أثار قرار إنشاء المجلس الأعلى للشباب في موريتانيا جدلاً واسعاً في البلاد، بين من اعتبره ضرورياً لتمثيل الشباب وضمان مصالحهم، وبين من عدّه محاولة لاستمالة هذه الفئة واستغلال قوتها لدعم النظام الحاكم، خصوصاً أن أعضاء المكتب التنفيذي اختيروا من بين المشاركين في "لقاء الشباب" الذي جمع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مع تجمّع شبابي.
وانتقد بعض المواطنين الذين تعرّضوا للتمييز والإقصاء في موريتانيا خلال العقود السابقة طريقة اختيار أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الأعلى للشباب، من بينهم "حراك المعلمين"، وهم صناعيّون تقليديون وضعتهم التراتبيّة الاجتماعية المسيطرة في موريتانيا في أسفل الهرم الاجتماعي. هؤلاء قالوا إن تشكيلة المجلس تقصي شباب "لمعلمين" من المشاركة بفعالية في تشكيلة المكتب التنفيذي، والدفاع عن حقوق هذه الفئة التي عانت من التهميش والحرمان، علماً أن شبابها يتطلّعون إلى تغيير واقع هذه الشريحة، وقد طالبوا بتغيير تشكيلة المكتب التنفيذي للمجلس الأعلى للشباب الذي يخلو من أي ممثّل عن هذه الفئة الاجتماعية.
كذلك، انتقد "لحراطين" (العبيد السابقون) الإقصاء الممنهج لشريحتهم، لافتين إلى أن النسبة التي تمثّلهم في المجلس لا تتوافق مع نسبتهم الكبيرة في المجتمع، والتي تتعدّى الـ 37 في المائة. وشُكّل المجلس التنفيذي للمجلس الأعلى للشباب من 14 شاباً اختيروا من بين المشاركين في لقاء الشباب الذي شارك فيه نحو 400 شاب من مختلف ولايات موريتانيا.
في المقابل، يؤكّد المدافعون عن المجلس أن تشكيلته راعت التمثيل الاجتماعي والمناطقي، واختير الأعضاء الذين أجريت معهم مقابلات بعد دراسة ملفاتهم وسيرهم الذاتية التي سجلوها في موقع خاص لهذا الغرض، ما يؤكّد أن طريقة اختيار الأعضاء كانت شفافة ونزيهة.
في هذا السياق، يرى مراقبون أن فكرة إنشاء المجلس مفيدة، إلا أن طريقة الإعلان عن تأسيسه هدفت إلى امتصاص غضب الشباب والسيطرة عليهم ومنع التظاهرات وتحجيم دورهم في صفوف المعارضة. ويقول الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين لـ "العربي الجديد" إن فكرة إنشاء المجلس جاءت بعد لقاء الرئيس الموريتاني بتجمع شبابي، وتعهده بإنشاء مجلس أعلى للشباب. بعدها، تسبّب اختيار أعضاء المكتب التنفيذي بمشكلة أخرى بسبب انتقاد أسلوب ومراحل اختيار الأعضاء والمعايير المعتمدة، ما دفع كثيرين إلى التشكيك بأهداف المجلس وقدرته على تمثيل الشباب وضمان مصالحه ووضع استراتيجية لإقناع الحكومة بإشراكهم في خططها. ويشير إلى أن 35 في المائة من الشباب في موريتانيا (تقدّر نسبتهم بنحو 70 في المائة من مجموع السكان) يعانون من البطالة، ويحتاجون إلى مؤسسة تمثّلهم تمثيلاً حقيقياً بعيداً عن التسييس والشعارات. ويوضح أنه ليس من الذين يميلون إلى إصدار الأحكام المسبقة على أي مشروع جديد "لكن الضبابية التي رافقت دور هذا المجلس منذ تأسيسه، وطريقة عمله، والمهام المسندة إليه، تضع علامات استفهام حول أهداف إنشائه والآليات التي ستمكنه من تحقيق أهدافه".
ولعلّ الملاحظة الأبرز بعد إنشاء هذا المجلس كانت تراجع حدة التظاهرات الشبابية التي كانت تُنظّم احتجاجاً على البطالة وارتفاع التكاليف المعيشية ومشاكل التعليم، ما يدعم الرأي القائل إن الدولة أنشأت هذا المجلس لإبعاد الشباب عن الحديث في أمور السياسة والشأن العام.
وما زال آلاف الشباب في موريتانيا ينتظرون القرارات المصيرية التي سيتخذها المجلس لتنفيذ المشاريع وإطلاق المبادرات المتعلّقة بمستقبلهم، ويأملون ألّا يكون عمله محصوراً بنشاطات موسمية أو تقديم استشارات للحكومة. من بين هؤلاء الشاب محمد الأمين ولد القاضي (22 عاماً)، وهو طالب جامعي. يرى أن إشراك فئة الشباب في صنع القرار يعد أحد أهم المطالب التي ينتظرها الشباب من المجلس، ويأملون أن يبقى بعيداً عن التسييس والبحث عن الأصوات الانتخابية. ويقول إن "الالتفات إلى الشباب هو شعار مختلف الأنظمة المتعاقبة على الحكم في موريتانيا"، مشيراً إلى أن "الأمر ضروري لانقاذ البلاد مما تعانيه من أمية وبطالة وفقر، وينسجم مع إعلان رئيس البلاد الاهتمام بشريحة الشباب".
ويطالب القاضي بتعزيز قدرات الشباب الموريتاني، وإشراك المجلس في تنفيذ الخطط التنموية الخاصة بالشباب، والاهتمام بالطاقات والكفاءات، واحتضان المغتربين، وإرساء مبدأ التشاور والابتعاد عن التجاذبات السياسية، وانتخاب هيئات داخل المجلس الأعلى للشباب تتمتع بالمصداقية والقبول لدى مختلف شرائح المجتمع.
نقلا عن العربي الجديد