خيارات الولايات المتحدة المتغيرة نحو الحركات الإسلامية؟ تركيا أردوغان إلى أين؟ (3)

8 أبريل, 2016 - 11:04
د. عبد الحي  زلوم

هارفارد صموئيل هنتنجتون ( وهو ايضاً من اركان المنظومة الامنية الامريكية)  :” لم يربح الغرب العالم بسبب تفوق أفكاره أو قيمه أو ديانته ، وإنما ربحه بسبب تفوّقه في استعماله للعنف المنظم، والغربيون غالباً ما ينسون هذه الحقيقة، أما غير الغربيين فلا ينسونها أبداً ” إن رد الفعل على عنف المستعمر أو المحتل هذا أسموه إرهاباً مع أن كافة الشرائع الدولية والسماوية  تعتبره حقاً مشروعا.

كما كتب هنتنجتون أن معظم الحكومات الإسلامية “كانت تفتقر المبرر لحكمها سواء أكان ذلك وفقاً للنظام الإسلامي أو الديمقراطي أو الوطني”، ولكن ما يقضّ مضجع هنتنغتون والغرب بأكمله هو دراساتهم التي يقومون بها والتي تظهر أنه في حالة انهيار أي نظام من هذه الأنظمة في “كل دولة خلال منتصف التسعينيات، فإن النظام الذي سيجيء بعده مباشرة سيكون نظاماً إسلامياً.” ولعل نتائج الإنتخابات في الجزائر التي اجهضها العسكر والتي جاءت بالاسلاميين في بداية العقد الأخير من القرن الماضي وما حدث في تركيا العلمانية بفوز الإسلاميين بأغلبية مطلقة في نهاية عام 2002 وكذلك  فوز حماس في فلسطين في إنتخابات نزيهة عام 2006 لدليل على صدق ما جاء به هنتنغتون. ووفقاً لهنتنغتون، فإن الصراع بين الغرب والإسلام هو أمر مفروغ منه. “فطالما بقي الإسلام هو الإسلام” (وهو ما سيحدث) “والغرب هو الغرب” (وهذا أمر مشكوك فيه) حسب قول هنتنغتون،”فإن الصراع الرئيس بين حضارتين عظيمتين وطريقتين مختلفتين في الحياة سيبقى يميز علاقتهما في المستقبل.

ًبعد أشهر من ظهور مقالة هنتنغتون “صراع الحضارات” الأولى في العدد الذي صدر صيف 1993 من مجلة الشؤون الخارجية والتي جاءت منها الاقتباسات أعلاه ومن كتابه بنفس العنوان ، قام منتدى الشرق الأوسط، بإصدار مجلة الشرق الأوسط ربع السنوية (Middle East Quarterly)، وهي مجلة مختصة بترويج الفكرة التي تقول إن الإسلام عدو لدود…” وبهذا الخصوص جاء في مجلة EIR قولها: “يعتبر معهد أبحاث السياسة الخارجية ومنتدى الشرق الأوسط مسؤولين عن القيام بأبحاث “أكاديمية تثقيفية” وشهادات وتعليقات لكل من الكونغرس الأميركي والوكالات الفيدرالية والعقول المفكرة والعديد من المؤسسات الإعلامية والمحلية والدولية وتقديمها بمغزى واحد فقط هو أن الإسلام يعد عدواً وأن على أميركا أن تتحمل مسؤولية مواجهته واستخدام القوة العسكرية في مواجهته وصد كل ما يسمى “بالأنظمة الإرهابية” الشرق أوسطية والإفريقية التي هي في حالة حرب مع الغرب.” أما رئيس تحرير مجلة الشرق الأوسط ربع السنوية التابعة لمنتدى الشرق الأوسط فهو مارتن كرامر (Martin Kramer) من جامعة تل أبيب، بينما يشغل منصب المحرر المسؤول باتريك كلاوس (Patrick Clawson)، مدير الأبحاث في منظمة آيباك AIPAC أقوى جماعات الضغط واللوبي الصهيوين .وقام ستيفن إميرسون (Steven Emerson) من معهد أبحاث السياسة الخارجية، بتأليف كتاب أسماه “جيش محمد: ولادة التعصب الإسلامي (Mohammed’s Army: The Rise of Islamic Fundamentalism) كما قام إميرسون (Emerson) نفسه بإخراج فيلم “الجهاد في أميركا” والذي بثته شبكة الإذاعة والتلفزة العمومية، والذي كان بدوره البداية الأكثر وضوحاً للحملة الصهيو – صليبية  ضد الإسلام التي شنت مؤخراً.

تخوف الحكومة الامريكية من الجماعات الاسلامية

قبل سنة 1979 وقيام الثورة الاسلامية في إيران كانت الادارات الأمريكية تنظر الى المشكلة الاسلامية نظرة أكاديمية وليس كإحدى النقاط المؤثرة على الأمن القومي الامريكي. الأ أن نظرة حكومة الولايات المتحدة للحركات الاسلامية بدأت تتغير بعد الثورة تلك نحو الاعتقاد بأن وصول الإسلاميين إلى السلطة سيجعلهم يتصادمون مع متطلبات السياسه الأمريكية، ومنها الوصول الى الامدادات والمصادر النفطية، وكذلك التعاون العسكري مع بعض دول المنطقة ، وأمن اسرائيل بالاضافة الى مصالح اخرى.

رفضت ادارة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش مقولة الأنظمة الشمولية العربية بأنها هي السد المنيع ضد التيار الاسلامي بل وربما بأنه إعتقد أن  هذه الحركات هي نتاج مظالم تلك الانظمة . قال بوش: “ستون سنة من قبول الولايات المتحدة بغياب الحرية في الشرق الاوسط لم ينتج عنه ضمان أمننا وسلامتنا…..”

دراسة خيارات التعامل مع الحركات الاسلامية

 قامت العديد من مؤسسات الدراسات الامريكية بدراسة الخيارات الممكنة للتعامل مع الحركات الاسلامية وكان من جملتها دراسة نشرت سنة 2006 وقام بها Jeremy M, Sharp)  ) وهو باحث متخصص في دراسات الشرق الاوسط في مركز ابحاث الكونغرس – بعنوان:”سياسة الولايات المتحدة لتحفيز الديمقراطية في الشرق الاوسط والمعضلة مع الاسلاميين  – الفكر الاسلامي والهوية”.

يقول الباحث حيث أن الحركات القومية العلمانية قد فقدت مصداقيتها نتيجة تلاحق الهزائم العربية بيد اسرائيل  في 1967 و 1973. فلقد قفزت الى الصدارة الحركات الاسلامية والعرقية لتملأ الفراغ الناتج عن ازمة الهوية في العالم العربي . واليوم تتصارع عدة خيارات على فراغ الهوية هذا. والاسلاميون المعتدلون يحاولون ملء هذا الفراغ بإصلاحات سياسية واجتماعية وخلق مجتمع يحكم حسب الشريعة الاسلامية. أما الاصلاحيون غير المنتمين للفكر الاسلامي فيحاولون استمداد الدعم من الفئات العلمانية والاقليات الدينية والعرقية والذين يعتبرون انفسهم كمواطنين من الدرجة الثانية . وهذه الفئات نفسها كثيراَ ما يتم اتهامها بأنها تتعاون مع الاجانب .  اما النخبة الحاكمة في الجيش فلقد كونوا هويتهم الخاصة لتقوية حكمهم بجمهوريات الحزب الواحد … ولاؤهم الأول والأخير هو المحافظة على إمتيازاتهم وارتباطاتهم مع الدول التي ساعدتهم بالوصول إلى الحكم.

  اغلب الباحثين يعتبرون الهوية الاسلامية هي الاكثر شيوعاً في العالم العربي . ويقتبس الباحث هنا ، من باحثٍ آخر اسمهQuintan W iktorowiez والذي يقول:

 ” ان الحراك الاسلامي جذوره عميقة في الايحاءات، واللغة، والتاريخ الثقافي للمجتمع الاسلامي وبالنتيجة تجاوبت معه الجماهير التي فقدت ثقتها بالامر الواقع وتقاسي من الإقصاء السياسي ، والحرمان الاقتصادي، والشعور باللاحول واللاقوة من قبل قوى خارجية وقوى العولمة الخفية” وهكذا استسلمت هذه الجماهير إلى أن ” الاسلام هو الحل ” لمشاكلها الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الحداثة وثقافة الاستهلاك الغربية.  ولقد سمحت بعض الأنظمة بالنشاط لإحزاب إسلامية بطريقة قانونية أو شبه قانونية ما دامت تلك الانظمة تعتقد أن هذه الاحزاب تساعدها في التنفيس عن الضغط السياسي للجماهير من قبل تلك الانظمة الاستبدادية، ولذلك فتجد علاقة تلك الانظمة والاحزاب الاسلامية بين مدّ وجزر .

وهكذا التزمت الولايات المتحدة، ولو انشائياً، بتغيير الامر الواقع للأنظمة الشمولية. وبدأت دراسات داخل مؤسسة السياسات الخارجية للولايات المتحدة لبحث أفضل الخيارات للتعاطي مع الحركات الاسلامية خصوصا تلك التي نبذت العنف كلاخوان المسلمين  وشاركت في المسارات السياسية في بلدانها . خرجت الدراسات بأن هناك ثلاث خيارات نلخصها كالاتي :-

الخيار الاول:  محاربة الاسلاميين وتحفيز الليبرالين

ويترأس هذا التفكير إسرائيل” ومعهد وشنطن لسياسيات الشرق الادنى” ]المعروف بصهيونيته[.يعتقد هؤلاء أن جميع الاسلاميين راديكاليون متطرفون بطبيعتهم اللاديمقراطية والمعادية للغرب واسرائيل. واذا كانت الحكومة الامريكية راغبة في ترسيخ الديمقراطية في المنطقة فعليها دعم الحركات العلمانية .

الخيار الثاني: التعاطي مع الحركات الاسلامية الوسطية النابذة للعنف

يرى بعض الباحثين ضرورة أن تخفض الولايات المتحدة من مخاوفها من الحركات الاسلامية النابذة للعنف وعدم ممانعة مشاركتهم أو دمجهم في الحياة السياسية . فالعديد من خبراء الشرق الاوسط يرون بأنّ اندماج هذه الحركات الاسلامية ستجبرهم الواقعية السياسية على اعتدال مواقفهم السياسية وبالتالي تحسين علاقاتهم بالحكومات الغربية. ويشير البعض إلى العلاقات الحسنة بين الولايات المتحدة وحكومة تركيا المحكومة من قبل حزب إسلامي محافظ.

الخيار الثالث: الخيار الواقعي

يرى كثير من العاملين في وزارة الخارجية الامريكية أن موقف الولايات المتحدة الحالي نحو الديمقراطية قد يختلف عنه من  بلدٍ لآخر نظراً لظروف كل بلد على حده، وكذلك موقع الاسلاميين في تلك البلدان. كما يرى بعض الخبراء بأن ارتباط الولايات المتحدة العضوي مع بعض الانظمة الشمولية يحتم عليها الانتقائية في معاملتها للجماعات الاسلامية.

اعتمدت الولايات المتحدة  الخيار ( التركي )

اعتمدت الولايات المتحدة هذا الخيار ( التركي ) وهو  خيار الأخوان المسلمين بإعتبار تركيا دولة حليفة في الناتو وأنها تلجأ الى الوسائل الديمقراطية الغربية في الحكم وأنها تتعاون مع اسرائيل عسكرياً واقتصادياً وأن مستوى المعيشة المرتفع سيُبعد جاذبية أي حركات اسلامية متشددة . بقي الحال كذلك الى 2011 حيث حدث أمران أحدهما الانتفاضات الشعبية وثانيهما مهاجمة اسرائيل لقافلة مساعدات تركية لغزة مما وتّر العلاقلات التركية الاسرائيلية . وهكذا تخطت تركيا الخطوط الحمراء لمعاداتها للبقرة الامريكية المقدسة ( اسرائيل).

…. وجاءت الانتفاضات . إن الانتفاضات لم تفجرها الولايات المتحدة كما يظن البعض مع انها حاولت وما تزال تحاول احتواءها وتجييرها الى صالحها وفق الخطة (B) والتي تكون جاهزة في ادراج الامبراطوريات  .ونحن اذ لا نتهم أحداً بالعمالة إلا أننا قد نتهم البعض بضيق الافق وغياب الفهم الاستراتيجي لما يدور حولهم أو بواسطتهم من حيث يعلمون او لايعلمون . وصل الاخوان المسلمون الى الحكم في مصر وتونس والمغرب وبدأ حراكهم في سوريا والاردن ارعب تطبيق هذا الخيار المحافظين الجدد واسرائيل فبدأوا عبر غرفهم السوداء بالتعاون مع قوى الشد العكسي لافشال هذا الخيار.  وبدأوا يركزون على الخيار الاول والثالث .

كان حكم الاخوان المسلمين القصير في مصر وبكل ما قد يكون عليه من مأخذ، وحكم اردوغان وحزبه في تركيا الاقل فساداً والاكثر “ديمقراطية” مما سبقه أو لحقه من انظمة.  كان حكمهم ذا شفافية عالية.  تعرضوا باستمرار الى قوى الشد العكسي من الداخل والخارج . كان الاقتصاد حتى في سنة حكم الاخوان المسلمين في مصر أكثر استقراراً واقل فساداً وكذلك في تركيا اوردغان . كان لهم مجتمع مدني ومؤسسات اجتماعية فاعلة تحارب الجوع والمرض . وتقف في طريقهم قوى محلية وعالمية عاتيه –  ولكن كان فكرهم الاستراتيجي يخلوا من البعد وكان قبولهم السياسي بالامر الواقع متل كامب ديفيد في مصر وحلف الناتو في تركيا وبالاقتصاد الرأسمالي منهجاً ما خلق نظاماً هجيناً مليئاً بالمتناقضات لا هو بالاسلامي ولا بالرأسمالي مما سهل قوى الشد العكسي على خلق المصاعب بل والانقلاب عليهم .

الملخص المفيد أن المحافظين الجدد واسرائيل قد ارعبتهم التجربة التركية التي اوصلت الاقتصاد التركي الى المرتبة (17)  عالمياً. كذلك فإن وجود انظمة عربية متناغمة فكرياً في ما بينها وبين تركيا هو أمر يتناقض كلياً مع سياسة فرق تسد الاستراتيجية الاسرائيلية وبالتالي الامريكية .

اصبحت التجربة التركية محكومٌ عليها بالاعدام عندما تمّ اعتماد الخيار الاول وهو خيار اسرائيل و مراكز ضغطها في الولايات المتحدة وتمّ اخراج كافة دبابير الشد العكسي من جحورها ولعلّ اقواها مؤسسات غولن فتح الله القابع في الولايات المتحدة الامريكية منذ حوالي 15 سنة والذي يدير من هناك مؤسسات اعلامية من جرائد ومحطات تلفزة و مدارس تعليمية بالمئات في العديد من البلدان وبنوك ومؤسسات صناعية . ولقد وجه غولن انتقاد علني الى اردوغان لاساءة علاقاته مع اسرائيل . ومن المعروف أن وكالة المخابرات المركزية الامريكية قد عينت حوالي 150 من منتسبيها داخل مدارس فتح الله غولن في جمهوريات اواسط اسيا التي انفصلت على التو عن الاتحاد السوفيتي.

لذلك ارى أن مصير التجربة التركية يسير الى نفس مصير تجارب الاخوان المسلمين في مصر وتونس وغيرها لان هناك انقلاباً جوهرياً في خيارات الولايات المتحدة مع الحركات الاسلامية .

   د. عبد الحي  زلوم

 مستشار ومؤلف وباحث

رأي اليوم