أسقطت نظامه وتركت البلاد تغرق في الفوضى
هكذا صفت أمريكا حساباتها القديمة مع القذافي
صادفت نهاية الاسبوع الذكرى السنوية الخامسة لإقدام طيران حلف الناتو على دك أسوار ليبيا بحجة حماية المدنيين ودعم تطلعات الليبيين نحو الديمقراطية.
ضربت طائرات الحلف الاطلسي الحربية وسفنه وغواصاته بعنف كتائب القوات النظامية ودفاعاتها الجوية ومعسكراتها وقواعدها الجوية وأسطولها البحري في كل أرجاء البلاد لحماية المدنيين من خطر ماحق أسهبت مسبقا وسائل الإعلام الغربية ووسائل عربية في وصف ما يمكن أن يكون عليه من عنف وقسوة.
تسارعت الأحداث وخرجت بسرعة عن السيطرة وعمت الفوضى وانتشر العنف في تلك الأيام المبشرة بربيع خصب واعد من المحيط إلى الخليج فتخلت أوروبا عن ليونتها المتحضرة وبدأ الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي يتحرك كالثور الهائج وشيئا فشيئا استعارت الإدارة الأميركية الديمقراطية الوديعة لفترة من الوقت منطق إدارة جورج بوش الابن الجمهورية واشتعلت ليبيا من أقصاها إلى أقصاها بالنار والعنف.
وفقد الغرب الأمل في جميع الوسائل الممكنة لحل الصراع في ليبيا بسرعة كبيرة ولم يعد يجد أمامه بين ليلة وضحاها إلا القوة العسكرية للتعامل مع الأزمة في ليبيا فبادر حلف الناتو إلى وضع تفويض مجلس الأمن بحماية المدنيين وإقامة منطقة حظر جوي فوق البلاد في قبضته وقبلها انطلقت الطائرات الفرنسية في 19 (مارس) 2011 ودمرت رتل القوات الليبية الحكومية على مشارف بنغازي.
خطة شيطانية
وضع الناتو صك مجلس الأمن رقم 1973 في محفظته وسارع إلى التعامل مع الأزمة الليبية بمفرده بعد أن ضخمها وأظهرها بصورة تبرر حزمه واندفاعه وحرصه الشديد على حماية المدنيين باستخدام قوة نارية جبارة لا تقارن بأي حال المقابلة لها بحسب صحيفة الغد الأردنية.
وفي افريل 2011 أعلن أوباما وساركوزي وكاميرون في بيان ثلاثي أن قرارات مجلس الأمن لا تقصي القذافي بالقوة لكن من المستحيل تخيل مستقبل لليبيا في ظل وجود القذافي في السلطة ورأوا أن تأمين انتقال سياسي للسلطة يستوجب أن يرحل القذافي ويرحل إلى الأبد .
وهذا ما حدث بالفعل بعد سبعة أشهر من العمليات العسكرية المكثفة سقطت طرابلس وقُتل فيما بعد القذافي بيد خصومه بعد استهداف رتله من قبل طائرات التحالف في ضواحي مدينة سرت وطويت صفحته إلا أن البلاد دخلت في دوامة من العنف ووجد خصوم القذافي من الجماعات المتطرفة الطريق سالكة أمامهم إلى مراكز القوة والسلطة فيما تعرض نشطاء المجتمع المدني والعسكريون ورجال الأمن والقضاة إلى حملة عنيفة من الاغتيالات وخاصة في بنغازي ودرنة وسرت.
حدث ذلك بعد أن نفض حلف الناتو يديه من الأزمة الليبية مباشرة بعد مقتل القذافي ولم يعد يعنيه ما يجري في ليبيا بل تغاضى عن كل الجرائم التي اقترفت لاحقا بحق المدنيين من تهجير وتعذيب وقتل وعاد أدراجه منتشيا بإنجاز مهمته على أكمل وجه.
وبهذا المعنى تحدث عدد من المسؤولين الغربيين ومن بينهم جيمس ستافريديس القائد الأعلى لقوات الناتو في أوروبا الذي أكد في عام 2012 أن العمليات العسكرية التي نفذها حلف شمال الأطلسي في ليبيا تعد تدخلا نموذجيا .
هذا التدخل النموذجي حول ليبيا في وقت قصير إلى دولة فاشلة ممزقة بين حكومتين وبرلمانين وآلاف المليشيات المدججة بالأسلحة وإلى ملجأ آمن للجماعات المتطرفة وفي طليعتها تنظيم داعش زد على ذلك أن البلاد فقدت استقرارها وأمنها وقسما كبيرا من مدخراتها وتوقف عمليا تصدير النفط وتعرض بعض الحقول للتخريب بعد هجمات للمتطرفين وانتشرت الجريمة وتهتك النسيج الاجتماعي بفعل الاقتتال الداخلي والصراع على السلطة والنفوذ .
تبرير امريكي للقتل
وعلى الرغم من كل ذلك وجدت مؤخرا المرشحة للانتخابات الرئاسية الأمريكية ووزيرة الخارجية السابقة وقت الحرب في ليبيا ميزة إيجابية كبيرة لتدخل بلادها وحلف الناتو العسكري في ليبيا عام 2011 تتمثل في أنه منع تحول ليبيا إلى سوريا أخرى بالنسبة لعدد الضحايا وشدة العنف!
وهكذا حملوا على عاتقهم مسؤولية تنفيذ قرار مجلس الأمن بحماية المدنيين واكتفوا بإسقاط النظام وتفرجوا على البلاد وهي تغرق في الفوضى والعنف وتتآكل كما لو أن حماية المدنيين متوقفة على حمايتهم من القذافي فقط كما لو أن هذه الدول المتقدمة بأجهزتها الاستخباراتية القوية ومراكز أبحاثها لم تلحظ أرتال المتطرفين وهي تجوب البلاد بحرية وتستعرض جهارا نهارا قوتها العسكرية في عدة مدن.
ولم يفعل الغرب أي شيء لإنقاذ الليبيين من هذه الورطة الكبرى ولم يرفع عصاه الغليظة إلا مؤخرا من خلال التلويح بتدخل جديد وهذه المرة لإنقاذ أوروبا من خطر محتمل يتمثل في تنظيم داعش الذي أصبح يُرى بالعين المجردة بوضوح فقط بعد هجمات باريس الدموية.
أما الولايات المتحدة بشكل خاص فقد أنجزت مهمتها بتصفية حساباتها القديمة والطويلة مع القذافي وباتت ليبيا دولة عاجزة ومفتتة ومن دون سيادة وبلدا مستباحا من كل حدب وصوب وهي لم تحرك ساكنا لوقف انهيار البلاد وانزلاقها نحو الفوضى ولم تُظهر حزمها إلا مرة واحدة حين قررت إخلاء سفارتها في طرابلس وحينها أجبرت الأطراف المتناحرة هناك على إسكات بنادقهم ومدافعهم إلى أن تنهي مهمتها وبعدها ابتعدت فيما البلاد تغرق أكثر فأكثر في مستنقع من الفوضى والعبث.