فيما وضعت حرب شيوخ الأغلبية المتذمرين من إلغاء غرفتهم، أوزارها، واصلت الخلية المكلفة بالتحضير للحوار الشامل على نار هادئة أمس طبخها لمائدة الحوار الشامل الذي أعلن عنه الرئيس والذي انقضت آجال إطلاقه التي أكدها الرئيس.
وتسعى الخلية التي يرأسها الوزير الأمين العام للرئاسة مولاي محمد الأغظف والتي تضم عدداً من كبار مستشاري الرئيس، لجذب ما يمكن جذبه من المعارضة الجادة إلى مائدة الحوار بعد أن تلقت تأكيدات بالمشاركة في الحوار المرتقب من طرف أحزاب لها مكانتها في معارضة الوسط بينها التحالف الشعبي التقدمي وحزب الوئام وحزب التحالف الديموقراطي.
وقد تخلت الحكومة في تحضيراتها الجديدة للحوار، عن مخاطبة المعارضة الجادة في إطارها الجامع الذي هو «المنتدى الوطني للديموقراطية والوحدة» لكونه أعلن من قبل عن إيقاف التواصل معها ما لم يقل الرئيس الوزراء الذين ألمحوا في تصريحات سابقة لزيادة مدد الرئاسة.
واتجهت الخلية الحكومية المكلفة بالحوار لمخاطبة أحزاب المعارضة بشكل انفرادي حيث اتصل محمد سالم ولد مرزوق أحد كبار مستشاري الرئيس ولد عبد العزيز، برؤساء أحزاب معارضة بينها العهد الديموقراطي برئاسة يحيا ولد الوقف والتجمع الوطني للإصلاح (محسوب على الإخوان) برئاسة محمد جميل ولد منصور، واتحاد قوى التقدم برئاسة محمد ولد مولود، واللقاء الديمقراطي برئاسة محفوظ ولد بتاح.
وقد تمكنت الخلية الحكومية من فصل حزب قوس قزح ألسان حمادي بالاس عن منتدى المعارضة حيث أكد هذا الحزب أمس انسحابه من منتدى المعارضة ومشاركته في الحوار.
أما أحزاب المعارضة الأخرى فإنها لم تعلن لحد ظهر أمس مواقفها من الدعوة الحكومية؛ وقد أكد محمد الأمين الفاظل القيادي في منتدى المعارضة أمس لـ»القدس العربي»: «أن الأحزاب المذكورة رافضة للمشاركة في الحوار المرتقب، ومتمسكة بموقفها المقاطع للاتصالات مع الحكومة والمشترط لرد مكتوب على وثيقة الممهدات التي سلمها المنتدى المعارض للحكومة».
وقال «هذه الأحزاب التي تمثل النواة الصلبة في منتدى المعارضة لن تقبل الانجرار وراء خدعة الحوار ولن تشارك إلا في حوار جاد وحقيقي يؤمن للبلد مستقبله واستقراره وإجماعه من خلال تناوب سلمي على السلطة في استحقاقات 2019 الرئاسية».
وبينما تتفاعل هذه العناصر، تنشغل الساحة السياسية الموريتانية باستكناه خلفية ورشة الإصلاحات الدستورية التي يزمع الرئيس الموريتاني إطلاقها من خلال الحوار المنتظر، وهي الإصلاحات التي يتصدرها استفتاء شعبي حول إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس جهوية.
وتتخوف أوساط المعارضة من أن يكون هدف هذه الإصلاحات هو فتح المجال أمام الرئيس ولد عبد العزيز ليترشح لمأموريات رئاسية أخرى بعد انقضاء مأموريته الحالية التي هي الثانية والأخيرة حسب الدستور.
وإذا كانت مسألة إنشاء مجالس جهوية منتخبة مكلفة بالتنمية المحلية للأقاليم، مسألة مقبولة لدى الجميع، فإن قضية إلغاء غرفة الشيوخ غير مستساغة حيث يراها الكثيرون غير مستعجلة وإن كان الرئيس قد بررها بعرقلة الغرفة للمسار التشريعي.
وقد هز الإعلان عن إلغاء غرفة مجلس الشيوخ صفوف الأغلبية الحاكمة وقاطع شيوخها جلسات دعت لها الحكومة لإجازة عدد من القوانين وأظهر هؤلاء الشيوخ عصياناً سياسياً واضحاً هو الأول من نوعه.
ومع أن الرئيس الموريتاني نفى بشكل واضح في تصريحات لهيئات إعلامية أجنبية، عزمه تعديل الدستور للترشح لمأموريات أخرى، فإن معارضيه غير مقتنعين بهذا الإعلان ويرون أن الرئيس سيجد طريقة ما للبقاء في السلطة بعد انتخابات 2019 التي يجب أن يغادر فيها السلطة ويسلمها لخلف منتخب.
ويخشى الكثيرون أن يدفع حب السلطة الرئيس ولد عبد العزيز لتعديل الدستور للبقاء في السلطة وهو ما سيجعل موريتانيا تنضم لنادي الدول الرافضة للتناوب الذي يضم الكاميرون وزيمبابوي وغينيا الإستوائية وأنغولا.
والذي يقلق المعارضة الموريتانية هو أن الرئيس لم ينف قط في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية ولا في خطب موجهة للشهب، عزمه تعديل الدستور رغم انشغال الساحة السياسية به، بل إنه ظل يؤكد كلما سئل عن هذا الموضوع «أن الحديث فيد سابق لأوانه»، وأن الإجابة ستكون عام 2019.
كل هذه التطورات بما فيها الشكوك حول تمديد مدد الولاية وبما فيها انتفاضة شيوخ الأغلبية، تؤكد أن الوضع السياسي الموريتاني رغم هدوئه في الظاهر يحمل في طياته بذور هزات كبيرة سيزداد خطرها إذا انقضت مأمورية الرئيس الحالي عام 2019 بدون أن يكون في الإمكان تنظيم انتخابات مجمع عليها تؤمن لموريتانيا تناوباً على السطة عبر صناديق الاقتراع لا التناوب عبر الدبابات الذي عرفته البلاد مع استثناءات قليلة، طيلة العقود الثلاثة الماضية.
«القدس العربي»