الجولة، قال المحاورون إنّ الشرق الأوسط قد وصل إلى مستوى جديد من الفوضى والغموض. كما عبّروا عن قلقهم بشكلٍ خاص بشأن إيران وروسيا.
وفي الوقت نفسه، أعرب المسؤولون السعوديّون والأتراك والإسرائيليّون عن تفاؤل ما حول وضع بلادهم على الرغم من المشاكل الإقليميّة، وهذا دليل مشجّع.
وبرأيه، تعكس الدول الثلاث القّوة العسكريّة في محيطها بشكلٍ غيرُ مسبوقٍ في ما يخص تبادل المعلومات الاستخباراتيّة وغيرها من الأنشطة.
وقد يعني ذلك تقاسم الأعباء، لكنّ الولايات المتحدة اعتادت على جمع الكل تحت رايتها، ويُبدي هؤلاء الشركاء النيّة والاستعداد للعمل مع واشنطن، قال جيفري.
وبالنسبة للأتراك، أوضح جيفري، كانت محاولة انقلاب أتباع غولن شبيهة بأحداث 11 أيلول (سبتمبر)، أيْ صدمة حقيقيّة.
فقد شاهدوا انقسام الجيش وتوجيه نيران أسلحته الغزيرة ضدّ شعبه.
أمّا الخبر السّار، قال السفير الأمريكيّ السابق، فهو أنّهم يرون جميعًا أنّ فشل الانقلاب هو نتيجة مباركة. ونتيجة أخرى هي أنّ الرئيس أردوغان خرج من الحادث أكثر قوّة، على الرغم من أنّ الشعب ما زال منقسمًا بين مؤيّد ومعارض له.
وتابع أنّه قد تطرح هذه التطورات مشكلة له، لكن ذلك يتوقّف على كيفية استخدامه لشعبيته الحالية.
وعلى كلّ حال، قد يبقى موضوع طلب تسليم غولن مسألة ثنائية طويلة الأجل، خلُص جيفري إلى القول.
في 26 أيلول/سبتمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي مع ميغان أوسوليفان وفيليب غوردون ودينيس روس وجيمس جيفري، الذين عادوا مؤخراً من جولة مشتركة قام بها مسؤولون أمريكيون سابقون في الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى المملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل. وأوسوليفان هي أستاذة في كرسي “جين كيركباتريك” في “كلية كندي في جامعة هارفارد”، ومساعدة خاصة سابقة للرئيس الأمريكي لشؤون العراق وأفغانستان. وغوردون هو زميل أقدم في “مجلس العلاقات الخارجية” والمنسق السابق للبيت الأبيض لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج. وروس هو مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المميز في معهد واشنطن، وخدم في مناصب بارزة لصنع القرار خلال عدة إدارات أمريكية. وجيفري هو زميل متميز في زمالة “فيليب سولوندز″ في المعهد وسفير الولايات المتحدة السابق في العراق وتركيا. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
ميغان أوسوليفان
عندما نتكلّم عن المملكة العربية السعودية اليوم، ينقسم معظم المراقبين إلى فئتين عامتين. تتألّف الأولى من أناس لم يزوروا المملكة منذ فترة ويميلون إلى التركيز على التحديات الديموغرافية والاقتصادية الهائلة في البلاد، إلى جانب مسألة انتقال السلطة إلى الجيل القادم. وفي المقابل، أولئك الذين زاروا المملكة مؤخّراً ويغادروها مندهشين بالحيويّة والشعور بالمسؤولية وأهمية الهدف والإمكانيّات التي تعكسها تلك البلاد ومتفاجئين بها، وهو تغيّر لم يُلاحظ سوى في السنوات القليلة الماضية.
وتُعتبر هذه الفترة مرحلة اقتصادية مهمّة لأنّ القادة السعوديّين يدركون تماماً بأنّ التغيّرات الهيكلية الحاصلة في أسواق النفط قد تمنع ارتفاعات حادة في الأسعار، ما يعني أنهم بحاجة إلى التغيير من أجل ضمان البقاء. ومن المثير للإعجاب تأكيد [ولي ولي العهد] الأمير محمّد بن سلمان على سلطته والفريق الذي استقطبه للعمل على هذه التحدّيات. وقد استُهلّت كلّ محادثة تقريباً، في خلال الزيارة الأخيرة، بالحديث عن خطّة التحول الداخلي التي أُطلق عليها اسم “رؤية 2030″ وهي خطّة طموحة للغاية. لكنّ السعوديّين يدركون أوقات الشدّة وضرورة معالجة القضايا الصعبة.
ويتضمّن ذلك إجراء تحوّل في الحياة الإجتماعية والسياسيّة فضلاً عن الاقتصاد. وكما قال أحد محاورينا، هناك “ثورة في البلاد تتزياً برداء الإصلاح الاقتصادي”. ومثل هذه الاعترافات مشجعة للغاية، على الرغم من استمرار الجدل الداخليّ حول سرعة هذه التغييرات وإمكانيّة تعديلها للنسيج الإجتماعي. وبشكل عام، يهتمّ المسؤولون بالإبتعاد عن النفط لكنّهم يدركون اعتماد المملكة عليه على المدى المتوسّط.
ويبدو أنّ التحوّلات قد طالت دور الدين أيضاً. إذ يودّ القادة السعوديّون نقل مشروع الدولة من نمو إيديولوجي إلى آخر وطني، مع أنّهم لم يكونوا كثيري الدقّة حول الخطوات التي سيتخذونها باستثناء تحييد الشرطة الدينيّة على مدى الأشهر الستة الماضية.
ومن جهة اخرى، تعطي تركيا الأولوية لجهود الحفاظ على وحدة سوريا ومركزيّتها، على الرغم من الإجماع بأنّ هذا الهدف صعب التحقيق. وينظر المسؤولون الأتراك أيضاً إلى أكراد العراق وسوريا بطريقة مختلفة تماماً. وبينما قد يرغب الرئيس الأمريكي القادم في التخفيف من حدّة عمليات التطهير الجارية عقب محاولة الإنقلاب التركية، إلا أن كلمة واشنطن لن تكون مسموعة بشأن هذه المسألة إلاّ إن كانت متعاطفة مع اهتمامات أنقرة حول فتح الله غولن وحركته المعارضة.
فيليب غوردون
تتمتّع المملكة العربية السعودية بشعور واضح بالمسؤولية وأهمية الهدف. وعلى الرغم من محاولتها إجراء إصلاحات اقتصادية سابقاً، إلاّ أنّه لديها الآن مجموعة شابة وحيويّة من موظفين كانوا قد عملوا في القطاع الخاص، ويملكون رؤية وتصميم صادق لتحويل البلاد. وبالفعل، تتمتع المملكة بمسار محدّد يدعو إلى التفاؤل في المرحلة القادمة.
وفي الوقت نفسه، سيواجه القادة السعوديّون بعض المناهضة من شعبهم حيث سيبدأ الناس بالعمل ودفع الضرائب والعيش من دون إعانات ماليّة للمرّة الأولى [في حياتهم]. وقد تنشأ أيضاً مشاكل خلافة ضمن العائلة المالكة. وفي حين تهتمّ الولايات المتّحدة بنجاحهم وينبغي عليها دعمهم، إلا أنها لا تستطيع أن تكون متهكمة بشكل مفرط وتشكو من انتفاء التغيير بينما لا تسانده هي عندما يحاول السعوديّون تطبيقه فعلاً.
أما السياسات الخارجية التي تتبعها الرياض، فلا تدعو إلى نفس القدر من التفاؤل. فالسعوديّون مقتنعون بأنّهم يخوضون صراعاً طائفياً وجيوسياسيّاً مع إيران، وهم مصمّمون على متابعة هذا الصراع. ويعني ذلك أنّهم سيستمرّون في تمويل الحربين في سوريا واليمن على الرغم من النتائج السلبية في البلاد والخارج.
ويقلّل الأمريكيّون من أهميّة محاولة الانقلاب التي وقعت هذا الصيف في تركيا ومن تأثيرها الصادم. فقد تعرّض البرلمان للقصف واخترق أتباع غولن النظام، فتركوا المحافظين والعلمانيّين/الليبراليّين على حد سواء في حالة خوف من المخاطر التي تسبّب بها ذلك التيّار. ومع هذا، لا تزال الولايات المتّحدة تميل إلى التقليل من أهميّة الانقلاب، مما جعل الكثير من الأتراك يشعرون بالخيانة. وفي الوقت نفسه، يتجاوز الرئيس رجب طيب إردوغان [صلاحياته] بشكل واضح في ردّه المحلي على الانقلاب. لذلك، على واشنطن أن تتخلص في المرحلة القادمة من الانطباع بأنّها غير مهتمّة بطلب تسليم غولن، وعليها أن تتواصل مع أنقرة حول كيفيّة التعاون ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» مع تقليل اعتمادها على أكراد سوريا.
وتكشف الجولة في إسرائيل عن وجود تباين في وجهات النظر حول العديد من القضايا الرئيسية. فلم يعد الاتّفاق الإيراني موضوع حوار أساسي. وفي حين تبرز أهميّة التطوّرات الحديثة في العلاقات مع الدول العربية، إلا أنها قد لا تتمتع بالأهمية نفسها على الصعيد الدبلوماسي كما يتمنّى الإسرائيليون (أي، فيما يتعلق بالإعتراف بوجود اسرائيل وتحقيق تقدم في القضية الفلسطينية). كما أنّ الإسرائيليّين منقسمو الرأي أيضاً حول سوريا. فمن وجهة نظرهم، في كلا السيناريوهين الأرجح حدوثهما، تشكّل حالة الفوضى التي ستلي رحيل الأسد أو استمرار حكم الأسد وحليفه «حزب الله» تهديداً مماثلاً.
وعلى نطاق أوسع، عندما يتكلّم الشركاء والأصدقاء عن الحاجة إلى القيادة الأمريكية، يتكلّمون فعلاً عمّا يريدون أن تقوم به الولايات المتحدة. وفي الوقت الراهن، لديهم توقعات عالية بأنّ الإدارة الأمريكية القادمة ستتصرّف بطرق أكثر ملاءمة لهم. ومع ذلك، قد يواجه الرئيس الأمريكي القادم صعوبة في تلبية تلك التوقّعات، لأن إدارة أوباما قد حاولت بالفعل تأمين الدعم من خلال عمليات ضخمة لإرسال الأسلحة والتكنولوجيا.
“رأي اليوم”