إذ يهم العرب بالتآم الشمل في قمة انواكشوط، التي تحاول إظهار النقير من تبرعاتهم في مظهرها، الذي لا تهتم به عادة، فإن الغرب هو الآخر ممثلا في قمته يترقب، ويحملق في المشهد برمته، ولا أدل على ذلك من كلمات مشحونة أطلقها السفير الأمريكي لاري آندري بمناسبة عيد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، المعروفة بالتدخلات الحاسمة، في بنما، وفي العراق، وفي ليبيا، وفي يوغسلافيا، حيث كان يوجد طاغية الصرب ميلوزوفيتش.
عموما لدى العرب الكثير ليناقشوه، ولديهم الكثير ليلاحظوه، في "قمة تفرغ زينة"، التي لا يتوقع أن يخرجوا حوزتها الترابية، نظرا لكون المليون+ من الكيلومترات المربعة برغم الحديد والذهب والحيوان والمساعدات الأوروبية والعربية ليس فيه إلا بقعة واحدة يظهر فيها شبه العمار.
قمة انواكشوط ستكون فرصة سانحة لاستصدار قرارات عربية، يتم تناسيها ودفنها في الرمال متقلبة المزاج، وحين يرجع العرب لدولهم –لو قدر لهم ذلك- فسيجدون الهموم تضاعفت، فانقلاب تركيا سيضعهم جميعا في طور اختبار جديد وقاس، مادام آردوغان سينشغل انشغالا في تصفية وتطهير تركيا من الانقلابيين، وسيهمل التدخلات العربية العسكرية غير الموفقة، التي اصطدمت بالدب الروسي، وبالمد الصفوي الإيراني، وبسقوط العراق واقفة في طوفان داعش، وبالانفجار العنقودي الكبير، الذي تشهده سوريا، وكذا الانفلات الأمني غير المسبوق في اليمن، وانشغال أوروبا في الارتداد الإرهابي، الذي بدأ يطالها، ما جعل فرنسا تعيش عاما استثنائيا، وتخرج ابريطانيا من الاتحاد الأوروبي مستشعرة بحاستها السياسية القوية خطرا ما.
تأتي قمة "تفرغ زينة" في ظرف استثنائي حتى على المستوى الداخلي، فلو كانت في المغرب –مثلا- لكان ضيوف الشرف معظمهم في مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للرباط، ولكن مادامت عندنا فإن تكتل القوى الديموقراطية يستنكر ويندد بالحالة الكارثية لعاصمتنا الاقتصادية، بل أعلنها مدينة منكوبة، وأين هي من العواصم الاقتصادية في العالم؟
لقد نجح منظمو القمة على الأقل في بناء خيمة من "الشاش"، وما أندر الأوقات التي يبني فيها الموريتانيون خيمة للصالح العام، برغم الموارد الوطنية، ومساعدات الخارج، فكلا الموردين يذهب عادة لجيوب الأبناء البررة، حيث يعتبر الغلول من أسباب الغنى والزينة والتباهي، وحروب الفساد ... وما أدراك ما حروب الفساد؟
على أية حال الأخ الرئيس/محمد عبد العزيز دعا لمحاربة الفساد، ولا يزال منذ انقلابه، ومنذ انتخابه، وهو بأتم الاستعداد للتصريح بممتلكاته، وكذا كافة أعوانه من الجنرالات والوزراء وغيرهم، وقد سجن أبناء الوطن لقلة وطنيتهم، ونهبهم المال العام، ومن المنتظر بين الفينة والأخرى أن ينادي الرئيس الأمم المتحدة والعالم ليطلعهم على أملاكه الخاصة إن وجدت، هو وأصدقاؤه المخلصون للوطن، كما أنه من المتوقع أن تقوم الصحافة العالمية بتقصي أمواله وزمرته الطيبة في الخارج، ومساعدة الشعب الموريتاني بطمأنته على أن الرئيس وجنرالاته وغيرهم منذ 2007 لم يختلسوا دانقا.
لقد ارتاح السفير الأمريكي لرفض الرئيس الترشح لمأمورية ثالثة، وساير الموقف "الداداهي" نسبة للزعيم أحمد/داداه ولمسايريه من المنتدى، الرافضين للحوار والمأمورية الثالثة، وتعليق الأمريكان يحترم لدى الرؤساء واقعيا، إلا الذين منهم "امحوته ارواحهم"، أي الذين هم على موعد مضروب مع البأس الأمريكي، أعاذ الله بلادنا منه، وسائر بلاد المسلمين.
طبعا ليس من الجيد أن يتدخل السفير الأمريكي في الشأن المحلي، لكنه لم يتلق إشعارا رسميا بذلك، كما حدث سابقا مع مستشار في السفارة الجزائرية.
وكملاحظة من الجيد أن الرئيس لن يترشح لمأمورية أخرى دعما للمسار الديموقراطي، ومن الرائع أن يبقى الشأن محليا، لكن من الأروع أن يفند الرئيس مزاعم من زعموه أتى على الأخضر واليابس، كما أنه من الجيد أن تساعد المنظمات التابعة للأمم المتحدة في التحقق من قضية الفساد المالي للرئيس، خاصة ما دمنا واثقين منه، أي من استقامته.
ويبقى على الأمم المتحدة التي أوفدت أمينها العام بانكي مون، وأوفدت مندوبها المكلف بالتعذيب، والمندوب المكلف بحقوق الإنسان والعمل المدني-صاحب التقرير القاسي، أن تتحقق من كيفية اكتتاب الآليات الوطنية المساعدة في تطبيق الاتفاقيات الدولية، ومن شفافية اكتتابها، ومن وجود حاملي شهادات حقوقية من ضمنها، ووجود مناضلين حقيقيين.
فكما نعلم المخالفات القانونية كثيرة، وهذه اللجان بكماء صماء، وآلية انتخاب معظمها ليست شفافة ولا موضوعية.