الروائي الموريتاني مبارك ولد بيروك مسكون بقصص الصحراء

24 مايو, 2016 - 16:40

قبل أسابيع، فاز الكاتب الموريتاني مبارك ولد بيروك بجائزة "آمادو كوروما" التي يمنحها المعرض الدولي للكتاب والصحافة في جنيف تكريمًا لذكرى الكاتب الإيفواري "آمادو كوروما"، أحد أهم القامات الأدبية في القارة الأفريقية.

الرواية التي توّجت بيروك بالجائزة، هي "طبل الدموع"، الصادرة السنة المنصرمة عن دار النشر التونسية إيليزاد.
ولد مبارك ولد بيروك في خمسينيات القرن الماضي في مدينة أطار، شمال موريتانيا. درس القانون في المغرب وعملَ في مجال الإعلام، ويعدّ من مؤسسي الصحافة المستقلة في بلاده، إذ ساهم بتأسيس صحيفة "موريتانيا الغد" الناطقة بالفرنسية.

ويبدو مساره الأدبي "منطقيًا"، إذ بدأ بكتابة القصة القصيرة، قبل أن ينعطف صوب الرواية، ليكتب "ونسيت السماء أن تمطر"، عام 1987، التي فازت بجائزة الرواية المغاربية الفرنكوفونية. وبقي مبارك متنقلًا بين الفنين السرديين فأصدر لاحقًا رواية "مطرب الأمير".
المرأة واستعادة المجتمع الأنثوي
في أعمال مبارك، تحضر بوضوح الصحراء وحكاياتها وروحها وسحرها، فهو مسكون بتفاصيلها، وقال في حديثه لـ"ملحق الثقافة": "أهم ما يشغلني وأصر على طرحه في رواياتي، هو الصحراء وثقافتها، تلك الثقافة المنسية التي لا يُنظر إليها إلا كفولكلور يستمتع به السائح، أو كمنطقة لصناعة الإرهابيين"، وأكد: "أريد تقديم الصحراء برؤية صحراوي".

ويعدّ مبارك من روّاد الرواية الموريتانية المكتوبة بلغة موليير، ولا يعود ذلك إلى أنه من الأوائل في هذا المضمار بل إلى سبب آخر، حدّث به الكاتب الموريتاني إدوم ولد محمد لمين، "ملحق الثقافة": "يتصدّر بيروك كتّاب الرواية الموريتانية باللغة الفرنسية بجدارة. ليس فقط لأنه نشر حتى الآن ثلاث روايات رائجة، وحاز على أكبر جائزة يحصل عليها موريتاني في الأدب الفرنكوفوني، لكن أيضا لتمكّنه من فن السرد بشاعرية ممتعة تسحر القارئ، ولطرقه مواضيع تجمع بين الأصالة في ملامستها لواقع المجتمع الموريتاني والقضايا والقيم الإنسانية". وأضاف: "ما يميّز إنتاج بيروك في نظري، هو أسلوبه اللذيذ، الذي يمازج بين سلاسة النثر وانسيابية وصور الشعر وتعقيدات معانيه. إنه يكتب كحكّاء غلب الشعر على ما يروي، وكشاعر اختار الرواية كفن أدبي فطوّعها للشعر. تميّزه أيضا المكانة التي تحتلها المرأة في رواياته الثلاث، وحتى في قصصه القصيرة. نساء مثل "لولا" في رواية "ونسيت السماء أن تمطر"، "خديجة" في "مطرب الأمير"، "ريحانة" في روايته الأخيرة "طبل الدموع". فكل واحدة منهن هي الشخصية المحورية في الرواية، وكأن الكاتب يريد أن يذكّرنا بأن "المرأة هي مستقبل الرجل"، كما قال لويس آراغون، وأن مجتمعنا، رغم ذكوريته الظاهرة، بقي في الحقيقة مجتمعًا أنثويًا كما كان في حقب غابرة".
وواصل الكاتب إدوم ولد محمد لمين حديثه عن مكامن الإبداع في تجربة ولد بيروك: "أهم ما لفت انتباهي في روايات بيروك، هو وحدة الموضوع، فهو يصور في كل من "ونسيت السماء أن تمطر"، و"مطرب الأمير" و"طبل الدموع"، مجتمعًا موريتانيًا تتجاذبه متناقضات البداوة والحضر والاستمرار والتطور والماضي والحاضر، ويعبّر عن ذلك من خلال مصير شخصيات قوية المزاج، ثاقبة الوعي بما تعيشه من آلام التنازع الذي يحصل بداخلها، لكنها أيضا مكافحة وقوية الإرادة في رفض سلبها لإنسانيتها وحقها في اختيار طريقها في الحياة، حتى ولو كلفها ذلك حياتها، كما "خديجة"، أو مكانتها الاجتماعية كما "ريحانة". ومن هنا، يسمو بيروك برواياته إلى مقام العالمية والإنسانية".

يعتقد مبارك ولد بيروك أن الميثولوجيا الشعبية الموريتانية رافد مهم للأدب والرواية الموريتانية: "في رواية مطرب الأمير، بنيت روايتي على الميثولوجيا المحلية المتعلقة بإحدى الإمارات الموريتانية القديمة، وأظن أن الميثولوجيا الشعبية منجم خصب للرواية الموريتانية"، كما صرح لـ"ملحق الثقافة". وإذ رأى أن الرواية الموريتانية لا تزال في مرحلة الطفولة، أضاف: "لا توجد إلى الآن رواية موريتانية أو مدرسة روائية موريتانية، بل مجرد تجارب فردية، هذا يشمل الرواية المكتوبة باللغة العربية والمكتوبة أيضًا بالفرنسية".
ويعتقد أن سبب ذلك يرجع إلى أن الموريتانيين مرتبطون بالشعر أكثر من السرد، فأكثر من 99% من الإنتاج الأدبي الموريتاني هو شعر، وواصل قائلًا: "حتى حين يكتب الموريتاني الرواية يتأثّر بالشعر، أنا نفسي يحدث معي ذلك". وخلص إلى أن ما ينقص الرواية الموريتانية هو أن يكون الكاتب باستطاعته العيش من كتاباته.
وبالنسبة له، فـ"لا توجد تابوهات" أو محظورات موحدة، فكل شخص له "محظورات" ذاتية، لكن المهم هو أن يكون الكاتب صادقًا في ما يكتبه وألا يكتب من أجل "عيون أو مال" الشرق أو الغرب"، وفقًا لتعبيره.

ويبدو أن الحرية كقيمة سامية تحرّك إلى حد كبير إلهام ولد بيروك، يقول في ذلك الناقد عبد القادر ولد محمد: "حمل مبارك مشعل الحرية ونبذ ثقافة التقريظ في روايته الأولى قبل أن تطبع مختلف رواياته اللاحقة. لقد فرّ الكاتب الصحافي من سجن الأحداث السائدة، إلى أسلوب السرد في أحسن القصص، بغية انتقاد العقليات البائدة، وأظهر من خلال ابتكار شخصيات من الماضي الذي يحتضر في الحاضر، قدرة على وصف المجتمع الموريتاني المؤمن بالحرية بالمفهوم الوجودي، في تناقضاته المعيقة للحرية بالمعنى التقدمي، وقد تجلّت تلك التناقضات من خلال سحر الرومانسية على لسان إحدى شخصيات الروائي في الفجوة القائمة بين ورع يوم الجمعة ونفاق الأيام كلها، تلك هي حكاية بيروك مع سرد الحرية في رواياته الشيقة".

أحمد ولد جدو

العربي الجديد