كيف يموت العرب

7 يوليو, 2016 - 13:00

كل عام وأنتم بخير.. نتمنى الخير دوما والعافية للجميع، وجميع الناس الأسوياء يتمنونها لأنفسهم ولغيرهم من البشر الأسوياء مثلهم

، ولكن يبدو أن عالمنا العربي قد ضربه فيروس ينتشر عبر الهواء وعبر أثير الإذاعات والمحطات التلفزيونية وقنوات التواصل الاجتماعي، إنه فيروس القتل المتربص، قتلى بالمئات في كل وجبة إرهابية، حتى أن الإرهاب قد تعدى حدود المتوقع، فالأنظمة تشارك في صنعه، والجماعات تتبناه إستراتيجية وطريق عمل، والجيوش الرسمية تمارسه بأبشع وأفضح وأفظع صوره، من جرائم الجيش الإسرائيلي ضد العرب والفلسطينيين المدنيين على الأقل، إلى جيش وطيران النظام السوري وجيش الميليشيات كحزب الله ووكلاء إيران وكتائبها المقاتلة هناك، مرورا بجيش الحكومة العراقية ضد أبناء الأنبار.
لا يمكن أن تستمر الحياة في العالم العربي بكل هذا اليسر، وهذا الستر وهذه البحبوحة التي يعيشها غالبية من شعوبنا وبلداننا ما دمنا نقف في الجهة الخطأ، أو نصمت على كل هذه الكوارث التي تحصل دون صوت عال يعترض، فما جرى في بلادنا خلال عقدين مضيا، حطم كل آمال الجيل الجديد الذي لم يكن قد ولد بعد بأي أمل بمستقبل خال من الفوضى السياسية والنزاعات العسكرية والقتل العشوائي والتخلف الفكري والتعليمي والاقتصادي، والسبب ببساطة أن الإرهابيين موجودون في كل مكان، موجودون على مقاعد الرئاسة والحكومات عندما يقتلون الناس وطموحاتهم وآمالهم، وموجودون في البرلمان حينما لا يقومون بوظيفتهم الرئيسية في الرقابة والتشريع لحماية المواطن ومقدرات الوطن، فالإرهابيون يطاردونكم جميعا في كل مكان.
عندما يزف أبناء حي الكرادة في العاصمة العراقية بغداد رئيس الوزراء حيدر العبادي بالأحذية والحجارة وكل ما طالته أيديهم، ويهتفون له بالشتائم والتحقير والألفاظ النابية والذم والطعن في نسبه وعرضه وشرفه، وهو يسير كالمنقاد لحبل المشنقة خوفا وغضبا، فذلك ليس سوى واحد من الأدلة على عقم وتفاهة العقليات الطائفية والحزبية الشوفينية اليمينية المتطرفة في كل مكان، وحزب الدعوة العراقي الإيراني أحدهم، وهو الذي أسس قادته قبل ثلاثين عاما من عمره لعمليات التفجير والاغتيالات ضد خصومهم ومنافسيهم، قبل أن يحملوا المحتلين والمرتزقة على أكتافهم.
الجرائم البشعة والخارجة عن منطق الإنسانية والتي ارتكبتها قوات الحشد الشيعي بتحريض من قادته في مناطق الأنبار وفي الفلوجة التي تم حصارها وتجويع أهلها منذ ثلاثة أشهر وقتل كل من رفع يده فيها من المدنيين الأبرياء، رغم تقارير منظمات حقوق الإنسان العالمية، لم تجد أي مساحة في ضمير رئيس حكومة بغداد العبادي أو قادته الميدانيين، ولم يفكر حتى في الانتقال إلى مدينة الفلوجة والوقوف منتشيا بانتصاره عليها، ولكنه ذهب إلى حي الكرادة الفقير الذي ضربه إرهاب تنظيم داعش، ليثبت من جديد أنه ليس رئيسا لوزراء العراق، بل رئيسا لفئة وطائفة بعينها، وهذا أحد مؤشرات عقم الحلول لآفة الإرهاب، لأنه يبنى على ردود فعل طائفية قتالية.
شعوب العالم تتخوف من المستقبل بيئيا، وكثير من الجماعات العالمية تكافح من أجل خلق بيئة صحية وتعليمية نظيفة، وتوفير مقدرات العيش الكريم المتواضع ضمن نسبة فساد أقل وحالة أمنية أعلى، ولكن في عالمنا العربي لا أحد ممن يتولون المناصب العليا في الحكومات والرئاسات يفكر بما يفكر به المواطن الذي يحلم بمستقبل أكثر أمنا على حياته وحياة أبنائه لأنه لا يستطيع أن يشتري درعا واقيا ضد الرصاص ولا جهازا لكشف المواد المتفجرة، بينما يعيش أولئك وسط جيش من الحراس الأمنيين، ولذلك سيبقى العرب يموتون بالمئات، وهذا لن يبدو غريبا، بل سيكون شيئا عاديا في ظل حالة الاعتياد التي تربى عليها أطفالنا من خلال مشاهد القتل والدمار.
كيف يموت العرب، يموتون خائفين وجيوشهم تمتلك ترسانات الأسلحة الفتاكة، يموتون جائعين وحكوماتهم تعيش بين بذخ الفائض المالي وبذخ الاقتراض الخارجي والإنفاق أيضا على السلاح لمحاربة الأشباح، يموتون ضائعين في بلاد كانت يوما تستعمرهم وتدوس على رقاب أجدادهم من الثوار، يموتون كالطرائد في الأسواق والشوارع والتجمعات التسوقية، جرّاء جثة متفجرة كانت لإنسان انحط لأدنى من عقلية الوحش الجائع، والسبب أن الحضارة الجديدة التي أسس لها العرب المسلمون المنحرفون عن النهج المستقيم، أصبحت تستقطب الشباب الفارغ من كل فكر بديل عن التقليدي المتخلف.

فايز الفايز