
لم يضف جديداً الكاتب «عميد رور» في مقالة عن المصالحة بين تل أبيب وأنقرة، حين قال إنها ليست علاقة حُب دافئ، بل هي علاقة مصالح، وسبقه إلى ذلك الكاتب اليهودي غروسمان حين سخر ممن يصفون اتفاقيات السلام بين العرب والدولة العبرية بأنها استعادة لحب مفقود، فلا حب ولا عاطفة في العلاقات الدولية حتى لو تمت تغطية بعض المواقف بقشرة مزخرفة من البلاغة!
وما يغيب عن العرب أحياناً هو أن العاطفة لا مكان لها في معادلات براغماتية صارمة، ولو أدركوا ذلك مبكراً لما أصابتهم صدمات من طراز تلك التي أصابتهم من روسيا بدءاً من العراق وليس انتهاء بليبيا.
ذلك لأن الروس أنفسهم يعلنون عن استراتيجيتهم بلا أية مساحيق تجميل دبلوماسية، ورغم أنهم لا يقولون موسكو أولاً، فإنها الأول والأخير في مجمل حراكهم السياسي.
وذات يوم دار حوار بين الراحل بومدين والكسي كوسيجين في الكرملين حول الصراع العربي الصهيوني، وسمع الرجل ما لا يروق له سماعه من مضيفه الروسي، لأنه أوغل في التعويل على موسكو إلى الحد الذي فهم منه الروس أنه يطالبهم بالحرب نيابة عن العرب!
وعودة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب لا تشذ عن القاعدة الذهبية التي تقول باختصار إن المصالح هي الأهم، وما عداها يمكن التلاعب به سياسياً كالشطرنج!
وحين يتساءل بعضهم عن البُعد الأخلاقي في السياسة ومقايضاتها ينسى أنه طرق الباب الخطأ، وأن عدو الأمس قد يكون حليف الغد، والعكس صحيح أيضاً.
فالولايات المتحدة كانت بالغة الوضوح في التخلي عمن تصوروا أنهم حلفاؤها إلى الأبد، سواء كانوا من بينوشيهات أمريكا اللاتينية أو شاهات وأباطرة آسيا وإفريقيا.
ففي لحظة وجد بعض هؤلاء نفسه يحمل قبره على ظهره، ويطوف به العالم بحثاً عن مكان يدفن فيه.
وما أنفقه العرب من الوقت والجهد في البحث عن البُعد الأخلاقي الضائع والمحذوف من تضاريس السياسة الدولية كان يكفي لأن يعرفوا مصالحهم أولاً، لأن أمثولة الكرم الحاتمي من عالم الأدب والفروسية، وليست من السياسة في شيء!
خيري منصور