شكل مهرجان الوفاء والصمود مفاجأة قوية لوسائل الإعلام المحلية والدولية وبعض القوى المعارضة وحتى ولد داداه نفسه عبر عن تفاجئه بكم المشاركين في المهرجان واعتبره الأكبر في تاريخ مسيرته مع المعارضة الموريتانية الممتدة على مدى ربع قرن، لكن وقع المفاجأة كان أقل حدة على النظام بسبب تقاريره الأمنية التي كانت تتحدث دائما عن خطورة التكتل وضرورة تفكيكه..
في هذه العجالة سأحاول سرد بعض الملاحظات السريعة على أداء التكتل خلال الفترة الأخيرة، والتي أجزم أنها ساهمت بشكل كبير في هذا الالتفاف الجماهيري، دون أن أنسى طبعا التاريخ النضالي للحزب والذي شكلت هذه المواقف رصيدا إضافيا عليه:
- في سبتمبر 2013 قرر المكتب التنفيذي للتكتل إرساء قطيعة نهاية مع نظام عزيز وعدم الدخول في أي مسرحية هزلية (انتخابات غير حرة ونزيهة وشفافة ، حوار غير جاد..) من شأنها إطالة عمر هذا النظام المنهار وإعطائه جرعة من الشرعية هو في أمس الحاجة لها.. وقد تجسد هذا القرار في مقاطعة الانتخابات التشريعية والبلدية في 23 نوفمبر من نفس السنة، رغم أن الحزب دفع ضريبة معنوية ومادية كبيرة تجسدت في تخليه عن زعامة "مؤسسة المعارضة" ورئاسة المجموعة الحضرية لنواكشوط وبقية المناصب النيابية والبلدية وتمويل الدولة الذي كان الحزب يستغله في تأجير مقراته وتمويل أنشطته وأنشطة المعارضة..
- تعرض الحزب لحملة إعلامية شرسة ساهمت فيها بعض قوى المعارضة المشاركة في تلك المهزلة الانتخابية، لكن وقائع الانتخابات سارت بما لا تشتهيه سفن المشاركين فيها، فقد طغى على أجوائها التزوير المفضوح والذي أجَّل إعلان نتائجها أكثر من 10 أيام وأثبت وجاهة موقف التكتل.
- راهن بعض الساسة والإعلاميين على أن التكتل لن يقاطع الرئاسيات بسبب مطامع قديمة متجددة لدى زعيمه في رئاسة البلاد، لكن رد التكتل كان واضحا وصريحا، فقد جر من جديد قاطرة المعارضة إلى مقاطعة تلك المهزلة ونجح هذه المرة في جر قوى أخرى كانت تعتبر المقاطعة انتحارا سياسيا!
- أربك أداء التكتل وحرفيته في قيادة العمل المعارض النظام، فقد خرج النظام من جولات الصراع هذه ببرلمان فاقد للشرعية، مثير للسخرية ورئيس انقلابي ملأت فضائحه العالم وتناولت كبريات وسائل الإعلام الدولية فساده وفساد المقربين منه..
- قرر النظام شن حرب غير معلنة على التكتل وحشره في الزاوية، وقد استخدم في ذلك سلاحين:
1- أكذوبة الحوار:
وعى التكتل مبكرا عدم جدية النظام في الحوار، واتخاذه كوسيلة لذر الرماد في العيون، وشغل المعارضين عن عيوبه وفضائحه المتسارعة ، وإلهائهم عن مشاكل المواطنين ومظالمهم.. وهكذا أخذ النظام شعار الحوار كشماعة لمهاجمة التكتل واتهامه بعرقلته، مستعينا بأطراف داخل المعارضة وأخرى -داخل صفوف المعارضة- للتشويش على موقف الحزب الرافض للضحك على عقول المواطنين، وقد استطاع النظام من خلال هذه اللعبة جر أطراف من المعارضة لمهاجمة الحزب وشن حملات دعائية ضده، كما استطاع ، شق الصف المعارض وعزل التكتل عن بقية مكونات المنتدى..
2- الانسحابات الجماعية:
نجح النظام في سحب بعض الشخصيات التي سطع نجمها داخل التكتل بعد الإطاحة بنظام ولد الطايع كالأستاذ والسياسي البارز محمد عبد الرحمن ولد أمين وابنه البرلماني السابق الدكتور يعقوب ولد أمين والدبلوماسي المحنك بلال ولد ورزك وغيرهم.. وقد سوقت وسائل إعلام النظام أن هذه الانسحابات تبشر ببداية تفكك الحزب..
لكن هذه الرحى التي أراد لها النظام أن تحول التكتل إلى كيس طحين، خلصت الحزب من بعض القشور التي كانت تعيق حركته وعادت عليه بمردود إيجابي فانسحابه من المنتدى -أو على الأصح تجميده لعضويته- منح الحزب مساحة أوسع للمناورة والمبادرة، والجهر بمواقفه بشكل واضح وصريح. أما الانسحابات فقد منحت الحزب قدرة أكبر على الدخول في عمل نضالي جاد، كانت الصراعات الداخلية المفتعلة من أبرز معوقاته..
لقد كان مهرجان الوفاء والصمود حدثا مفصليا، فلم تستطع ديماغوجية الكتيبة الإعلامية للنظام أن تصل مرحلة التشكيك في الحشد -الذي وصفه الإعلامي أحمدو ولد وديعة بالأكبر في تاريخ ساحة ابن عباس- لأن الصورة كانت واضحة للجميع واستطاع مدونوا الحزب وشركائهم من المناصرين لمواقفه استغلال منصات التواصل الاجتماعي وإيصال الصورة والحقيقة بحرفية منقطعة النظير.
وإذا كان من الممكن إعطاء نتائج بالأرقام في الأداء السياسي خلال المرحلة الماضية وقدرة أطراف المشهد السياسي على توجيه بوصلة الفعل السياسي داخل البلد فإنه بموضوعية يمكننا أن نوزع النتائج على النحو التالي: التكتل والحركات الشبابية المعارضة: 60%، النظام 20%، بقية المنتدى 15% و المعاهدة 5%..
وذلك للأسباب التالية:
* نجح التكتل في المحافظة على تصدره للمشهد رغم مقاطعته مرتين متتاليتين للانتخابات وخسارته لكل المناصب الانتخابية، وقد اعترفت بقية أطراف المعارضة بوجاهة موقفه، ولا أدل على ذلك من مقاطعتها مجتمعة للرئاسيات، كما نجح في كبح جماح هواة المهازل والمسرحيات داخل المعارضة من خلال الممهدات التي فرض عليهم والتي أصبحت عائقا أمام بقية أطراف المعارضة تمنعهم من الدخول في حوار هزلي يهدف في الأساس لتشريع مأمورية جديدة لعزيز والتغطية على مشاكل المواطنين.
كما نجحت القوى الشبابية المستقلة في تحريك الساحة من خلال حملات إعلامية وأنشطة ميدانية قوية كحراك بلد ينزف، وحراك ماني شاري كزوال.. هذا بالإضافة للأداء الإعلامي والميداني المتميز لنشطاء 25 فبراير..
* نجح النظام في الخروج ببرلمان مشوه، والتمديد لرئيسه، لكنه فشل في المقابل في التغطية على المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحاصر البلاد وتنذر بانفجار أزمة خطيرة، وكانت الفضائح أبرز سماته خلال السنوات الأخيرة، فلا يكاد يمر يوم دون فضيحة جديدة تحجب موبقاتها كل الفضائح التي سبقتها.. لقد بات من حقنا أن نسميه نظام الفضائح!
* نجحت بقية المنتدى في مقاطعة الانتخابات الرئاسية، كما نجحت في المحافظة على حضور إعلامي قوي داخل المشهد السياسي، ونجح بعض مكوناتها في الحصول على مناصب نيابية وأخرى بلدية، لكنهم في المقابل فشلوا في جر النظام للحوار معهم -من دون التكتل- رغم كل ما قدموه من تنازلات.. كما فشلوا في التخلص من ممهدات الحوار التي فرضها التكتل أيام عملهم المشترك معه، كما برزت في صفوف المنتدى قيادات تهاجم المعارضة ويفهم من خطابها أن هنالك معارضة وموالاة ومنتدى!! بل وصل الأمر إلى أن أصبحت مكالمة من مولاي ولد محمد لغظف تُقام لها الدنيا ولا تُقعد..!
* فشلت المعاهدة في كل شيء ما عدى الحصول على بعض المناصب البلدية والنيابية والوظائف الرسمية!
أحمد حيمدان