الإفراج عن الناشط الحقوقي الموريتاني بيرام ولد عبيدي يفتتح مرحلة جديدة من مراحل صعود هذا الناشط الحقوقي المثير للجدال.
رئيس مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية "إيرا" الذي حكمت المحكمة العليا بالإفراج عنه، استحوذ على اهتمام ومتابعة كبيرَين في السنوات الماضية، وخصوصاً أنّ طموحه بات يتعدّى دوره الحقوقي في اتجاه دخول معترك السياسة عبر بوابة محاربة العبودية والدفاع عن حقوق شريحة الأرقاء السابقين.
بدأت قصة صعود ولد عبيدي مع تأسيسه مبادرة حقوقية لمناهضة العبودية بعد انهيار علاقته بالتحالف السياسي المؤيد للمرشح الرئاسي السابق الزين ولد زيدان الذي تولى رئاسة الحكومة الموريتانية في عام 2007. وطرح ولد عبيدي خطاباً حقوقياً وُصف بـ"الراديكالي"، في الوقت الذي نشط فيه أنصاره للكشف عن أحوال عاملات المنازل المستعبدات ومحاصرة أقسام الشرطة للضغط على الحكومة بهدف تنفيذ القوانين المجرّمة للعبودية ومعاقبة المتهمين بالاسترقاق.
ساعدت أجواء الانفتاح التي واكبت مرحلة الحكم المدني في عهد الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ولد عبيدي وأنصاره في تسريع وتيرة عمليات الكشف عن حالات العبودية وتكثيف الضغط الإعلامي والحقوقي على الحكومة لاتخاذ إجراءات عملية لمحاربة العبودية. واصطدم الرجل وأنصاره بالشرطة في مواقف عدّة، وظلّ صعود نجم الرجل هاجساً ليس للنظام الحاكم في موريتانيا فحسب، إنّما للزعماء التاريخيين لشريحة "لحراطين" (العبيد السابقين) وقادة حركة "الحرّ" (تابعة للحراطين) الذين اختاروا في العقود الأخيرة خطاباً أكثر اعتدالاً تجاه الدولة وشريحة "البيضان" (الأعلى مرتبة). وظهر هذا التنافس في محاولة قيادات "لحراطين" العودة إلى خطاب التصعيد، وقد عُدّل الدستور وضُمّن تجريماً للعبودية على أنّها جريمة ضدّ الإنسانية.
هاجم ولد عبيدي بعض قادة حركة "الحرّ" واتهمهم بالتواطؤ مع نظام "البيضان". كذلك هاجم النظام العسكري ورجال الدين و"الإقطاع" باعتبارهم مسؤولين عن مظالم شريحة "لحراطين" وبقاء العبودية في موريتانيا.
في 27 أبريل/ نيسان من عام 2012، دعا ولد عبيدي وسائل إعلام محلية ودولية إلى تغطية عملية إحراق مجموعة من الكتب الفقهية التي كان يرى أنها تؤسس لـ "فقه النخاسة والاسترقاق"، ما أدّى إلى ردود فعل شعبية ورسمية غاضبة. على أثرها، اعتقل هو وعدد من قادة حركته قبل الإفراج عنهم بشروط بعد نحو ستة أشهر.
أراد تأسيس حزب سياسي إلا أنّ وزارة الداخلية رفضت إعطاءه ترخيصاً، هو الذي حرص على اتباع خط سياسي مختلف عن المعارضة. شارك في الانتخابات الرئاسية في عام 2014 على الرغم من مقاطعة المعارضة، وحصل على المرتبة الثانية بعد الرئيس محمد ولد عبد العزيز. هذه الأصوات نقلته من مرحلة الحقوقي المشاكس إلى السياسي الصاعد.
على الرغم من معارضته لنظام الرئيس ولد عبد العزيز وتصريحاته القاسية ضد قادة نظامه ورموزه، كشفت الصحافة المحلية عن تقديم الحزب الحاكم تسهيلات لولد عبيدي خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية. حاول تلطيف خطابه السياسي والحقوقي تمهيداً لدور سياسي يطمح إليه، وشارك في ما عُرف بـ "ميثاق لحراطين" في 29 أبريل/ نيسان في عام 2013، وهي وثيقة وقعتها أكثرية نخب شريحة "لحراطين"، وقد طالبت "بإعادة تأسيس الجمهورية على قاعدة التقاسم الحقيقي للسلطة والثروة، ومنح مزيد من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشريحة الأرقاء السابقين".
أثارت خطابات ولد عبيدي غضب كثيرين، وقد حرص سياسيون موريتانيون على البقاء على مسافة منه. لكنّ اعتقاله في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014، جعله يحظى بتعاطف كبير ليس من الطبقة السياسية والاجتماعية المقربة من المعارضة فحسب، بل من آخرين من الأكثرية الحاكمة. اعتقل ولد عبيدي ونائبه إبراهيم ولد بلال وغيرهما على مشارف مدينة روصو، جنوب موريتانيا، أثناء تنظيم قافلة لمناهضة ما يصفونه بـ "العبودية العقارية". ووجّهت النيابة العامة تهماً إليه وإلى زملائه، منها "التحريض على العصيان" و"تزعّم منظمة غير مرخصة". وأصدرت محكمة روصو حكماً بسجنه عامَين.
وضع هؤلاء في سجن مشدّد الحراسة فى مدينة ألاك، وسط البلاد. وتحت ضغط المنظّمات الحقوقية، نقل ولد عبيدي ونائبه إلى نواكشوط في نوفمبر/ تشرين الثاني في عام 2015. تقدّم محاميه بطعن أمام المحكمة العليا بدعوى عدم اختصاص محكمة الاستئناف في ألاك في النظر في القضية. وأمس الأربعاء، أصدرت حكماً بنقض حكم محكمة روصو، وأطلقت سراحه هو ونائبه.
على الرغم من أن حكم المحكمة كان متوقعاً، إلا أنّ البعض فسّر التوقيت بأنه محاولة لتلطيف الأجواء بعد الأزمة الناتجة عن تصريحات الرئيس في مدينة النعمة، والتي فسرتها المعارضة بأنها إساءة إلى شريحة لحراطين.
وبعيد إطلاق سراحه، نفى ما أشيع عن وجود صفقة بينه وبين الحكومة، إلا أنّه أشار إلى تلقيه عروضاً. يُذكر أنّ الحكومة تسعى إلى إشراك المعارضين في حوارها المرتقب الذي تقاطعه أطراف أساسية في المعارضة.
نواكشوط ــ محمد فال الشيخ
نقلا عن العربي الجديد "بتصرف"