لا تزال أحاديث القمع بين الناشطين الشباب في موريتانيا، محور نقاش في مواقع التواصل الاجتماعي. يزداد التذمر من حالات السلطة «كمش» رقاب الناشطين وسجنهم. ولا تزال حكاية سيد عبدالله البخاري، الناشط في حركة «25 فبراير»، مع يوم الخامس عشر والسادس عشر من آذار / مارس، مضنية ومليئة بالقسوة في استحضار حوادثها الأليمة، بعد تعرضه للضرب المبرح على يد رجال أمن ملثمين.
يقول عبد الله لـ «القدس العربي»، إنه طوال الأسبوعين الأولين من شهر آذار/مارس كان منهمكاً في التحضير لنشاط الحركة الذي يحمل عنوان «مرجن_خاوي» (مرجل فارغ) وهي «عبارة عن حملة لها شق الكتروني وشق ميداني يتمثل في توزيع المناشير وختمناها بوقفة احتجاجية على شارع جمال عبد الناصر في العاصمة نواكشوط، حملنا خلالها شعارات منددة بارتفاع الأسعار وسياسات تجويع المواطنين التي يتبعها النظام»، موضحاً ان وقفتهم كانت «سلمية وحضارية»، لكن «عناصر الأمن قرروا وضع حد لاحتجاجنا السلمي فانقضوا علينا من أجل تفريقنا، حاولت مقاومتهم بشكل سلمي وهو ما زاد وتيرة تعديهم علي، حيث قاموا بضربي والتنكيل بي ورموني في حافلتهم مع بعض رفاقي وساروا نحو منطقة بعيدة من وسط العاصمة وأثناء نقلهم لنا وجهوا لنا بعض الاهانات الكلامية، عند وصولنا، قرروا رمينا في تلك المنطقة المعزولة ورفضنا وقلنا لهم إن يعيدونا إلى وسط العاصمة، بعدها انهالوا علينا بالضرب حتى تسببوا لنا في اصابات بالغة».
رواية عبدالله لا تنتهي عند هذا الحد، وهو يشرح معاناته كناشط مدني في بلد مثل موريتانيا، تنعدم فيه الحريات ويزداد قمع الشباب المنتفض على احوال البلاد. يقول القضية تكررت في اليوم التالي، «حين شاركت في نشاط حملة «ماني_شاري_كازوال» الأسبوعي، وهي حملة انطلقت قبل أكثر من شهر لخفض أسعار الوقود التي تواصل ارتفاعها في موريتانيا رغم انخفاضها دوليا، وقد بدأت كهاشتاغ وتحولت لحراك جماهيري في اكثر من ولاية»، وفق ما يقول، مؤكداً ان عنصر أمن ضربه بعصاه وسقط ارضا، من «بعدها أخذوني برفقة نشطاء ورمونا على شاطئ المحيط الأطلسي، ولاحظت أن من ينكلون بنا يضمون عناصر ملثمة لا يخرج لهم صوت».
لا تختلف قصة الناشط محمد عبدو كثيراً، عن ما حدث مع سيد عبد البخاري. يقول الشاب العشريني، ان «ما حصل هو أننا كنا على وشك انهاء الوقفة حين داهمتنا فرقة شرطة متخصصة في القمع بالتعذيب، وتم اختطافي وصديقيّ جمال ومصطفى إلى شاطئ البحر وتعرضنا هناك للضرب وتركونا على شاطئ المحيط وقد سبب لي تعدي الشرطة ندوبا بالغة التهبت لاحقاً»، وواصل محمد كلامه، مشيراً إلى أن «هذه الفرقة، أصبحت هي الفرقة الخاصة بالتعذيب، لقد مارست التعذيب في وقفة احتجاجية نظمت ضد فساد وزارة التعليم وفي وقفة حملة ماني شاري كزوال يوم الاربعاء الماضي».
جمال حمود، ناشط شبابي آخر، تعرض للتنكيل والقمع أثناء وبعد مشاركته في وقفة «مرجن خاوي»، موضحاً ان نصيبه كان تصدعات عند مرفق يده وضربات في الظهر، و»بعد أن بالغوا في ايذائنا وشتمنا وبعد أن وقع المناضل سيد الطيب مغميا عليه، قاموا بنقلنا بحافلة الشرطة إلى شواطئ المحيط. وحين رفضنا الترجل في ذلك المكان المهجور قمعونا مرة ثانية واستعملوا أنواع الشتائم والسباب ضدنا، وفى نهاية الأمر اتصل بنا الشباب وأوصلونا إلى المستشفى»، كانت تلك الحادثة معركة ضد حكم الفساد ولكن النضال سيظل مستمراً»، يختم جمال حديثه.
لم يقتصر العنف والاذلال في تلك الأيام علي قمع ناشطي «حركة 25 فبراير»، ونشطاء حملة «ماني شاري كازوال» في نواكشوط (لن اشتري البنزين)، بل تم قمع نشاطات للحملة في مدن أخرى، وفي يوم الاثنين 14مارس/آذار، تم قمع وقفة منظمة من قبل مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا) المناهضة للعبودية، وكانت الوقفة تطالب بإطلاق سراح زعيم الحركة بيرام ولد الداه ولد أعبيدي المحكوم عليه بالسجن لمدة سنتين وذلك على خلفية مشاركته في مسيرة ضد العبودية العقارية.
يقول حنن ولد أمبيريك، الناشط في الحركة في حديث مع «القدس العربي» انه تم استخدام قنابل مسيلة للدموع والضرب المبرح لتفريقنا وقد أسفر الأمر عن حدوث حالة اجهاض لإحدى الناشطات وهي توت منت سيدي، حيث تعرضت للضرب من قبل عناصر الأمن»، وأضاف ولد امبيريك:» هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المناضلات لهذا النوع من القمع، حيث تعرضن للشيء نفسه حين قامت مجموعة من الناشطات بتنظيم وقفة أمام مقر مفوضية حقوق الانسان المعتمد في موريتانيا».
وكانت السلطات الموريتانية منعت نشاطا لـ»المرصد الموريتاني» لحقوق الانسان كان ينوي فيه إطلاق تقريره السنوي المتعلق بحقوق الانسان في البلاد، وقد تحدث التقرير الذي حصلنا على نسخة منه، عن حدوث تراجع مقلقل للحريات في موريتانيا.
أحمد جدو
القدس العربي