ست وستون رواية

27 مايو, 2016 - 12:01

حين سقط جسر سانت لويس في أمريكا ذات يوم، وذهب ضحية سقوطه ستة أشخاص، اكتفت وكالات الأنباء بذكر عددهم فقط، قرر كاتب أمريكي أن يجمع كل ما يمكن الوصول إليه من معلومات عن حياتهم، وبالطبع استعان بالخيال لأن الواقع وحده بكل معطياته لا يكفي في مثل هذه الدراما الإنسانية.

وحين تأكدت الأنباء عن سقوط الطائرة المصرية القادمة من باريس إلى القاهرة، وعدد الضحايا ستة وستون إنساناً من جنسيات مختلفة، تذكرت على الفور تلك الحادثة، فهؤلاء الضحايا منهم من كان على موعد حميم، ومن كان يخطط لمشروع تطلب انتقاله من بلد إلى آخر، ومنهم السيدة التي تفقدت قبل الصعود إلى الطائرة الهدايا التي أحضرتها لأطفالها، ومنهم طاقم الطائرة الذي حلق آلاف الساعات في فضاءات العالم ولم يخطر ببال أحد أن النهاية ستكون في أعماق البحر المتوسط على بعد مسافة قصيرة من منزله وسريره الذي يحلم بالوصول إليه بعد رحلة ليلية طويلة. وأخيراً منهم أطفال رُضع، ناموا باستغراق في أحضان أمهاتهم ولم يخطر ببالهم أو ببال أهلهم أن البحر سوف يسرقهم ويغرقهم!
ستة وستون إنساناً تكتفي وكالات الأنباء بذكر أسمائهم، ولا بُد أن هناك روائياً من طراز الكاتب الأمريكي أثارت الحادثة خياله وبدأ يفكر بما يحلم به هؤلاء الذين لم يكونوا على موعد مع قاع البحر، وللمصادفة كتب الإيطالي لويجي بيراندلو مسرحية بعنوان «ست شخصيات تبحث عن مؤلف»، وهم بالتأكيد ليسوا الستة الذين سقط عليهم جسر سانت لويس، لكنهم ربما كانوا هؤلاء الذين تناقلت الميديا أخبارهم منذ الفقدان حتى الرحيل.
البشر ليسوا أرقاماً صمّاء، إن لكل منهم سيرة ذاتية طويلة ومعقدة، لكن هؤلاء الضحايا وأمثالهم بانتظار الكاتب أو الروائي أو السينارست الذي يستنطق صمتهم سواء وهم في قيعان البحار أو في مقابر مجهولة.
وقليل من الخيال يكفي لأن نضع أنفسنا مكان الآخرين وعندئذ ندرك كم نحن بشر وعرضة لمصائر مأساوية!
خيري منصور